وبضم هذه المعطيات الى بعضها البعض، يصبح التحليل السائد ميالاً نحو فرضية تقسيم المنطقة.
علينا أن نعيد النظر في بعض الثوابت من أجل التوصل الى مقاربة أكثر دقة مما يحيط بنا من تطورات، وما يمكن أن نشهده صبيحة يوم جديد وقد تحول الى أمر واقع مفروض.
أولاً: إن اتفاقية سايكس ـ بيكو فرضتها علاقات التوازن بين القوى الدولية الكبرى في تلك الفترة، حيث كان التنافس قوياً بين بريطانيا وفرنسا على مناطق النفوذ في آسيا وأفريقيا، وبضمنها منطقة الشرق الأوسط، مما دفعهما الى تقسيم المنطقة على أساس الاتفاقية المعروفة بعد التفاهم مع روسيا القيصرية التي كانت مهتمة بالسيطرة على الأجزاء الشمالية من إيران.
ثانياً: إن إستدعاء نموذج سايكس ـ بيكو لا ينسجم مع ظروف المنطقة الراهنة، فزمن الإمبراطورية البريطانية انتهى منذ أواسط القرن الماضي، وظهرت قيم جديدة تحكم النظام الدولي، في تغيرات سريعة تختلف كلياً عن تلك الفترة، وصارت المنطقة تحت هيمنة الولايات المتحدة التي تعتمد مناهج حديثة في السيطرة والنفوذ وإدارة الأزمات.
ثالثا: لا تميل الولايات المتحدة الى احداث تقسيمات جديدة في المناطق الساخنة الخاضعة تحت نفوذها، أو المرشحة لأن تكون تحت نفوذها. إنها تشجع على الإنفصال وعلى التفكك عندما تتعامل مع أعدائها كما فعلت مع الإتحاد السوفيتي. أما المناطق الخاضعة لها فليس من مصلحتها تفكيكها الى اجزاء أصغر، لأن هيمنتها المضمونة تجعلها تفكر بمراكز قوية منتشرة في العالم، لا أن تضعف مراكز القوة بالتجزئة.
رابعاً: إن إعتماد تجزئة جديدة في منطقة الشرق الأوسط، غير معروف النتائج بالنسبة لموقف إسرائيل في المنطقة، فقد تتغير موازين القوى بما يتعارض مع مصالحها الأمنية، وحالياً فان الوضع القائم في المنطقة هو الأفضل لها ولأميركا.
هذه النقاط التي سقناها بشكل عاجل، تجعلنا نميل الى عدم رغبة الولايات المتحدة في إحداث تقسيمات جديدة، ويظهر ذلك من خلال رفضها فكرة إقامة دولة كردية أو حتى إجراء استفتاء حول إنفصال كردستان.
إن الحديث المتزايد عن إحتمالات تقسيم المنطقة، ينطلق بالدرجة الأولى من أوساط المثقفين والسياسيين والإعلاميين في العراق والمنطقة، ثم يأخذ صداه في المحافل الدولية. وهي لا تعدو أن تكون إفتراضات إحتمالية لا تدعمها ثوابت السياسة الأميركية وتوجهاتها وطريقة إدارتها للأزمات.
علينا أن نثير نقطة مهمة في هذا السياق، أن الترويج لفكرة التقسيم والتجزئة من دون وقائع ثابتة، ربما يخلق جواً مساعداً لتبني هذه الفكرة، وبذلك تتحول الى أمر واقع نصنعه بأنفسنا، ثم نجلس نشكو من تبعاته بعد حين.