ومنذ الأيام الأولى لتأسيس بُنى الحشد الشعبي وتشكيلاته، أثبتت الأحداث والوقائع أنه بات رقماً صعباً بعد ان فرض وجوده في صميم المعادلة بسرعة غير مسبوقة، بفضل دعم أطياف الشعب والروح التضحوية المخلصة والاندفاع البطولي في سوح مقارعة الإرهاب.. حيث ساهم في وقف الانهيار الأمني الذي كان مترقباً، وانتقل الى منازلة العدو في مواقعه والمناطق التي دنّسها، وما البطولات والانتصارات التي سجلها أبطال القوات المسلحة وإخوانهم في الحشد الشعبي في آمرلي وجرف الصخر وبيجي، إضافة إلى انتصارات متفرقة في محافظات ديالى وبغداد وكركوك وصلاح الدين، وكذلك تمكنهم من عنصر المبادأة سوى علامات مشرّفة في ملحمة الحرب على الإرهاب، وهذا لم يرق للكثيرين، وعلى رأسهم أميركا، ووكلاء داعش والقاعدة والبعث الإجرامي في العملية السياسية، وكذلك دول محور الإرهاب في المنطقة وحواضن التكفيريين.
وأضحى جلياً اشتداد الهجمات الإعلامية الشرسة ضد الحشد الشعبي وتشكيلاته كلما سجّلوا انتصارات ميدانية وأطبقوا على المجاميع الارهابية في المناطق الساخنة، كجزء من الحرب النفسية المستمرة من قبل الأعداء ودوائر محور الارهاب وحواضنه في المنطقة، يتقدمهم سياسيو داعش المحليين (المنضوين في العملية السياسية) ومعهم ضباع (المحاصصة). وتهدف تلك الهجمات والحملات الإعلامية -فيما تهدف- الى تشويه صورة الحشد الشعبي وتشكيلاته المقاتلة بصور شتى، ووضع الحواجز النفسية بين أهالي المناطق الذي يستغيثون من دنس الارهاب التكفيري وتسلطه وإجرامه، وبين القوات المسلحة ومعها الحشد الشعبي، هؤلاء المرابطون على خطوط النار، والعازمون على تطهير كل شبر من أرض الوطن من رجس داعش ومشتقاته! كما تهدف تلك الهجمات الإعلامية الى التعتيم على الانتصارات المشهودة ضد قطعان الارهاب، وعدم تحويلها الى محرّك فاعل لضخ الروح المعنوية لدى المقاتلين الشرفاء. وتقف وراء تلك الحرب الإعلامية أبواق محلية تستغل مساحة الحريات، إضافة الى دوائر إعلامية عربية معروفة بمناصبتها العداء للعملية السياسية منذ سقوط الصنم، وهي تقود أيضا الإعلام الطائفي عبر حواضن الارهاب الخليجية، تشاركها المهام دوائر إعلامية غربية لا تفتأ تلوي عنق الحقائق تطبيقاً لأجندات استخبارية باتت غير خافية على الكثيرين.
ان ما شجّع ويشجع سياسيو داعش والضباع المتمترسة بـ(المحاصصة) على التمادي في النفخ بنار الطائفية ووصم قوى الحشد الشعبي والجيش العراقي وباقي القوات المسلحة بأنها طائفية وتنفذ أجندات طائفية؛ هي السياسة الأميركية في الدرجة الأولى، منسّقة مع محور الارهاب (قطر، السعودية، تركيا، الأردن وإسرائيل)، حيث عمّقت أخاديد الطائفية والمذهبية والعرقية في تناولها للأوضاع العراقية، وبإصرار مدروس يرمي الى وصم الشيعة بأنهم (كأغلبية في الحكم) قد مارسوا (الإقصاء والظلم والتهميش) بحق مواطنيهم السنّة! وهذا الافتراء والزعم كان يتكرر منذ سنوات وبشدة على لسان الرئيس أوباما والكثير من مسؤولي الإدارة الأميركية، مما أطلق العنان لباقي الأبواق الإعلامية العربية (وبالذات الخليجية والممولة من المؤسسة الوهابية) في التفنن بوصم الغالبية الشيعية بأنها ذات توجهات طائفية محضة، ضاربة -تلك الأبواق- بكل الحقائق الشاخصة التي تدحض تلك المزاعم والافتراءات عرض الجدار..!
ولقد تلاقف المتواطئون من وكلاء داعش والقاعدة والبعث الإجرامي في العملية السياسية ومعهم ضباع المحاصصة تلك المزاعم والافتراءات، وكانوا يطبخون عليها مؤامراتهم الهادفة الى تفتيت الصف الوطني وإيجاد الفرقة والتناحر وصولاً الى إشعال الحروب الأهلية، كما كانت تلك المزاعم بمثابة المعلقات والبكائيات التي يرددونها في كل فرصة تسنح لهم، مثلما كانت ذخيرتهم في (ساحات) الإرهاب التي أقاموها في الأنبار، وشهدنا في الأمس القريب وفي أخطر المراحل من الحرب ضد الارهاب، أي إبان سقوط الموصل، كيف كانوا يوصمون عناصر الجيش العراقي والقوات المسلحة بأنها طائفية ولا تعدو كونها مليشيات شيعية، وروجوا تسمية “جيش المالكي” حتى رددتها بشهية مقززة قنوات مثل “الجزيرة” و”العربية” والـ”BBC” و”يورو نيوز” وقنوات عربية وغربية كثيرة، ولا يحتاج المرء الى عبقرية ما حتى يكتشف ان هذه التسمية مشبعة بالطائفية المقيتة، وتُنبئ عن تنسيق (غير معلن) باستهداف الهوية الوطنية للجيش العراقي والقوات المسلحة لعزله في المناطق السنّية، وهذا بالذات كان محرضاً بارزاً لإشعال (توجسات وخشية) البعض في المناطق التي تأثرت بهذه الحرب الإعلامية، مما حال دون مؤازرتهم الجيش والقوات المسلحة ضد الإرهاب التكفيري، ثم حصد الارهاب زرعه الشيطاني في (نكبة الموصل) وتلتها مجزرة سبايكر التي اقترفها مجرمو البعث وداعش بدم بارد سقط إثرها 1700 ضحية -أو يزيدون- بدوافع طائفية صارخة..
وكان مسلسل التشويه والحرب النفسية قائماً بلا هوادة، وشهدنا اصطفافاً علنياً -غير مسبوق- بين طائفيي الحواضن الارهابية المحلية، وتلك الخليجية، مع بيادقهم من سياسيي داعش المحليين وضباع المحاصصة، ودعماً كاملاً من الخطاب السياسي الأميركي-الغربي ومضخاته الإعلامية، وذلك باستهداف مُركّز للحشد الشعبي وهو في بواكير تشكّله، وتم وصمه بأنه “مليشيات طائفية ومتعطشة الى الانتقام من السنّة” وان ظهوره “سيزيد الأوضاع تعقيدا”، وافتراءات ومزاعم أخرى كثيرة لا تقل عن هذا التكالب والاستهداف! ولم يُبطل بعض هذه المزاعم مأسسة قوات الحشد الشعبي وإخضاعها للإشراف الحكومي المباشر بالكامل، اذ استمرت وتستمر تلك الدوائر والأبواق بوصمها انها “مليشيات طائفية خارجة عن القانون”! والملفت هو ان كَمّ النقد والتشويه والاستهداف الذي يصوّب ضد الحشد الشعبي والقوات المسلحة من قبل أولئك هو أكثر بكثير من (النقد) الموجه لداعش والمجاميع الارهابية التي تفصح جهاراً بطائفيتها واستباحتها كل القيم والأعراف الإنسانية..
* * *
لا مشاحة في أن جسامة المهام وضخامة الجهود المبذولة على وسعة خطوط النار وجبهات الصراع ضد الإرهابيين، تفرز خطأً هنا وسلوكاً فردياً غير منضبط هناك من قبل بعض العناصر من القوات المسلحة أو الحشد الشعبي وتشكيلاته، وربما يعود أغلب ذلك الى اجتهادات فردية -ليست في محلها- ولا تمت بصلة الى اللوائح والتعليمات، أو ثمة انعكاس لتعقيدات ميدانية معينة، وهذا لا يستدعي البتة تضخيمه، أو يعطي الحق لسياسيي داعش وأطراف سنّية انخرطت في العملية السياسية لتجعله وقوداً يسلخ ويشوه الحقائق، والأنكى هو تعمّد إلصاق اقترافات وجرائم داعشية (ضد مواطني المناطق الساخنة) زوراً وبهتاناً (وبدون أدلة يُعتد بصدقيتها) بقوات الحشد الشعبي والقوات المسلحة! وهذا يندرج في حزمة أهداف مشبوهة، أهمها؛ التغطية على جرائم داعش والفصائل الإرهابية المساندة له، بعدما تفحمت صورتهم كـ(منقذين) للأهالي من (ظلم الشيعة)، وأيضا النيل من بطولات التضحويين من الحشد الشعبي، وتشويه سمعتهم ووصمهم بأشنع التهم والافتراءات، وهم منها براء. قبالة ذلك لم نلمس من أولئك المستشكلين والسادرين في إطلاق التهم والأكاذيب ذات الحماس والنشاط في فضح داعش ومشتقاته والفصائل الإرهابية الذين عاثوا في المناطق التي دنسوها فساداً، وأعتدوا على الأعراض وخاضوا في دماء الأبرياء، وخصصوا طوائف ومذاهب بعينها كأهداف أبرز، مع انهم لم يوفروا إجرامهم على الجميع ممن لم يقرّوا بفظائعهم أو يتعاونوا معهم.
ان الحلقة الأخطر في مسلسل الاستهداف ضد الحشد الشعبي وتشكيلاته، هو تدشين سياسيو داعش وضباع المحاصصة لمرحلة جديدة و(حرب ناعمة) من منصات المجلس النيابي وباقي المواقع الرسمية، وبلا رادع من قانون أو من سلطة تنفيذية، والمجاهرة بوقاحة وفجاجة بتصويب نيران حقدهم -بلا مواربة- صوب الحشد الشعبي، وبمزاعم واهية لا سند لها، يغذيها الشحن الطائفي وأجندة المؤامرة المستمرة من اليوم التالي لسقوط الصنم في 2003، ويستغلون الآن بأساليب مفضوحة بعض الأخطاء -التي تم الإشارة اليها- لتضخيمها وتحميلها ما لا تحتمل! تساندهم في ذلك -بتنسيق شبه معلن- أبواق إعلامية محلية وفضائيات خليجية للنيل من سمعة الحشد الشعبي وأبطاله ومضحّيه.
ومكمن الخطر هو هذا التعامل الرسمي بكل (أريحية) مع هذه (الحرب الناعمة)، وتكرار أخطاء الماضي، وذلك بغضّ الطرف عن التعامل مع الأخطار في مهدها أو بداياتها، والاكتفاء بالتفرج عليها وهي تتضخم لتصبح فيما بعد (أمراً واقعاً) تسترضيه وتستميله وتلبي مطالبه! وفق تلك السياسة تم فسح المجال لوكلاء الإرهاب والضباع في ممارسة شهيتهم بالإجهاز على المعطيات الوطنية والجهود التضحوية المخلصة، كما عملوا على تهديد السلم الأهلي، واستهداف أي جهد يفضي الى استعادة عافية الوطن -أو بعضاً منها- وما يسعى الى تحصين مكتسبات العملية السياسية التي ضحّى من أجلها المضحون عقوداً طويلة في حقبة الديكتاتورية، بينما كانت تلك الضباع أداة باطشة لتلك الدكتاتورية، أو على الأقل لم تضحِّ بشيء بتاتاً! ووصلنا الى مرحلة في التغاضي بحيث يتقيأ النائب طه اللهيبي بكل صلافة (وبلا خشية من عقاب أ ملاحقة) عبارات من عيار؛ “داعش مفترى عليها”، أو نائبة من كتلة “ديالى هويتنا” تُشبّه تضحيات وبطولات الحشد الشعبي بجرائم داعش.. وهناك أمثلة مشابهة كثيرة تضيق المساحة عن حصرها!
هل جزاء أبطال القوات المسلحة ومعها تشكيلات الحشد الشعبي التي تذود عن شرف الحرائر وكرامة الأهالي في المناطق التي يدنسها الإرهابيون هو النيل من سمعتهم وشهامتهم وتضحياتهم، عبر وصمهم بما ليس فيهم وكيْل التهم المفبركة بحقهم؟ بينما كان الواجب على وكلاء داعش السياسيين وضباع المحاصصة والمتباكين على (أهلهم) وقد تركوهم لقمة سائغة لأوباش الإرهابيين، أن يُقبّلوا أقدام أبطال القوات المسلحة والحشد الشعبي قبل أكفّهم وجباههم، لأنهم كانوا السباقين الى التضحية والفداء، واضعين أرواحهم على الأكف تلبية لنداء الضمير والوطن والمرجعية، للذود عن الحرائر، وتحرير الأرض من دنس الإرهابيين، في حين كان مفتي الإرهاب و(ساحات الثوار) عبد الملك السعدي لا يعترض على سبي الحرائر وبيع (الإماء)، ويسوغ للدواعش “جهاد النكاح” من فنادق عمّان ويدعو لهم بالنصر..!