إن السيد العبادي بطرحه أو بقبولة مشروع المصالحة، يكون قد وضع نفسه في موضع المتسبب بالقطيعة وصانع الأزمات مع الأطراف العراقية، مع انه ليس كذلك، فحكومته جديدة لم تكمل شهرين من عمرها بعد. وقد جاء الى الحكم بقبول عام داخلي وإقليمي ودولي، أي انه لم يصنع أزمة، ولم يقص طرفاً، ولم يهمش مكوناً، فمن هم خصوم حكومته حتى يتصالح معهم؟ ومتى ظهرت هذه الخصومات حتى يكون مضطراً لإطفائها؟.
ليس من المنطق أن توضع على مكتب العبادي ملفات الخصومات الفئوية والشخصية والسياسية التي كانت بين المالكي وخصومه. فعدم بلوغه الولاية الثالثة هي نقطة النهاية للمشاكل العالقة بين الحكومة وبين خصومه السياسيين والعشائريين، وتبقى تبعاتها منحصرة بين شخص السيد المالكي وبينهم، فبمقدورهم اللجوء للقضاء أو تناسي الماضي، كما ان بمقدوره ان يشكوهم للقضاء او يطوي صفحة الأمس، وكل ذلك يخضع لطبيعة العلاقة والاتفاقات والخروقات التي جرت بين المالكي وبين الأطراف الأخرى خلال سنوات حكمه الثمان.
إن طرح قضية المصالحة الآن، يعني أن المشكلة مع العملية السياسية من الأساس بدستورها وانتخاباتها وتوافقاتها البرلمانية، وفي هذه الحالة لا يكون السيد العبادي طرفاً فيها في مواجهة الأطراف الغاضبة ، إنما يتطلب الأمر إعادة النظر بالعملية السياسية من نقطة الصفر، وهو خارج صلاحيات ومهام ومسؤولية رئيس مجلس الوزراء.
لقد كان السيد العبادي مسؤولاً عن تشكيل حكومة تشترك فيها كافة المكونات السياسية، وتحظى بقبول جميع الأطراف، وقد التزم بذلك، وحظيت حكومته بقبول البرلمان ومباركة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، وبدأ مهمة تنفيذ برنامجه الحكومي. ولا بد من اعطائه فرصة زمنية معقولة، حتى تتكشف الأمور وبعد ذلك يمكن الحكم عليه بالنجاح أو الفشل.. بالإلتزام أو التنصل.
ان السيد العبادي ورث مشاكل الدولة العسكرية والخدمية والاقتصادية والسياسية، وعليه أن يبادر الى حلها طالما قبل التكليف، وهذه مسؤولية لا خلاف عليها ولا نقاش، لكنه لم يرث خصومات المالكي، فتلك مرحلة انتهت، ولا معنى بعد ذلك لمصالحة وطنية تكون الحكومة أحد طرفيها.
إن طرح المصالحة في بداية عمر الحكومة، هو في الحقيقة اجتهاد لصناعة أزمة قابلة للتضخم مع الأيام، وسيواجهها العبادي بعد فترة من الزمن، لأنه وافق في هذه الحالة ان يكون الطرف الممثل لكل أخطاء العملية السياسية وثغراتها، كما أنه وضع الدعم الذي حصل عليه داخليا ودولياً على حافة الضياع، في حين كان المفروض أن يستثمره في حل المشاكل التي يغرق فيها العراق في مجالات الأمن والخدمات والاقتصاد.
لا نستبعد أنها محاولة لإدخال العبادي في دوامة جديدة من الأزمات وفي خارطة متاهات معقدة، فيما ينتظر المواطن العراقي المهجر أن يعود الى منزله، ويتوقع المواطن الفقير أن يحاسب الفاسدين.. ويأمل الكثيرون بتحقق الكثير.