قالت صحيفة بريطانية، اليوم السبت، إن مليشيات الحشد الشعبي تغير أسماءها لتسهيل دخولها للانتخابات، في خطوة تثير المخاوف من أن يكون الصراع «عبر البنادق بدل صناديق الاقتراع».
وأشارت صحيفة ‹ميدل إيست أونلاين› في عددها اليوم، أن الفصائل المسلحة التي حاربت داعش وضعت سلاحها جانباً ونزع قادتها القيافة العسكرية استعداداً للانتخابات التشريعية والمحلية المزدوجة، وهذا يطرح تساؤلات حول ديناميكية الانتخابات التي تعد الأهم في تحديد مسار البلاد اليوم.
وتذكر الصحيفة، أنّ أكثر من عشرين فصيلاً مسلحاً قررت المشاركة في الانتخابات واندمجت في التحالفات الانتخابية.
والأسبوع الماضي أعلنت مفوضية الانتخابات القائمة النهائية بالأحزاب والقوى السياسية التي سجلت نفسها للمشاركة في الانتخابات، بينها العشرات من الفصائل المسلحة الشيعية التي دخلت في تحالفات سياسية متناقضة، وتعتبر الصحيفة، أن «المعارك وحدتهم في الجبهات وفرقتهم السياسة، وأكثر المخاوف اليوم من أن تستخدم نفوذها للتأثير على الانتخابات».
ويمنع قانون الأحزاب العراقي الذي أقره البرلمان في العام 2015 مشاركة الفصائل المسلحة في الانتخابات، وتقول المادة (8) المتعلقة بشروط تأسيس الأحزاب بأن «لا يكون تأسيس الحزب وعمله يتخذ شكل التنظيمات العسكرية أو شبه العسكرية كما لا يجوز الارتباط بأي قوة مسلحة».
ولكن الفصائل المسلحة تمكنت من تأسيس أحزاب للمشاركة في الانتخابات، بعدما أعلن قادتها وضع مقاتليهم تحت تصرف هيئة ‹الحشد الشعبي› التابعة إلى الحكومة، ولكن في الواقع ما زال مقاتلوها يرتبطون بأوامر قادة الفصائل، وما زالت العشرات من مكاتب هذه الفصائل منتشرة في جميع المحافظات بين السكان.
منذ أشهر يدور جدل داخل البلاد حول مستقبل الفصائل الشيعية، وفشلت محاولات حكومية عديدة لدمجها في الجيش والشرطة لرغبة قادة الفصائل البقاء قوة مستقلة، ولكن طموحها السياسي بالمشاركة في الانتخابات مؤخراً أثار جدلاً بين العراقيين، وقدم سياسيون مقترحات عدة حول ذلك.
القانون الذي أقره البرلمان في اعتبار ميليشيات الحشد الشعبي مؤسسة رسمية لم يوضح تفاصيل مهمة حول تطبيق ذلك، وهو ما دفع نوابا للمطالبة بتفعيل وتعديل القانون، كما أن رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية حاكم الزاملي دعا إلى إخراج مكاتب الفصائل المسلحة إلى خارج المدن، ولكن كل ذلك لم يحصل.
في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي أعلنت عشر فصائل مسلحة تشكيل تحالف سياسي باسم «المجاهدين» للمشاركة في الانتخابات، ولكن بعد كلام صارم أطلقه المرجع الشيعي علي السيستاني في 15 كانون الأول / ديسمبر الماضي بعدم مشاركة الفصائل في الانتخابات، أعلن قادة في الفصائل بينهم هادي العامري زعيم منظمة «بدر» وقيس الخزعلي زعيم «عصائب أهل الحق» وضع مقاتليهم تحت تصرف الحكومة، ولكن «في الحقيقة ليس جميع المقاتلين ولم يعلن أي فصيل حتى الآن تسليم سلاحه إلى الدولة»، وفق الصحيفة البريطانية.
اختفى «تحالف المجاهدين» من الإعلام، وعاد مرة أخرى الأسبوع الماضي تحت أسماء جديدة ضمن تحالف واحد حمل اسم «الفتح» بقيادة هادي العامري، والشيء نفسه حصل مع فصائل أخرى مثل «سرايا السلام» والفصائل التابعة إلى «المجلس الأعلى الإسلامي»، وجميعها تتنافس من أجل الانتخابات.
لم يقتنع النواب السنة كثيراً بتصريحات الفصائل تخليها عن السلاح، واقترحت الأحزاب السنية في جلسة البرلمان الاثنين الماضي تضمين قانون الانتخابات فقرة جديدة تلزم الحكومة بأن «لا تكون للأحزاب التي تخوض الانتخابات أجنحة مسلحة، ومنع السلاح خلال فترة الدعاية الانتخابية وحتى يوم الاقتراع»، ولكن أحزاباً شيعية تحفظت على ذلك.
وتبين الصحيفة، أن الفصائل الشيعية التي ستخوض المنافسة الانتخابية تنقسم إلى قسمين، الأول تلك المقربة من إيران وتدين بالولاء الديني إلى المرشد الإيراني علي خامنئي ولها مقاتلون في سوريا حتى الآن، والثانية التابعة إلى الأحزاب والحركات السياسية الشيعية وهي بعيدة عن إيران، أما الفصائل التابعة إلى السيستاني هي الوحيدة التي أعلنت عدم المشاركة في الانتخابات بشكل قاطع.
«تحالف الفتح»
انضوت جميع الفصائل المقربة من إيران في تحالف «الفتح» بزعامة هادي العامري، ويضم 18 تشكيلاً سياسياً اتخذ غالبيتها أسماء جديدة مغايرة لما عرفت فيه خلال المعارك ضد داعش.
وعلى سبيل المثال «حركة الصدق والوفاء» هي الواجهة السياسية لفصيل «أنصار الله الأوفياء»، و«الحركة الإسلامية» الواجهة السياسية لـ «كتائب الإمام علي»، وحركة «الصادقون» الواجهة السياسية لـ «عصائب أهل الحق»، وكتلة «منتصرون» الواجهة السياسية لـ «كتائب سيد الشهداء»، وحزب الطليعة الواجهة السياسية لـ «سرايا الخراساني»، إضافة إلى «حزب الله العراق» التي لم تغير اسمها.
وتؤكد الصحيفة البريطانية وجود اختلافات فكرية بين هذه الفصائل وباقي الفصائل الأخرى، أبرزها الولاء الديني للمرشد الإيراني علي خامنئي، كما أنها تعتبر العراق وسوريا جبهة واحدة، وتضع نفسها ضمن ما يسمى بـ «محور المقاومة» في الشرق الأوسط، ولها أفكار سياسية حادة اتجاه الكورد، وترفض التقارب الدبلوماسي الأخير بين العراق ودول الخليج خصوصا السعودية.
ولمحدودية خبرتها السياسية أبرمت هذه القوى تحالفاً مثيراً للجدل مع رئيس الوزراء حيدر العبادي للاستفادة من القاعدة الشعبية التي يتمتع بها العبادي، في المقابل حاول العبادي من هذا التحالف الإفادة أيضاً من نفوذ وشعبية هذه الفصائل، ولكن التحالف سرعان ما انهار بعد ردود أفعال شعبية سلبية.
«الصدر والحكيم»
يمثل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وزعيم تيار «الحكمة» عمار الحكيم الجيل السياسي الشيعي الشاب، فالرجلان اللذان تحالفا معا لمنع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي من الحصول على ولاية ثالثة في العام 2014 أخذوا منهجاً سياسياً وطنياً بعيداً عن النفوذ الإيراني، وبعد هجوم المتطرفين على العراق وجدوا أنفسهم مجبرين على تشكيل فصائل مسلحة إلى جانب الفصائل الأخرى التي بدأت تكسب شعبية كبيرة، ‹بحسب ميدل إيست أونلاين›.
من يضمن تحييد السلاح؟
في 16 من الشهر الجاري أعلنت «كتائب حزب الله» عن خطة مشتركة مع الجيش السوري لتنفيذ عملية عسكرية على الحدود مع العراق لمنع التواجد الأميركي، فيما يشارك هذا الفصيل في الانتخابات باسم «حزب الله العراق».
وبعد يومين على إعلان الخزعلي وضع مقاتليه تحت تصرف الحكومة العراقية، ظهر الرجل في مقطع فيديو بالزي العسكري عن الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل، وقال تعليقا على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل «من الحدود مع إسرائيل تعلن فصائل المقاومة عن جاهزيتها للوقوف مع الشعب اللبناني والفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي».
فصيل «سرايا الخراساني» أحد الفصائل التي تم تشكلها من قبل الحرس الثوري الإيراني، يقول عباس المحمداوي أحد أعضائها إن «هناك فرق بين الحشد الشعبي وفصائل المقاومة، الأول يقاتل في العراق فقط وتحت قيادة الحكومة العراقية، أما الثاني له أهداف اكبر فنحن نقاتل في أي ارض يتواجد فيها الإرهابيون في سوريا وغيرها».
وتخلص الصحيفة إلى أن كل ذلك يثير مخاوف من أن يفرز التنافس للحصول على أصوات الناخبين إلى صدامات مسلحة أو التأثير على الناخبين عبر مكاتبها المنتشرة داخل الأحياء المأهولة بالسكان، وأمام الحكومة تحد كبير في تنظيم الانتخابات الأصعب بسلام والحؤول دون أن يتحول الصراع السياسي عبر البنادق لا صناديق الاقتراع.