باسم العوادي
على مدى السنوات الطويلة الماضية كانت السعودية تشكك في ولاء رؤساء الحكومات في بغداد، او تتهمهم بالولاء المطلق لايران وعندما عوتبوا كثيرا كانوا يصرون على انهم لن يزوروا العراق مالم يروا شخصية مستقلة متوازنة في رئاسة الوزراء.
بغد فترة ستتحقق زيارة هي الاولى من نوعها منذ 28 عاما شابها الكثير من القطيعة والعداء والصراع والاتهامات المتبادلة بين العراق والسعودية، حيث سيحل رجل المملكة القوي ومليكها القادم وصاحب برنامج التغيير السعودي الشامل ضيفا على بغداد وحكومتها.
امتنعت السعودية عن اعادة العلاقات الى ما بعد سنة من ترأس العبادي للحكومة وفي ديسمبر/كانون الأول 2015، وبعد انقطاع دام أكثر من 25 عاما، تم الإعلان عن افتتاح السفارة السعودية بالعراق لتعلن عن بداية عهد جديد في العلاقات البينية بين البلدين.
وفي يونيو/حزيران 2017، زار رئيس الوزراء العبادي السعودية والتقى الملك، وفي 21 أكتوبر/تشرين الأول 2017 زار العبادي الرياض مرة ثانية على رأس وفد حكومي كبير ضم العديد من الوزراء ووكلاء الوزراء وعشرات المستشارين للتوقيع على اتفاقية التنسيق المشترك وحضر التوقيع الملك ووزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، وما بين هذه التواريخ حصلت العديد من الزيارات المتنوعة بين مسؤولي البلدين وبحثت عملية تطوير العلاقة بادق تفاصيلها التي شابها عتاب كبير واحاديث صريحة عن مختلف نقاط التقاطع الحساسة بين البلدين..
ستكون زيارة الامير محمد بن سلمان الى بغداد كرد على زيارات رئيس الوزراء فالاعراف الدبلوماسية تقتضي مثل هذه الزيارات ولاسيما وان العبادي كان قد اشترط سابقا زيارة مسؤول سعودي رفيع اولا لكي يمضي بالعلاقة واستجابت السعودية لذلك وارسلت وزير خارجيتها الجبير الى بغداد بتاريخ 25 فبراير/ شباط 2017 ، لتكون اول زيارة لوزير خارجية سعودي لبغداد بعد قطيعة 27 عاما.
من هنا يكون العبادي قد حقق للعراق من اعادة العلاقات ما عجزت عنه الحكومات العراقية المتلاحقة على مدى 3 عقود وقد صحح مع السعودية كل الاوضاع التي حطمها الديكتاتور صدام حسين منذ احتلال الكويت وما عجز عن تحقيقة رؤساء الحكومات السابقة تباعا. في موضوع العلاقة مع السعودية شاركت عوامل خارجية وداخلية عراقية كثيرة في استعادة العلاقة من وساطات خارجية وانتصار عراقي داخلي لكن النقطة الايجابية كانت في اهمية تسخير هذه العوامل لتصب في صالح تنظيم العلاقة والبدء بها من جديد…
مصادر المدار تؤكد على ان الامير محمد بن سلمان قد طلب من العبادي عبر القنوات الخاصة القيام بدور وساطة اقليمي أولي كبادرة حسن نية وقد قام العبادي بالدور وسينقل لولي العهد السعودي النتيجة حين زيارته للعراق، وهذا معناه ان الامير محمد بن سلمان يضع في حساباته القادمة ادورا اخرى اقليمية سيقوم بها العبادي والعراق من اجل الاستقرار الاقليمي ونقل اوضاع المنطقة من الاشتباك السياسي الحاد الى مرحلة التفاهم المرحلي..
يَعرف كلا من العبادي والامير محمد بن سلمان ، ان طريق العلاقات بين البلدين لن يكون سهلا في وسط عوامل ضاغطة داخلية في كلا البلدين قد تعكر صفو هذه العلاقة وهو مايحتاج لان يترفع كلاهما عن مناكفات تحدث هنا وهناك من فرق مذهبية او سياسية او بعوامل خارجية لاتريد للعلاقة العراقية السعودية ان تستقر وتتقدم….
السعودية تحتاج العراق العربي والقوة الاقليمية المكملة لاضلاع المربع الاقيلمي ( التركي ـ الايراني ـ العراقي ـ السعودي) بسبب تداخل وتشابك ملفات المنطقة بالكامل. والعراق لن يستقر داخليا ولن يستعيد عافيته وعلاقاته العربية مالم يتصالح مع السعودية ويشعرها بأنه بلد مستقل ومتوازن وغير منحاز خارجيا.
حاجة العراق والسعودية لبعضهم البعض اصبحت مسالة سياسية ملحة بل اصبحت احد عوامل استقرار المنطقة بالكامل ، فالسعودية بدأت تفهم نقطة في غاية الاهمية وهي ان العراق الديمقراطي لايولد زعامات دينية او تاريخية كما هو حال انقره وطهران والرياض، وانما يولد زعامات وطنية تهتم بمصالح العراق لذلك لن ينخرط كدولة في التزاحم على قيادة المنطقة دينيا او مذهبيا او تاريخيا، والاهم من ذلك ان ثنائية (السنة الشيعة) في المشرق العربي كاملا لن تستقر بدون العراق ذو الوجه العلوي واللسان العربي.
زيارة الامير محمد بن سلمان كإعلان لانطلاق عهد جديد من العلاقات بين بغداد والرياض، لكنها العلاقات التي يراعاها ( الباشا العبادي والامير بن سلمان) تحديدا، فلا يُعلم فيما اذا كان هناك رئيس وزراء اخر غير العبادي هل كانت مثل هذه الزيارة ستتحقق ام ان العلاقات ستستمر مستقبلا؟.
يبقى الحديث عن تسريبات بقيام الامير محمد بزيارة الى النجف ، وهذا غير منطقي والظاهر انه غير وارد في مثل هذه المرحلة، فالسعودية كانت متأنية ولم تتحرك بطريقة حرق المراحل ابتداء من تاريخ ارسال سفيرها الاول قبل ثلاث سنوات، وزيارة الامير للنجف هي مرحلة متقدمة جدا لايمكن ان تتم لان حصولها سينعكس سلبا على النجف وعلى الامير في آن واحد.
فالنجف هي (المرجعية وضريح الامام علي) ولايمكن لزائر بمستوى ولي العهد السعودي ان يزور النجف ليفتح قنصلية ـ وليس من عادة ملوك السعودية القيام بمثل هذه العمل ـ الا ان يزور ضريح الامام علي عليه السلام وتستقبله المرجعية ايضا، وهذه لاتخدم الأمير في الداخل السعودي ويمكن ان تكون مضره بجهوده لتعبيد طريق الملك بعيدا عن المبالغة في العلاقات مع الروافض…
اما مسألة ان التوجه السعودي نحو العراق هو عملية مناكفة او تحجيم للنفوذ الايراني في العراق ، فهذه لها معنيان ، الاول هو ان تتحرك السعودية في الداخل العراقي بالضد من مصالح ايران سياسيا واقتصاديا واستثماريا وهذا غير وارد لان هذا الامر منوط بالحكومة العراقية التي انفتحت عليها السعودية لانها متوازنة وهذه الصفة او القيد (التوازن) سيمنع السعودية ايضا من مد نفوذها بهذه الطريقة المباشرة، والثاني هو ان العلاقات السعودية العراقية المباشرة ستولد مصالح سياسية واقتصادية ومالية واستثمارية بين البلدين ستجبر كلاهما على مراعاتها مستقبلا وبالخصوص العراق فيزيد من توازنه الخارجي ويتحول من طرف منحاز الى حلقة تواصل، هذه النتيجة هي تحصيل حاصل مربوط بسيادة العراق لايمكن ان تقف دولة بالضده منه اياً كانت.
بالمحصلة زيارة الامير محمد بن سلمان هي بالاصل زيارة للعبادي وبغداد، وتوقيتها قبيل الانتخابات بهذه الاسابيع القليلة بالتحديد يراها البعض كرسالة سياسية بان السعودية ترى في العبادي رجل المرحلة الحالي والقادم في بغداد وهي قادرة على تهيئة ارضية مناسبة في الوسط السني والكردي تصب في هذا الاتجاه بل حتى داخل الوسط الشيعي.