لاشك في ان الكثير يطرحون تساؤلا عن نوعية الاغلبية السياسية التي يسعى لتحقيقها قادة ائتلاف القانون، ومن هي الاطراف السياسية التي من الممكن ان تتجمع خلفهم او معهم لتشكيل هذه الاغلبية التي يمكن ان تقود البلد فيما يجلس البقية على مصطبات المعارضة البرلمانية بالضد من حكومة الاغلبية السياسية…
منطقيا ان نظام الاغلبية السياسية (50+1) من اصوات البرلمان هو الوجه الابرز للديمقراطية ولايمكن الاختلاف مع قيادة دولة القانون حول الاساس النظري لهذه الاغلبية ، لكن المشكلة تكمن في الجزئيات وكما يقال فان الشيطان يكمن في التفاصيل؟.
هنا يمكن استشراف ثلاثة نماذج او طرق لتشكيل الاغلبية السياسية بالطريقة التي يفكر بها منظري ائتلاف دولة القانون أو المتاح أمامهم مابعد الانتخابات القادمة، فما هي :
1 ـ الاغلبية الاختيارية: وهو ان يوفق ائتلاف دولة القانون في الحصول على رقم انتخابي بحدود الـ 40 مقعدا، وحصول ائتلاف الفتح على 50 معقدا، وحصول ائتلافات صغيره اخرى تابعة لهم كإرادة وكفاءات ومستقلين واحزاب مدنية صغيره بحدود 15 مقعدا، مما يؤهل هذه الاطراف لتجميع ما يفوق الـ 100 مقعد برلماني، وبالتالي سيشكلون اغلبية شيعية مريحة، وباعتبار ان لقيادة القانون خبرة طويلة في ادارة الدولة وحلفاء تحت الطاولة من الكرد والسنة ودعم اقليمي ايراني، ناهيك عن تفكك التحالفات الطائفية والقومية القوية السابقة، فأن عملية اضافة احزاب سنية وكردية لاكمال العدد المطلوب لتشيكل حكومة أغلبية سيكون سهلا جدا، ويضاف الى ذلك رقم من طالبي السلطة والمنصب من بعض البرلمانيين والساسة وهؤلاء جاهزين حين الطلب ولايعنيهم من يحكم بمقدار تحقيق رغباتهم عندها يمكن تجاوز الاغلبية وتشكيل حكومة، يمكن بعدها ان تنفتح على امريكا والسعودية وغيرهم للطمأنة.
لكن بكل تأكيد فأن هذا الخيار سيتحقق مع رفض النجف له ورفض الصدري والحكمه ونصر العبادي واطراف سنية وكردية معروفة، ورفض امريكي وتركي وسعودي.
ولاشك ان هذه المخطط مدروس لكنه اشبه بسيناريو الورقة الاخيرة الذي يمكن ان يلعب فيما اذا اندلعت حرب او اقدم ترامب على نقض الاتفاق النووي او هاجمت اسرائيل حزب الله او اي حدث مفاجئ يمكن ان يزلل المنطقة، لان هذه المشروع هو مشروع ازاحة خطير لا تتحمله الساحة العراقية ويمكن ان يولد ردات فعل قد تقترب من دخول داعش السابق او حتى يمكن ان يولد حرب داخلية عراقية بصورة مختلفة.
والمضي بهكذا مشروع اغلبية يتوقف فقط على قناعات ايران ورؤيتها لعموم المنطقة لانه محسوب عليها بالكامل.
2 ـ الاغلبية الاجبارية: وهي نوع الاغلبية الثانية التي يفكر بها قيادة القانون والتي تجبرهم على التحالف مع قائمة النصر العبادية الفائزة في الانتخابات، ويكون هناك سعي ايضا للتحالف مع الفتح لتكوين قاعدة شيعية صلبه قد تشكل بحدود 130 مقعدا لهذه الاطراف مجتمعة، ثم يمكنهم اختيار من يرونه مناسبا من الكرد والسنة وطالبي السلطة، وهنا سيكون العبادي وان كان مرشحا لرئاسة الوزراء هو الضعيف لانه عدديا سيكون الاقل امام كتلة القانون والفتح وبالتالي سيكمل المشوار الحكومي القادم بتحالفات اساسها القانون والفتح وبضغوطات سياسية عليه وميل لمحور اقليمي على حساب محاور اخرى..
وهذا السيناريو وان كان اخف وطأة ونتائج من الاول لكنه بالمحصلة غير مريح للمرجعية في النجف ـ حسب الظاهر ـ ومرفوض من الصدري والحكمه واهم الاحزاب والقيادات السنية والكردية وتركيا والسعودية وامريكا والاتحاد الاوربي، ولن يتعاملوا معه بالشكل الايجابي وربما وربما يوقف العالم تفاعله الحالي مع العراق بسبب هذه الاغلبية مما يعني اربع سنوات سيئة ونهاية مأساوية لرئيس الوزراء العبادي…
ومن يوم امس 18 اذار أعلن العبادي بأنه ليس مع مشاريع الاغلبية بل مع نموذج اكثرية غير مقيدة بالمحاصصة وبهذا اجهض العبادي مشروع الاغلبية الاجبارية في مهده.
3 ـ الاغلبية المستحيلة: وهي ان منظري دولة القانون يتوقعون ان يحصلوا على 50 مقعدا انتخابيا او اكثر ويتحركون باتجاه وطنية علاوي والجبوري والمطلك ممن عملوا مع المالكي سابقا بدون اعتراض وان يتحركوا على الاتحاد الوطني صديقهم القديم وعلى عدد من نواب السنة المعروفين بعلاقاتهم الجيده مع المالكي وبعض فصائل الحشد الشعبي في الفتح وقوائم الظل الاخرى لهم وبهذا يجمعون اغلبية صعبة تمكنهم من تشكيل الحكومة، وهذه كما قلت اغلبية مستحيلة لانها تعتمد على تحقق مقدمات صعبة او مستحيلة لانها نموذج عودة الى طريقة تشكيل حكومة 2010، ويتخللها تنازلات سترجع بالعراق الى المربع الاول ـ وعلى الفرض الجدلي بتحققها ـ فانها هذه المرة ستنتهي برئيس ائتلاف دولة القانون الى نهاية مآسوية أخرى غير متوقعة ولاتصب في صالحه اطلاقا، بعد ان يقف ضدها كل اقوياء العراق والمنطقة والعالم الرافضين بقوة لهذا النوع من التقدم المالكي نحو السلطة مباشرة او عن طريق مرشح آخر.
من هنا يمكن تفسير سبب المفاجئة السياسية التي فجرها العبادي بعدم ايمانه بمشروع الاغلبية السياسية وتفضيلة للاكثرية غير المقيده بالمحاصصة واعلانه ذلك بصورة مباشرة وقبل اسابيع قليلة من موعد الانتخابات…
واخيرا نؤكد على ان نظام الاغلبية السياسية نظريا هو الاصح والانجع والافضل للعراق ولكن لابد من توفر الظروف السياسية المناسبة من طرف، ومن آخر تشكيل اغلبية مقبولة بطرق اخرى تلقى صدى وقبولا داخليا واقليميا ودوليا.