مستقبل العراق بين الأغلبية الوطنية والسياسية والدستورية

    محمد صادق الهاشمي

    برز في انتخابات عام 2018 مشروعان لعلاج الاخفاق السياسي والحكومي وهما :

    الاغلبية السياسية

    ا- خصائص وتعريف الاغلبية السياسية

    ما نستفيده من كلمات القوم وتصريحاتهم وبياناتهم واعلامهم عن مشروع الاغلبية السياسية هي :حكومة يتم تشكيلها من قبل اطراف ( سنية وشيعية وكردية) متفقة على برنامج واحد، وبموجبه يذهبون الى البرلمان لتشكيل الرئاسات الثلاث ومن ثم تشكيل الحكومة ويبقى هذا الاتفاق الحكومي ساري المفعول إلى آخر عمر الحكومة، فيما بينهم؛ كوثيقة عمل تتناول جميع جوانب ادارة الدولة سياسيا وامنيا واقتصاديا وغير ذلك ويشترط في هذا المشروع مايلي:

    1- ان يكون مجموع اصوات ( الاطراف المتفقة ) يصل الى (50+1) اي 165 من مجموع عددمقاعد البرلمان.

    2- ان لاينظر اي طرف الى حصته قبل النظر الى حصة الوطن التي تقرها الوثيقة المتفق عليها، وهي تشكل وثيقة وطنية لبرنامج حكومي كمشروع ينهي الفساد المالي، والإداري، والمحاصصة، والترهل، و التعطيل في تشكيل الدولة ويعطي كل ذي حق حقه.

    ب- : الاسئلة بخصوص مشروع الاغلبية السياسية :

    المواطن والنخب العراقية تطرح العديد من الاسئلة حول هذا المشروع؛ بسبب عدم وضوح الرؤية لديها في النقاط التالية :

    1- كيف وماهي الية التوصل الى الاغلبية السياسية(عدديا ) في ظل التشظي، وكثرة عدد القوائم المشتركة في الانتخابات، والانشطارات التي تحصل فيما بعد .

    2- على فرض الوصول اليها عدديا كيف يتم الوصول اليها (تفاهما ) فهل مجرد تحقق العدد يكفي للاتفاق على صفقة الرئاسات الثلاث، ويكفي لتشكيل الحكومة، والاخرون سنة وشيعة وكرد يذهبون الى المعارضة البرلمانية بكل ( سلام وتسليم ) ام ان ليا للاذرع يحصل ونزولا الى الشوارع وارباكا سياسيا ونزاعا وتخاصما في البين يقع (شيعي – شيعي ) و(سن- سني ) و( كردي – كردي) ثم (شيعي – سني )و(كردي – شيعي )؟، وهكذا تعود عجلة الخلافات المعطلة الى كل الدولة والحكومة، ام ان هناك آلية تم الاتفاق عليها او العمل عليها لاحقا؟ .

    هذا ما لانفهمه ممن يطالب بالاغلبية السياسية على كثرة المتابعة لكلماتهم سيما ان مشروع القوم يتصف بالخطابية متمنين ان نطلع على ايضاح الامر بدقة خصوصا فيما يتعلق بمخرجات المشروع عمليا.

    3-من يقول ان هولاء الذين يتم الاتفاق معهم؛ لتشكيل الأغلبية السياسية انهم منزهون وسوف لايدافعون عن اي فساد او انهم سوف لايشكلون اي عائق للحكومة في اي قرار من: مقاطعة، او تمرد، او خلاف، ولم نجد في تاريخ العراق منذ عام 2003 الى الان في اي حزب او مكون هكذا توافق (افلاطوني) فكيف نفترضه للحلفاء في الاغلبية السياسية ؟.

    4-من يقول ان التحالف الشيعي يوهلكم الى تصدر الموقف الحكومي؛ لتنطلقوا الى حوار الاحزاب من المكونات الاخرى؟.

    ونفس الكلام ينطبق على مدعي الاغلبية الوطنية، ومن المؤكد ان هكذا مشروع يحتاج الى قاعدة سياسية عريضة وليس طرف من باقي اطراف خمسة في المكون الشيعي يمكنه النهوض به.

    5- ان مدعي الاغلبية السياسية كان في غاية قوته السياسية يوم كان يسند ظهره الى اكبر تحالف مع هذا لم يتمكن من بناء حكومة الاغلبية السياسية خصوصا انه طالب بها منذ عام 2010 وربما ما حصل من تدهور ونزول الى الشوارع ومعارضات وساحات الاعتصام من الاطراف الأخرى كانت مؤامرات لها من يحركها ضد هذا المشروع ومتبنيه، فكيف يمكنكم تبنيه ونجاحه مع التشتت الحاصل؟ .

    6- لماذا لايتضح الى الان من هي الجهات والاحزاب – من جميع المكونات- التي تؤمن بهذا الامر بعمق وبالعمل عليه كمشروع وطني منقذ للجميع، فهل الامر طي الكتمان ام ان الحوار فيه موجل ام ماذا؟.

    ثانيا – الاغلبية الوطنية

    خصائص ومبررات الاغلبية الوطنية:

    ايضا ما نستفيده من كلمات القوم وتصريحاتهم وبياناتهم واعلامهم عن مشروع الاغلبية الوطنية هي :

    انه مشروع لتشكيل الحكومة وفق برنامج تتفق عليه القوى الاساسية في الحكم والتي يشكل دخولها القدر المتيقن من المكونات (عددا وتاثيرا)، وبطبيعة الحال ستكون الانتخابات الحكم الفيصل في تحديد الحزب الاكبر والممثل للمكون، ومن مبررات التوجه الى هذا المشروع ومحاسنه هي :

    1- يمكن ان يكون دخول هذه القوى الاسياسية على رؤية وطنية وتقارب سبب لتخفيف التوتر ويسهل ولادة الحكومة والرئاسات الثلاث، ويسهل عمل الحكومة، ومن الموكد انهم يشكلون (50+1) حسب المدعى.

    2- من الوارد ان تكون هناك محاصصات في البين، ولكنها امر طبيعي سيما ان مدعي الغالبية السياسية لايدعي تنازل اي مكون عن حصته في الحكم بل غاية مايدعيه هو ان الاخر(متبني مشروع الاغلبية السياسية ) يدخل معه في الحكم من يتفق معه على مشروعه بينما مدعي ( الاغلبية الوطنية ) يحاول استيعاب الاخر وان اختلف معه في الرؤية السياسية حتى لايدفع به الى المعارضة والتوتر.

    الاسئلة بخصوص الاغلبية الوطنية

    1- هل ان الحوار والتفاهم مع هولاء والاشتراك معهم له اسس وفق الدستور وبقاء ثوابت الدولة العراقية مما يعني استبعاد النماذج التي ترفع من سقوف مطالبها والتي تتجه بالعملية السياسية الى نهايات خطرة ضد اسس الدولة العراقية؟.

    ام اننا نمضي الى تأسيس دولة مترهلة لمجرد حصول الحد الأدنى من الانسجام غير الواقعي ,فمدعي الاغلبية السياسية يجعل الدستور، والاتفاق على البرنامج السياسي مسطرة للاتفاق بين جميع اطراف حكومة الاغلببة السياسية , وسلامة الدولة اساس للتحالف الحكومي، ويمنع اي مطالبات تخل بمشروع الدولة وثوابت العملية السياسية – كما نفهمه من خطابه – فهل مدعي منهج الاغلبية الوطنية يضع اسسا وضمانات بموجبها يتم الاتفاق مع الاطراف الاخرى ام لاجل الاتفاق يمكن التساهل في امور عدة او ابقائها سائبة؟ .

    2- بعد التسليم بقبول خيار المحاصصة في كل الفروض (في افتراض مشروع الاغلبيبة السياسية وفي مشروع الاغلبية الوطنية) فهل سيتم اشتراط المسؤول الافضل من جميع المتحالفين والاتفاق على وحدة الدولة، وعدم خرق الدستور، والاستعداد لمحاسبة كل مقصروفاسد مهما كان، وهل يكون مشروع الجميع البناء للدولة واسناد الحكومة ومواجهة الارهاب؟ حتى يتم انتاج حكومة بناء لاحكومة ارضاء؟.

    3- كيف افترضتم :ان القوم جادون في الدخول في الحكومة وفق مشروع الاغلبية الوطنية والحال لو كانت لديهم ثمة جدية لدخلوا معكم في التحالف الانتخابي يوم فتحت كلتا ذراعيك لهم لبناء تحالف انتخابي وطني بيد أنهم لم يدخلوا ؟.

    4- من يقول ان السنة سيبقون كتلة موحدة وانتم تتحالفون – حسب الفرض – مع الكتلة الاكبر عددا والاهم تاثيرا – وقد عودتنا الايام السابقة والتجارب الماضية الى انشطارهم بعد اعلان نتائج الانتخابات بحثا عن مصالحهم الشخصية والحزبية اسوة بباقي الاحزاب ؟.

    5- في حال تفكك التحالفات السنية وهو امر وارد فانه من الطبيعي أن يقال قد انتهى المعيار الذي يعمل به مدعوا الاغلبية الوطنية – وهو التعامل مع الكتلة الاكبر والاهم تاثيرا – فان الانشطار لايبقي اكبر بل يبقي اجزاء واحزاب مفككة يصعب ايجاد الكتلة الاكبر منها والتي تمثل مكونها، وبهذا سوف يضطر اصحاب مشروع الاغلبية الوطنية الى الاتفاق مع اي حزب من المكونات الاخرى صغيرا كان ام كبيرا مادام يمكنه ا ن يشكل معه النصف زائد واحد.

    ووفق تلك النتيجة يتساوى اصحاب الاغلبية السياسية مع اصحاب الاغلبية الوطنية في التعاطي مع المكونات الاخرى وكلاهما بالنتيجة سوف يكون سببا لتضعيف الموقف الشيعي؛ لانهم سبب لظهور تجربتين شيعيتن غير منسجمتين.

    6- ان مدعي الاغلبية الوطنية يطرح المشروع وهو يبني على انه (مشروع الامكان) اي المشروع الذي بموجبه يمكن تشكيل الحكومة وعدم تأزيم المواقف بينما الذي يطرح مشروع الاغلبية السياسية يبني على انه (مشروع الانسجام ) اي انه المشروع الذي ينهض بحكومة منسجمة نوعا ما مما يعني كلاهما يحتاج إلى مزيد من الانضاج والحوار وتعميق التحالف وتثبيت الأسس.

    ماذكرناه هي رؤيتنا وفهمنا لكلام الطرفين وخطاباتهم، وقد تكون رؤيتنا غير دقيقة، غاية الامر هي محاولة لفهم مايطرح في الساحة السياسية مع الأمل ان يتصدى الكتاب من كل الطرفين لايضاح المفاهيم للمواطن العراقي الذي سينتخب على اساس فهمه لهما وايضا من الاهمية بمكان الاجابة عن الاشكالات والتساؤلات التي تتبادر الى اذهان المواطنين والتي قمنا بنقل البعض منها

    الاغلبية الدستورية

    اما رؤيتنا كمركز بحثي فان اي خيار من الخيارين المذكورين لايمكن ان يرى النور، ويتحقق الا بشرط واحد وهو :ان يتم بناء قاعدة تحالفية شيعية (عددا وبرنامجا)؛ لتكون الاساس في توحيد قوة سياسية تنتج مشروعا يمثل رؤية المكون الشيعي وعدده الاكبر وثقله الاساس، ثم تنطلق هذه القوى المتحالفة المتدفقة الى طرح احدى المشروعين على المكونات الاخرى (سنية وكردية ) حينها يجد الآخرون من المكونات الاخرى ان ثمة واقعا سياسيا عليهم الايمان به والسير خلفه والانسجام معه، اما حينما يجدون عددا من المشاريع المختلفة المتضاده فانهم ينشطرون بانشطارها وربما منهم من ينفذ من خلالها.

    وبهذا يمكن الحكم على المشروعين ( الاغلبية السياسية والوطنية ) انهما ولدا ليلغي بعضهما البعض مالم يحصل اتفاق وإعادة للتحالف على مشروع موحد والا فان تلك المشاريع لاتتوفر لها ظروف النجاح؛ لان النجاح يبدأ من بيوتنا (فاجعلوا بيوتكم قبلة).

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة