يخشى عدد من الكتل والأحزاب السياسية العراقية من خسارة «مقاعدها» عقب قرار البرلمان العراقي إعادة العد والفرز «يدوياً» لنتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة.
وتشير الترجيحات إن نتائج العد والفرز اليدوي ستكون لصالح ائتلاف دولة القانون، بزعامة نوري المالكي، ورئيس الوزراء الحالي وزعيم ائتلاف «النصر» حيدر العبادي، إضافة إلى إمكانية زيادة عدد مقاعد الأحزاب الكردستانية المعارضة، لاسيما حركة «التغيير».
كذلك تشير التوقعات إلى احتمال فقدان تحالف «سائرون»- بزعامة مقتدى الصدر، عدداً من مقاعده، وأيضاً الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود مسعود بارزاني، فضلاً عن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني.
سنّياً، من المتوقع أن تكون نتائج العدّ والفرز اليدوي «أشد وقعاً» على القوى السياسية، في ظل كثرة الاتهامات التي طالت رموزها بشراء أصوات النازحين، فضلاً عن التلاعب الكبير في انتخابات الخارج.
وقد تطيح النتائج بأكثر من 10 شخصيات سياسية، تحوم حولها شبهات شراء المقاعد البرلمانية، بمبالغ وصلت إلى أكثر من مليار ونصف المليار دولار، حسب تصريحات سابقة لمصدر لـ»القدس العربي».
ويمكن التنبؤ بالكتل السياسية التي من المتوقع لها فقدان عددٍ من مقاعدها، من خلال بيانات الإدانة والاستنكار التي أطلقوها بالضد من قرار تعديل قانون الانتخابات.
أول المعترضين على القانون البرلماني، هو «تحالف القوى العراقية» الذي يضم تحالف «العراق هويتنا» برئاسة جمال الكربولي، وحزب «الجماهير الوطنية» برئاسة محافظ صلاح الدين أحمد عبد الجبوري، ومكوّن من 31 نائبا من الفائزين في الانتخابات البرلمانية لعام 2018.
التحالف اعتبر تعديل قانون الانتخابات «انقلاباً على الديمقراطية»، معرباً عن ثقته بالقضاء العراقي والمحكمة الاتحادية.
وقال في بيان إن «تعديل قانون الانتخابات الذي أصدره مجلس النواب انقلاب على الديمقراطية، ومحاولة يائسة لاستغلال السلطة التشريعية جسرا لفوز الخاسرين والمنبوذين شعبياً».
وأكد أن «ما أقدمت عليه ثلة من الخاسرين يخرق أحكام المادة (6) من الدستور وتلغي مبدأ التداول السلمي للسلطة».
وأعرب عن «ثقته بالقضاء العراقي والمحكمة الاتحادية، التي كانت لها وقفات مشرفة في حماية العملية الديمقراطية والسياسية في العراق من نزوات هواة السلطة والكراسي».
وثمن «مواقف رئيس الجمهورية الساعي دوما لحماية الدستور والمحافظة على مخرجات العملية الديمقراطية من التلاعب والتزوير»، مشدداً على أن «المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أنجزت ما عليها بكل مهنية، والقرار الآن في ساحة القضاء العراقي وهو الفيصل في الحكم ببطلان مسرحية الخاسرين في الانتخابات».
عواقب خطيرة
كردياً، هدد «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، باتخاذ إجراءٍ في حال إلغاء أصوات الناخبين.
ونقل الموقع الرسمي للحزب تصريحاً لمسؤول مؤسسة الانتخابات في «الديمقراطي الكردستاني»، خسرو كوران، قال فيه: «من حق مجلس النواب طلب إعادة عد وفرز الأصوات والتحقيق فيها، لكن ليس من حقه طلب إلغاء الأصوات والتصويت، وخاصة التصويت الخاص في إقليم كردستان حصراً، حيث يتضح من ذلك بأن القرار سياسي يستهدف كردستان وإلاّ لماذا إلغاء التصويت الخاص في كردستان فقط وليس في أنحاء العراق؟».
وتساءل «أين حق المواطن العراقي النازح، وأين حق الناخبين إذا ألغيت الأصوات؟ لذا فإن ذلك ليس من حق المجلس. له الحق في التحقيق في المسألة، لكن لا يحق له بأي شكل من الأشكال إلغاء أصوات الناخبين، كون غالبية النازحين هم من الكرد وموجودون في اربيل ودهوك».
وأضاف: «نحن في الحزب الديمقراطي الكردستاني سنرفع دعوى قضائية الى المحكمة الاتحادية، وقد تحدثنا مع عدد من مستشاري رئيس الجمهورية للوقوف على رأي وموقف الأخير بشأن الخطوة التي قام بها مجلس النواب، وهناك احتمال توجيه رسالة إلى بغداد أيضاً مفادها أنه لو تم تطبيق القرار فسيكون لنا موقف عند ذلك».
وتابع: «ما قام به مجلس النواب قانوني وسياسي، لذا سنتبع الخطوات القانونية والسياسية أيضاً لمواجهة القرار. سنسلك جميع السبل الممكنة للحفاظ على حقوقنا ومكتسباتنا».
كذلك رأى القيادي في الحزب الديمقراطي، هوشيار زيباري، أن مجلس النواب والحكومة الحالية برئاسة حيدر العبادي ارتكبت «الكثير من المخالفات» الدستورية.
وقال، في تغريدة له على صفحته في «تويتر»، إن «الكثير من المخالفات الدستورية والقانونية تم ارتكابها من قبل مجلس النواب والحكومة، فقد انتهت ولاية مجلس النواب الحالي ولا يحق له ممارسة صلاحياته المتعلقة بتشريع القوانين».
وأضاف أن «مجلس النواب مخول بتقديم مقترحات قوانين للحكومة لغرض تقديمها كمشروعات قوانين لمجلس النواب، وليس من صلاحيته تقديم مشروع قانون لنفسه واعتماده من قبله».
وبين أن «لا يوجد في الدستور ولا في النظام الداخلي لمجلس النواب ما يسمح بالجلسات المفتوحة». وزاد أن «مجلس النواب جعل من نفسه خصما وحكما، حسب رأي كبار القانونيين، في قيامه بتعديل قانون الانتخابات لغرض تحقيق مكاسب لاعضائه الخاسرين، وهذا يتعارض مع المبادئ القانونية المستقرة».
وحسب المصدر، «المفوضية غير مرتبطة بمجلس النواب، إنما تخضع لرقابته أسوة بوزارات الدولة وهيئاتها، وبالتالي، فإن مجلس النواب غير مخول لاتخاذ قرارات بإقالة المفوضين أو التدخل بشؤونها إلا وفق الدستور والقانون». وأشار إلى أن «مجلس النواب غير مخول بالتدخل في شؤون مجلس القضاء الأعلى و بالتالي لا يحق له قرار لانتداب قضاة ليحلوا محل أعضاء المفوضية».
وأعتبر أيضاً أن «ليس من صلاحية مجلس الوزراء تشكيل لجنة للتدخل في شؤون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، لأنها هيئة مستقلة، ويحكم عملها قانونها الخاص، علما بأن الحكومة حاليا تعتبر حكومة تصريف أعمال».
وعبّرعن خشيته من أن «تكون لهذه الخروقات الصارخة عواقب خطيرة على الأمن والاستقرار والسلم الأهلي في البلاد، وعلى العملية الديمقراطية برمتها».
تحذير من الابتزاز والتزوير
وكما كان متوقعاً، سارع زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي إلى إعلان تأييده لتعديل قانون الانتخابات، خصوصاً إنه كان قد دعا جميع نواب ائتلافه إلى حضور جلسة البرلمان، أمس الأول، والتصويت لصالح التعديل.
وقال الائتلاف في بيان له إنه «يعرب عن تأييده لما أقره مجلس النواب (…) بشأن الانتخابات التشريعية»، داعياً إلى «الالتزام الكامل بالقوانين، والتأكيد على ضرورة بذل الجهود لحماية عملية العد اليدوي أمنيا وفنيا حتى لا تقع العملية مجددا في الابتزاز والتزوير».
فيما اعتبر زعيم تحالف الفتح هادي العامري، أن القضاء هو الفاصل لموضوع الانتخابات وما حدث. وقال العامري في حديث لعدد من وسائل الإعلام، على هامش دعوة إفطار أقامها رئيس الجمهورية فؤاد معصوم لعدد من السياسيين، إن «القضاء هو الفاصل لموضوع الانتخابات وما حدث»، لكنه أبدى رفضه لـ»أي قرار يصدر لمنع السفر بحق أي شخصية من المفوضية».
وفي تطور لاحق، انتقلت لجنة قضائية رفيعة، أمس الخميس، مكونة من رئيس جهاز الادعاء العام ورئيس هيئة الإشراف القضائي وأحد المشرفين القضائيين إلى مبنى مفوضية الانتخابات، لتهيئة الأعمال المناطة بالقضاء بموجب قانون التعديل الثالث لقانون الانتخابات. وقال المتحدث الرسمي لمجلس القضاء الأعلى القاضي عبد الستار بيرقدار، في بيان له، إن «اللجنة المشكلة من رئيس جهاز الادعاء العام ورئيس هيئة الإشراف القضائي وأحد المشرفين القضائيين انتقلت إلى مبنى مفوضية الانتخابات تنفيذا لأمر رئيس مجلس القضاء الأعلى». وأضاف أن «اللجنة بدأت بالإجراءات الموكلة إليها بتهيئة المستلزمات اللوجستية لقيام السادة القضاة بالأعمال المناطة بهم بموجب قانون التعديل الثالث لقانون الانتخابات».
توقف النظر بالطعون
يأتي ذلك في وقت أصدر مجلس القضاء الأعلى بياناً بشأن التعديل الثالث لقانون الانتخابات، وفيما قرر دعوة أعضائه للاجتماع الأحد المقبل لتسمية القضاة الذين سوف يتم انتدابهم للقيام بأعمال مجلس المفوضين والإشراف على عملية إعادة العد والفرز اليدوي، أكد عدم السماح لأي مشارك بالانتخابات بالحضور إلى مجلس القضاء أو مفوضية الانتخابات.
وقال المتحدث باسم المجلس، القاضي عبد الستار بيرقدار، في بيان :»تنفيذا لقانون تعديل الثالث لقانون الانتخابات لسنة 2018، قرر رئيس مجلس القضاء الأعلى دعوة أعضاء المجلس كافة للاجتماع لتسمية القضاة الذين سوف يتم انتدابهم للقيام بأعمال مجلس المفوضين والإشراف على عملية إعادة العد والفرز اليدوي لنتائج الانتخابات وتسمية القضاة الذين سيتولون مهمة إدارة مكاتب مفوضية الانتخابات في المحافظات».
وأضاف أن رئيس مجلس القضاء الأعلى قرر أيضاً، «تشكيل لجنة من رئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الإشراف القضائي وأحد المشرفين القضائيين للانتقال فورا إلى مبنى مفوضية الانتخابات للتمهيد لتنفيذ المهمة الموكلة للقضاء بموجب قانون التعديل الثالث لقانون الانتخابات، واتخاذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على صناديق الاقتراع والأجهزة والأوليات الخاصة بعملية الاقتراع».
وأشار إلى أنه «بصدور قانون تعديل قانون الانتخابات يتوقف عمل الهيئة القضائية للانتخابات المختصة بالنظر في الطعون المقدمة على نتائج العد والفرز الالكتروني لحين حسم إجراءات العد والفرز اليدوي وتقديم الطعون الجديدة بخصوصها».
وتابع: «بالنظر لحساسية المهمة الموكلة للقضاء بموجب القانون المذكور وبغية إعطاء رسالة اطمئنان للرأي العام ولجميع المتنافسين ولعدم السماح لأي جهة كانت بمختلف مسمياتها من التدخل أو محاولة التأثير على عمل القضاء بخصوص موضوع الانتخابات، يعلن مجلس القضاء عن عدم السماح لأي مشارك في الانتخابات أو أي شخص له صلة بذلك من الحضور إلى مجلس القضاء أو مفوضية الانتخابات أو الاتصال بأي قاض معني بهذا الموضوع بدءا من رئيس مجلس القضاء وبقية القضاة المعنيين».
وبين أن: «هواتف جميع القضاة المعنين بذلك تم غلقها راجين من الجميع تقدير الظروف الصعبة التي ترافق عمل القضاء بخصوص ذلك»، متابعاً «يؤكد مجلس القضاء الأعلى للجميع أن القضاء كعادته سوف يؤدي مهمة بأمانة وحياد تام، وأنه يقف على مسافة واحدة من الجميع، كما يدعو مجلس القضاء الأعلى الجميع إلى توخي الدقة في التصريح فيما يطرح من آراء بخصوص عمل القضاء فيما يتعلق بهذه المهمة، لأن أي إساءة تشكل جريمة يعاقب عليها القانون بموجب أحكام المادة 226 من قانون العقوبات التي تعاقب بالسجن بحق كل من يسيء إلى المؤسسة القضائية».
في الأثناء، أعلن مجلس المفوضين في مفوضية الانتخابات، أنه سيستخدم حقه القانوني والدستوري بالطعن بقانون التعديل الثالث لقانون الانتخابات، مبيناً أن المجلس أدى واجبه الرسمي بصورة مهنية وشفافة دون السماح لأي جهة التدخل والتأثير بصلب قراراته.
وقال في بيان: «في الوقت الذي يحرص فيه مجلس المفوضين على تطبيق الدستور والقوانين النافذة التي يلتزم فيها فإن المجلس سوف يستخدم حقه الدستوري والقانوني بالطعن بقانون التعديل الثالث لقانون انتخاب مجلس النواب رقم (45) لسنة 2013 المعدل، وذلك لاحتوائه على عدد من المخالفات في فقراته والتي لا تنسجم مع الدستور وتتعارض مع قانون المفوضية رقم (11) لسنة 2007 المعدل».
وأكد على «تعاونه المطلق مع مجلس القضاء الأعلى في تسهيل مهمة عمله، وفق ما يتخذ من إجراءات قضائية كفلها القانون، كما يوضح المجلس بأنه ليس ضد إعادة عمليات العد والفرز اليدوي إذا ما توفر فيها الجانب القانوني، وهذا ما بينه مجلس القضاء الأعلى في بيانه».
وجدد «الثقة بسلامة عمله في ما يخص الجوانب الفنية والقانونية في إدارة العملية الانتخابية، لاسيما وقد اتخذ إجراءات عديدة ضد المقصرين في أداء واجباتهم منها تقديم ملفاتهم للقضاء على خلفية ثبوت ارتكابهم خروقات داخل محطات الاقتراع».
وأوضح أن «مجلس المفوضين أدى واجبه الرسمي بصورة مهنية وشفافة ولم يسمح لأي جهة بالتدخل والتأثير في صلب قراراته خصوصاً بإدارة العملية الانتخابية والتي أثبتت الوقائع نزاهتها وكفاءتها رغم التحديات».