سليم الحسني
كان المرجع الأعلى السيد علي السيستاني يحترم رئيس الوزراء إبراهيم الجعفري ويحيطه بالتقدير، لكن نظرة نجله السيد محمد رضا لم تكن كذلك. ويعود السبب الى أن الجعفري ـ رغم ملاحظاتي الكثيرة عليه والتي كتبتها في سلسلة (اسلاميو السلطة) ـ يتعامل باعتبارات ولياقات متزنة، ويعتد بشخصيته، ويسعى لحفظ مكانة موقعه كرئيس للوزراء، ولذلك فهو يرى أنه اذا أراد أن يناقش أمراً مع المرجع الأعلى فيجب أن يناقشه من غير وسيط، بينما كان السيد محمد رضا، يلتف من وراء ظهر أبيه، فيحاول عقد جلسات خاصة مع الجعفري، أو إيصال رسائل اليه وينتظر جوابها منه مباشرة.
لقد وجد السيد محمد رضا أن الجعفري لا يخضع له، بينما خضع له بقية السياسيين، وهذا ما حزّ في نفسه، وجعله لا يرغب فيه، ويعمل على إضعافه.
وحدثت حادثة جانبية زادت من نفور الأول من الثاني، وذلك حين وصلت الى الجعفري معلومة بأن السيد محمد رضا سخر منه في غيابه، فما كان من الجعفري إلا أن واجهه بنبرة قوية وملامح صارمة، فأطرق محمد رضا برأسه الى الأرض خجلاً.
ويبدو أن السيد محمد رضا، لم ينس هذا الموقف المحرج له أمام عدة اشخاص، فاتخذ قراره النهائي بضرورة تنحية الجعفري، وقطع الطريق عليه في تولي رئاسة الوزراء للمرة الثانية.
كان الجعفري يتمتع بشعبية طاغية لم يصل اليها أحد من السياسيين، وبعد الانتخابات البرلمانية ومفاوضات تشكيل الحكومة عام ٢٠٠٦، كان هو المرشح الأقوى بنظر العراقيين. وقد فاز بالتصويت داخل الائتلاف الوطني الموحد على عادل عبد المهدي بفارق صوت واحد، وأصبح هو مرشح الائتلاف لتشكيل الحكومة.
ثم حدثت بعد ذلك اعتراضات عليه من قبل السنة والكرد ظهرت فجأة، وكان يحركها المجلس الأعلى بزعامة المرحوم السيد عبد العزيز الحكيم الذي تعامل مع خسارة مرشحه عادل عبد المهدي، على أنها خسارة شخصية له.
مع تصاعد المعارضة ضد الجعفري، بعث رسالة الى المرجع الأعلى السيد السيستاني، يسأله فيها عن موقفه من بقائه أو انسحابه. وقد سألتُ الجعفري وقتها عن مضمون الرسالة، فأخبرني بأنه كتب الى السيد الكبير يؤكد له التزامه بما يقرره، فإذا كان يرى أن ينسحب من رئاسة الوزراء فانه سينسحب فوراً، وإذا يرى أن يبقى متمسكاً بنتيجة التصويت فانه سيواصل تمسكه بالترشح.
لكن الجواب لم يأت من المرجع الأعلى السيد السيستاني رغم مرور أيام صعبة من التطورات والتأزم السياسي. مما جعل الجعفري يعتقد بأن المرجع الأعلى لا يريد التدخل في الموضوع، ولم يخطر ببال الجعفري ولا في أذهان فريقه احتمال أن نجله السيد محمد رضا قد حجب الرسالة، وأنها لم تصل الى المرجع الأعلى.
مع تصاعد الأزمة، وصلت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس مع وزير خارجية بريطانيا جاك سترو الى بغداد، وأبلغا الجعفري بضرورة أن يسحب ترشحه من رئاسة الوزراء. ولم يوافق الجعفري على طلبهما، وبقيّ متمسكاً بترشحه مستنداً الى أنه إجراء ديمقراطي وقد فاز في هذا الاجراء.
الغريب في تطورات تلك الأحداث، أنه بعد مغادرة الوزيرة الأميركية والوزير الأوروبي، وصل رأي من محمد رضا السيستاني يقول فيه أن والده المرجع الأعلى يرى بأن يرشح حزب الدعوة شخصاً آخر لرئاسة الوزراء. ولم يفكر الجعفري ولا فريقه بأن هذا الرأي ليس هو الجواب على رسالة الجعفري، إنما هو رأي في سياق آخر وفي اتجاه جديد، سياق ينسجم كلياً مع توجه محمد رضا السيستاني في إنهاء ولاية الرجل الذي لم يخضع له، ولم يخضع لسياسة التدجين التي فرضها محمد رضا على رجال السياسة الشيعة.