يعاني الفلاح العراقي بشكل عام والكربلائي بشكل خاص، من مشاكل كبيرة، فمن جهة ارتفاع كلفة الانتاج وانخفاض العائدات المالية من عملية الانتاج الزراعي، ومن جهة اخرى انتشار الآفات والامراض بين الاشجار دون وجود مساع جدية من قبل الدولة لحماية البساتين من خلال رش المبيدات، في الوقت الذي تغزو اسواق العراق مختلف المنتجات الزراعية من دول الجوار.
ويقول مزارعون إن الاهتمام الحكومي بشجرة النخيل اختفى منذ زمن، بعد أن كانت توزع البعض من الفسائل بشكل مجاني على المواطنين وتوفر طائرات لرش الأدوية لمحاربة حشرة الدوباس التي تتسبب بهلاك أشجار النخيل، لكن في يومنا هذا اختفى كل هذا.
العراق ارض السواد هكذا كان يطلق على ارض الرافدين وتسمية ارض السواد لكثرة انتشار اشجار النخيل على الأرض المعمورة، وحسب التصنيفات الرسمية فإن العراق كان في مقدمة دول العالم في عدد اشجار النخيل من حيث الانتاج كما ونوعا و اصنافا و تصديرا، هذه الشجرة التي وصفها القرآن الكريم، باعظم وصف لسيدتنا مريم بقوله (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا).
وهي وصية النبي الاعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال: (أكرموا عمتكم النخلة فإنها خُلقت من فضلة طينة أبيكم آدم، وليس من الشجر شجرة تلقح غيرها، وليس من الشجر شجرة أكرم على اللَّه من شجرة ولدت تحتها مريم بنت عمران، فأطعموا نساءكم الوُلَّد الرُّطب، فإن لم يكن الرطب فالتمر).
اما اليوم فان العراق اصبح يستورد التمور من اراضي الصحراء لدول الخليج العربي، وايران، هكذا حل بنا الخراب والدمار، ولو كان نقول هذه الحكاية لاسلافنا لماتوا حسرة، فمن يدخل السوق العراقي يجد انتشار التمور المعلبة من دول الخليج وايران، بحسب ما ذكره مزارعون.
وعن هذا الموضوع التقينا بمجموعة من الفلاحين للتحدث عن مصير زراعة التمور العراقية ومنهم، الفلاح ابراهيم حمود الناطور من اصحاب بساتين النخيل في كربلاء تولد 1952، وقد اجابنا قائلا، انه من مزارعي ومنتجي التمور ولديه ما يقارب الف نخلة وينتج سنوياً ثلاثون الف كليوغرام من التمور، مضيفاً، ان بساتين التمور في كربلاء خصوصا والعراق عموما مهددة بخطر الموت والهلاك الجماعي والانقراض وذلك لعدة اسباب اهمها (اولا): ان الفلاح يبذل جهود ينفق مصاريف لانتاج الكيلو الواحد من التمور بملغ يقدر بالف دينار والمتمثلة بمصاريف (السماد , والحراثة , والسقي , واللقاح , والعكاس , و الحصاد , والتنظيف , والتعليب , والتسويق , والنقل)، بينما يشترى منه الكيلو الواحد من قبل تجار الجملة في السوق العراقي بمبلغ (بين 200 الى 250) دينار بالتالي فان خسارته خمسة اضعاف.
ويضيف الناطور، بينما كنا سابقا في زمن النظام المجرم صدام المقبور، العملية مقلوبة كان الربح خمسة اضعاف، وهذا السبب يرتبط ارتباطا وثيقا بدور الحكومة وفسادها الوطني والمالي.
وتابع الناطور، انه بسبب بخس الاسعار من قبل الحكومة المركزية والتجار سنضطر الى ترك التمر تاكله الارض والقوارض و الانعام، بدلا من استغلالنا من قبل التجار و احزاب الحكومة التي امعنت الضرر بنا وخربت البساتين وغابات النخيل.
اما السبب الثاني: هو تجارة مكاتب الدلالية للعقار التي يقودها بعض كبار مسؤولي الدولة و الايادي الخفية للربح الفاحش، حيث تقوم بتفتيت الاراضي الزراعية وبيعها قطع سكنية بينما نصف اراضي العراق صحرواية وبالامكان اللجوء لتلك الاراض الصحراوية لسد النقص في توفير اراضي السكن وبالتالي الحفاظ على هذه الثروة الوطنية.
من جانبه تحدث الينا الفلاح عبد الحسين الموسوي، قائلاً: اننا نعيش حرب ابادة على مزارع النخيل، وان للحكومة دور رئيس في هذه الكارثة البيئية والاقتصادية و الزراعية، وانني اتوقع بعد خمسة سنوات لانجد نخلة في بساتين كربلاء، بسبب ان الاسواق العراقية ممتلئة بالتمور الاجنبية، وتباع بخمسة اضعاف من قيمة التمور العراقية رغم جود التمور العراقية ولكن السبب هو غياب الوعي عند المواطن في شراء التمور العراقية، اضافة الى عدم وجود مصانع تعليب لتسويق التمور العراقية وتصديرها وفق معيار السوق.
على صعيد متصل تحدث الفلاح ابراهيم السلطان، لوكالة نون الخبرية، انه كان سنويا لديه ما يقارب 2000 نخلة منتجة لأجود انواع التمور وكان يصدر عشرات الاف الكيلوات من التمور، ولكن بعد عام 2003 و بسبب غزو السوق العراقي من قبل التمور الاجنبية، و عدم وجود جهة حكومية تتبنى تصدير التمور مثلما كان عليه في النظام السابق، فان زراعة التمور في العراق اصبحت في عداد الموتى والقبور.
وتحدث لوكالتنا حسن حمود، ويعمل تاجر في التمور و المنتوجات الزراعية، ان دول الجوار تشتري التمر العراقي بسعر بخس من خلال ادواتها بعض التجار الكبار في العراق وتقوم بتعليبه و تغليفه واعادة تسويقه للعراق مرة اخرى ويباع على العراقين باضعاف سعره حيث يباع الكيلو الواحد بسعر 2500 دينار، ولو اجريت التحري في الاسواق ستجد ان الاسواق العراقية ممتلئة بهذه التمور التي اعيد تصديرها للعراق بطريقة شيطانية
تحقق غايتين:
الاولى: ضرب الثروة الوطنية لزراعة التمور.
والثانية: اقتصادية ربيحة من خلال بيع تمرنا علينا.
من جانبه تحدث ابو علي، وهو تاجر تجزئة، ان هناك طلب كبير على التمور المحلية في موسم جني التمور، في الوقت الذي تغزو التمور المستوردة الاسواق، الا ان المشكلة تكمن في عدم وجود معامل لتغليف وتعبئة التمور المحلية، وبالتالي نضطر نحن كتجار تجزئة الى بيع التمور المستوردة في باقي ايام السنة، والتي يصل فيها سعر الكيلوا الواحد الى اكثر من 3000 دينار، لاختفاء المنتج المحلي.