تقرير السلطة القضائية .. فتح القضاء باب النهاية لإحدى العادات القبلية التي شكلت تهديداً لأمن المجتمع بعد أن وجه كافة المحاكم بتشديد الأحكام عن جريمة “النهوة العشائرية ” واعتبر التهديد فيها فعلا إرهابيا يحاسب بموجب قانون مكافحة الإرهاب.
و”النهوة” كما عرفها قضاة متخصصون عرفا عشائريا قديما يكره بموجبه الذكر او الانثى من الاقارب على الزواج او يمنعه منه، مستندا الى رابطة القرابة والانتماء العشائري بداعي عدم زواج الإناث الا من أقاربهن وقد يقترن ذلك بالتهديد أحيانا.
وأخذت “النهوة” منحىً خطيراً في الآونة الأخيرة إذ أكد قضاة ان عددا من القضايا لم تقتصر على التهديد والوعيد بل وصلت الى استخدام الأسلحة من اجل منع زواج امرأة من رجل ليس من القبيلة نفسها، ولم يعد هذا العمل مقتصرا على المناطق الريفية والبدوية بل انتشر في الكثير من محافظات العراق لاسيما الوسط والجنوب منه.
تفاعل قضائي
وتفاعلا مع هذه العادات الدخيلة التي أضحت تنمو وتهدد المجتمع، اصدر مجلس القضاء الأعلى قراره الفصل بتشديد عقوبة “النهوة العشائرية” واعتبر الـ”النهوة” المقترنة بالتهديد إرهاباَ، وفق المادة الثانية من قانون مكافحة الإرهاب رقم (13) لسنة 2005، التي تنص على أن “التهديد الذي يهدف إلى القاء الرعب بين الناس أياً كانت بواعثه يعد من الأفعال الإرهابية، وان تشديد العقوبة على مرتكبي هذه الجريمة هو أمر واقع تقتضيه الظروف الحالية بغية القضاء على هذه الظاهرة المتأصلة جذورها في المجتمع دون سند اخلاقي او اجتماعي او ديني او قانوني” بحسب قرار القضاء.
وفي ميسان أحد معاقل رواج هذه العادة الدخيلة، بينت محكمة الاستئناف انحسار هذه الأعمال بصورة كبيرة وصلت إلى نسبة الـ90% بحسب القاضي سعد سبهان وهو قاضي اول محكمة تحقيق العمارة والذي بين إن “أعمال الدكة العشائرية انخفضت بنسبة 90% في مناطق من المحافظة وانقضت نهائيا في أخرى”، فيما نوه سبهان إلى أن “محافظة ميسان شهدت مثل هكذا أعمال بكثرة كونها أكثر محافظات العراق التي تصطبغ بالطابع العشائري”.
واشاد سبهان بقرار مجلس القضاء الأعلى مؤكدا أن “التكييف الجديد الذي أصدره المجلس حقق نتائج مرضية على ارض الواقع حيث صدرت توجيهات مؤخرا من قبل رئاسة مجلس القضاء الاعلى الموقر والتي تضمنت توجيه كافة المحاكم في عموم البلاد بتشديد العقوبات المفروضة على مرتكبي جريمة الـنهوة العشائرية بغية الحد من انتشارها والقضاء عليها وقد كان لهذه التوجيهات الاثر الواضح في انحسار ارتكاب هذه الجريمة بنسب كبيرة، ومعاملتها معاملة التشديد الحاصل في جريمة الدكة العشائرية”.
آلية العمل
وعن آلية التحقيق والطرق المتبعة من قبل المحكمة في حال وجود جريمة النهوة الاعتيادية ذكر القاضي سبهان أن “المحكمة تجري التحقيق بخصوص جريمة الـنهوة العشائرية وفق المادة التاسعة من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 التي نصت الفقرة الاولى منها على أن (لا يحق لأي من الاقارب او الاغيار إكراه أي شخص ذكرا كان ام انثى على الزواج دون رضاه ويعتبر عقد الزواج بالإكراه باطلا اذا لم يتم الدخول كما لا يحق لاي من الاقارب او الاغيار منع من كان أهلا للزواج بموجب أحكام هذا القانون من الزواج) وان (يعاقب من خالف احكام الفقرة الاولى اعلاه بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات وبالغرامة او باحدى هاتين العقوبتين اذا كان قريبا من الدرجة الأولى اما اذا كان المخالف من غير هؤلاء فتكون العقوبة مدة لا تزيد على عشر سنوات او الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات) وهذه المادة هي الوحيدة التي شرعت لمعاقبة مرتكبي جريمة النهوة العشائرية وتتضمن شقين الأول يتعلق بالأقارب من الدرجة الأولى والشق الثاني يتعلق بالأغيار”.
أما عن طرق تحريك الشكوى ومن له الحق في تحريكها إذا كانت المنهي عليها لم تبلغ السن القانونية أكد سبهان أن “تحريك الشكوى يكون من قبل المتضرر من هذه الجريمة او من يقوم مقامه قانونا او اي شخص علم بوقوعها او بإخبار يقدم من الادعاء العام هذا في جرائم الحق العام، اما جرائم الحق الشخصي والمنصوص عليها في المادة ثالثا الاصولية فلا تحرك الشكوى فيها لا بناء على شكوى من المجني عليه او من يقوم مقامه قانونا”، مؤكدا أن ”جريمة النهوة العشائرية ليست من دعاوى الحق الشخصي وبالتالي لا يتوقف تحريكها على شكوى من المجني عليه فيمكن تحريكها من قبل الاشخاص الذين ورد ذكرهم في المادة الاولى الاصولية والمشار اليهم اعلاه”.
دور للادعاء العام
وعن بعض الحالات التي تكون فيها المنهي عليها في وضع لا يمكنها من تحريك شكوى خوفا من ذويها او قبيلتها أو إنها لم تبلغ السن القانونية وتم النهي عليها وذويها مؤيدين لهذه الظاهرة ولم يقوموا بتحريك شكوى، اشار سبهان إلى ان “هذه الحالة تعالج فبعد تأكد المحكمة من الزام البنت من قبل ذويها وعدم استطاعتها تحريك شكوى، هنا يأتي دور القضاء ومحكمة الموضوع لإشعار الادعاء العام لغرض تحريك الشكوى واتخاذ الإجراءات القانونية بحق مرتكبي تلك الجريمة وفق القانون”.
واعتبر سبهان احد اهم الحلول للتصدي لهذه الظاهرة هو “إصدار قانون يعالجها من جميع الجوانب الاجتماعية والثقافية ويضع الحلول الموضوعية التي تساهم في الحد من هذه الجريمة والقضاء عليها وتخليص المجتمع العراقي منها سواء بتشديد العقوبات البدنية او المالية بما يتلاءم وواقع المجتمع العراقي وظروفه”، لافتا الى “نشر الوعي الثقافي والاخلاقي والديني بين طبقات المجتمع المختلفة وتوضيح الآثار السلبية الاجتماعية والنفسية لهذه الجريمة على المجتمع بصفة عامة والأفراد بصفة خاصة اضافة الى تشديد العقوبة على مرتكبي هذه الجريمة هو امر واقع تقتضيه الظروف الحالية التي يمر بها البلد بغية القضاء على هذه الظاهرة المتأصلة جذورها في المجتمع دون سند أخلاقي او اجتماعي او ديني او قانوني”.
من جانبه بين القاضي احمد جاسب الساعدي قاضي اول محكمة الاحوال الشخصية في الكرادة ان “القوانين النافذة كافية لمعالجة الظاهرة ولتحقيق الردع في المجتمع”، مشيرا إلى ان “العمل على نشر الوعي الاجتماعي والثقافي وكشف مقدار سلبية هذه الظاهرة من خلال الاعلام ومنظمات المجتمع المدني فضلا عن الجهات الاجتماعية والعشائر والمؤسسة الدينية أفضل الحلول في هذه الفترة”، فيما اعتبر ان “المستوى الثقافي والبيئة الصالحة المتعلمة لها تأثير فاعل في انحسار وانتشار هذه الظاهرة”.
وأكد الساعدي “في حال رفض المنهي عليها الزواج فلها او لوالدها او والدتها او احد أقاربها تقديم الشكوى ويمكن لمن منع من زواج البنت تحريك الشكوى وأيضا يجوز للادعاء العام تحريك الشكوى بهذا الشأن بعد تأكد المحكمة من الزام البنت بالزواج بل يجوز لاي موظف حكومي تناهى بعمله حصول هذه الجريمة اشعار قاضي التحقيق بالواقعة لاتخاذ الاجراءات القانونية بحق المتهم”.
واختتم الساعدي حديثه حول نتائج توجيهات مجلس القضاء الاعلى القاضية بتشديد عقوبات هذه الجرائم بان “توجيهات المجلس الموقر بهذا الخصوص ادت نتائجها بشكل سريع وافضت الى حسر هذه الظاهرة والحد منها بشكل ملحوظ”.