اصبحت الولايات المتحدة الامريكية (امبراطورية العصر الحديث) من خلال هيمنتها, وتسليط اضوائها المختلفة على معظم بقاع الارض قاطبة, وبعد قيامها على سقوط, وانهيار عدوها الاول (الاتحاد السوفيتي) عام 1991 وتفكيك بلدانه (السبعة عشر) الى دويلات ضعيفة, منسية.. عدا روسيا القيصرية, واوكرانيا.
الدولتان اللتان بقيت على مسار قوتها, وسيطرتها على معظم الحالات اللازمة في المواجهة والتحدي ضد فرعنة امريكا وطغيانها, بالرغم من ان بعد الولايات المتحدة الامريكية عن العالم الغربي والشرقي في المسافة, حيث تقع بين المحيطين (الاطلسي والهادي) ولكن هنا .. جعلت من موقعها الجغرافي ان تسيطر وتفرض نفوذها على العالم, وجعلها مستمرة لحد الان. وهنا حصرا.. فقد ساد تركيز الولايات المتحدة الامريكية على منطقة الشرق الاوسط (تحديدا) وذلك لسببين: الاول .. هو لحماية الوجود الحقيقي (لدولة اسرائيل) الواقعة في قلب المنطقة المذكورة آنفا.
والثاني .. هو كون المنطقة متميزة كثيرا في مناخها, وفي طبيعتها باعتبارها تطفو على بركة كبيرة جدا من النفط الخام , ووجود الغاز السائل الهائل في اراضيها التي لا تحصى كمياتها, وخصوصا المنتشرة بين البلدان العربية والتي تقع ما تسمى بـ “دولة” اسرائيل العبرية المزعومة بين احضانها, حيث لا ينتهي استخراج النفط والغاز منها حتى لو استمرت قرونا طويلة من السنين القادمة.
وهذا ما شجع كيان اسرائيل على انشاء اكبر شبكات الانابيب, ومدها الى اوربا لنقل غازها عبر البحر الابيض المتوسط, ومنها الى دول الجوار ومن هنا.. فان التحالف الثلاثي المعروف منذ القدم, بالتحالف (الانكلو – الامريكي – الاسرائيلي) المهيمن على بقاع الارض باسرها, بعد ان قام بتصعيد مخططاته, وتنفيذها على تغير خارطة العالم من الجذور, من خلال تفوقه وسيطرته على بلدان القارات, وتفكيك وسقوط الانظمة التي كان يحكمها شلة من الطغاة والديكتاتوريات المستفحلة, والمتسلطة التي حكمت بلدانها عقودا طويلة من الزمن الغابر, وخاصة الانظمة في بعض الدول العربية, بدأ من العراق بعد الاطاحة بالنظام البائد عام 2003, ومن بعده دول الربيع العربي عام 2011 واستمر التحالف الثلاثي على زعزعة الانظمة التي يتواجد فيها الاسلام .. مثل افغانستان, وباكستان, واجزاء من الهند, وغيرها واخرها عندما جاء دور اخر دولتين عربيتين حيث تم سقوط نظامهيا المتشددين في السودان والجزائر.
ومن هنا.. فقد انتهى دور جميع الانظمة العربية المتسلطة على رقاب شعوبها, بعد ان جعلت من استمرارها خطرا على العالم, واوقعت تلك الشعوب في حمامات من الدم المستباح, وقتل الابرياء فيها بصورة مستمرة خلال سنوات الحكم الطويلة, ومن خلال سير الاحداث الدامية التي انزلق فيها معظم قادة وزعماء البلدان العربية, وزوال انظمتها المتشددة .. بدأت الدول العربية المتمثلة بانظمتها الجديدة في التغيير بمنهجها الجديد, وبدأ معها كيان اسرائيل الان.. ان تأخذ قسطا من الراحة والاطمئنان واعلان رحاها في الوجود واصبحت الان اكثر يسرا وانفتاحا, بعد ان التجأت اليها نصف عدد بلدان الوطن العربي من المحيط الى الخليج, واعترفت بها اعترافا شاملا ورسميا بعد اعلان اهم شعار.. وهو (نقطة النظام) في حق اسرائيل الشرعي في الوجود, والدفاع, والحماية عن نفسها لكونها (دولة شرعية).. وكان ذلك من خلال اللقاءات العلنية, والمستمرة بين وفود تلك الدول العربية وبين وفد الكيان الاسرائيلي برئاسة واشراف (بنيامين نتنياهو) خلال اشتراكهم في مؤتمر قمة وارسو المنعقد في العاصمة البولندية ومن خلال المشوار الطويل الذي لعبته الولايات المتحدة الامريكية مع حلفائها, وفي مقدمتها بريطانيا واسرائيل على تغيير المسارات السياسية بين انظمة دول العالم ورسم مخططاتها المنهجية, وبدأت مؤخرا بتفعيل ازمتها السياسية والاقتصادية والعسكرية الجديدة, وبدأت تتصاعد التهيدات المتبادلة بين الولايات المتحدة الامريكية وايران, وتبادل الاتهامات بينهما, حتى وصلت الحالة القصوى الى مستوى عال من الحساسية, وبدأ التحرك المفاجئ من الحشود العسكرية الامريكية الكبيرة ومن محورين متقابلين:
المحور الاول.. وصلت حاليا وتحديدا في مياه الخليج العربي, قبالة السواحل الايرانية قطع من المعدات والاليات العسكرية الثقيلة العائدة للجيش الامريكي معززة بالقاذفات الستراتيجية (B-52) وجعل من هذا التحرك العسكري.. بداية حرب استخباراتية غير مسبوقة ما اثار غضب الايرانيين.
اما المحور الثاني.. حيث وصل الاسطول الحربي الامريكي الى سواحل البحر الابيض المتوسط بالقرب من شواطئ لبنان استعدادا للعمليات العسكرية المرسومة واسعة النطاق, حسب ما افادت القيادة البحرية الامريكية جاعلة استعدادها بانتظار ساعة الصفر لقيامها بقصف جوي وبحري على ايران وهنا تجدر الاشارة, وبالرغم من وجود اكبر القواعد العسكرية الامريكية في الشرق الاوسط , واكثرها انتشارا المتواجدة في دولة قطر, جاعلة منها اكبر مستعمرة امريكية في الشرق الاوسط على المستويين الاقليمي والدولي.
وقد سبقت تلك الازمة المفتعلة التي تمر بها ايران الان.. ازمة اقتصادية فرضتها الولايات المتحدة الامريكية على ايران, وحصارها الواسع, بعد ان منعت من تصدير النفط الايراني عبر مياه الخليج العربي, وفرض العقوبات المتكررة ضدها.. ولكن، يمكن القول حول صياغة المسلسل الذي ارعب العالم بعد ان اجتمعت (79) تسعة وسبعون دولة كي تشكل تحالفا جديدا مع الولايات المتحدة الامريكية لمحاربة ايران وضربها.
وهنا.. لو رجعنا للعلاقات الامريكية الايرانية عبر رحى التاريخ لوجدنا ان معظم الزعماء الامريكيين من كلا الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) في امريكا هم على دراية حقيقية تجمع الولايات المتحدة الامريكية مع ايران في شتى المجالات الاستراتيجية منذ فترة نظام الحكم في عهد شاه ايران (محمد رضا بهلوي).
ولكن الدور الذي لعبه الرئيس الامريكي الوقح دونالد ترامب خلال فترة زعامته لامريكا في الوقت الحاضر بعد ان اجحف في الكثير من القرارات الصارمة التي كان يتردد منها دوما معظم الرؤساء الامريكيين الذين حكموا الولايات المتحدة الامريكية في فترات متعاقبة, ومن اهم القرارات التي اطلقها ترامب اعلان القدس عاصمة لكيان اسرائيل, ونقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس. وهنا .. فان الولايات المتحدة الامريكية, وبالرغم من الحصار الذي فرضته على ايران.. وقيامها بزحف قواتها البحرية العسكرية الثقيلة ومن اتجاهين متقابلين ومتعاكسين.. فانها لم تقم ولن تستطيع اطلاق رصاصة واحدة تجاه ايران مهما كلف الثمن, ولن تنال من ارضها شبرا واحدا.. لان هناك مخططا ستراتيجيا يصب في منطقة الشرق وسوف تشهده المنطقة باسرها والعالم اجمع بنتائج ذلك المخطط الموسوم الذي ستلعبه الولايات المتحدة الامريكية في الوقت القريب.. وفي نهاية المطاف .. سيكون من صالح كيان اسرائيل.