وفق البرنامج الحكومي حيث الالتزام بإنهاء ملف الدرجات الخاصة التي يشغلها رؤساء الهيئات ووكلاء الوزارات والمستشارون ورؤساء البعثات والمديرون العامون بالوكالة؛ وفي موعد أقصاه يوم 2019/4/25 وقد مدد البرلمان المدة في ضمن قانون الموازنة لغاية 2019/6/31 إذ قُدِّرت بنحو 1000 درجة , وكانت المادة 58 من موازنة العام الحالي 2019 قد أكدت أن التواقيع الصادرة عن أصحاب المناصب الذين يديرون مواقعهم بالوكالة ستصبح باطلة ما لم يتم حسمها قبل الموعد المقرر , الا ان الحكومة لم تتمكن من إنهاء ملف إدارة الدولة بالوكالة بشكل منصف في وقت تنازلت فيه الأحزاب والكتل السياسية عن حصصها في العلن وطالبت بها في السر في اثناء المفاوضات إذ اصبحت هذه الدرجات عنوانا للتنافس السياسي والحزبي فالكل يتابع المزاد الذي فُتِحَ بهذه المواقع والنهم الكبير بدا واضحا على الأحزاب والتيارات السياسية الرئيسية التي شكلت الحكومة استحواذها على هذه المناصب من أول مرة إذ سمعنا قصصا مؤسفة عن وزارات ينتظر منها المواطن تقديم خدمة بغض النظر عن توجه العاملين فيها ، الا أن القلق الوظيفي والترقب قد ساد على الجميع وعرقل قيامهم بمهامهم الموكلة إليهم (من مدير شعبة أوقسم أومعاون مدير عام أومدير عام اومستشار أو وكيل) ، فالكل يترقب الاخبار صحيحة كانت أم غير مؤكدة؛ ناهيك عن الإشاعات والتسريبات بالترشح والتكليف وتقديم السير الذاتية للحزب (س) او (ص) وإجراء المقابلات رافقها إنهاء تكليف هذا المدير أو ذاك وترشيح البديل عنه لاسيما وان إجراءات الكثير من الوزراء قد افتقرت إلى الوضوح والمصداقية ومصارحة المكلفين المتأرجحين حاليا بما عليهم من مؤشرات فساد او خلل في الاداء وقلة خبرة؛ إذ ابقت الأمور غامضة ماجعل الكل يترقب الحسم في وقت نحتاج فيه الى صفاءِ ذهنٍ وإعمال فكرٍ في تنفيذ الخطط والالتفات إلى اداء المهام اليومية للدوائر بما ينعكس إيجابيا على خدمة المواطنين.
للأسف كان الكل حبيس ظرفه وقد بات شغله الشاغل ماذا سيفعل إذا مافقد منصبه الحالي؛ في الوقت نفسه كانت تدار صفقات وتعقد اجتماعات لتعيين مرشحين (مستقلين) قدموا فروض الطاعه والولاء مديرين عامين ومستشارين ورؤساء هيئات على غرار تعيين المفتشين العامين من دون الإعلان عن اية معايير للاختيار ، وفي ظرف استثنائي مثل هذا الذي نعيشه بعد الخروج من حرب ضروس على الارهاب وما تخلل ذلك كله من تداعيات على المستوى الاقتصادي والخدمي والمعيشي للمواطنين وما سبب من ارتفاع في نسب الفقر والبطالة مع سوء الخدمات واستشراء الفساد في وقت بلغت فيه نسبة تنفيذ البرنامج الحكومي 36.5 بالمئة وبلغ مقدار العجز في موازنة العام الحالي 35 والتي من المتوقع ان تصل الى 72 ترليون دينار عام 2020 مع وجود مخاطر جدية في تعثر تصدير النفط.
هذه الظروف كلها ولّدت تحديات تنتظر معالجات وإصلاحات لا تتم الا من خلال جهاز وظيفي فاعل يمتلك الصلاحية والاستقلالية والمساحة والخبرة القانونية والعملية في تنفيذ واجباته على وفق الخطط المرسومة في الموازنة والبرنامج الحكومي والاستراتيجيات والبرامج المتفق عليها في مختلف القطاعات.
ومن خلال المتابعة تيقنّا من ان هناك ضعفا واضحا في تنفيذ البرنامج الحكومي كان من اهم أسبابه الافتقار إلى استقرار وظيفي وتحديدا في الدرجات الخاصة وما يتبعها من وظائف ومواقع ومسؤوليات.
وهنا أقول ان ما يجري على حساب تنفيذ الخطط وتقديم الخدمات هو تداعيات خطيرة فالمحاصصة لاتزال موجودة على الرغم من البيانات والمواقف المعلنة واصحابها مازالوا يعملون بها بكل جرأة من دون اي اعتبار للرفض الشعبي والنخبوي لأسلوب لم نجنِ منه سوى الفشل والفساد طوال السنوات الماضية بل أن هناك اصرارا شديدا من القوى السياسية التي شكلت الحكومة على ترسيخ المحاصصة المقيتة في ابشع صورها وفي المواقع كلها وقد كان الأمر الديواني الأخير بتعيين المفتشين العامين مثالا صارخا على تجاهل الرفض الشعبي لتبني المحاصصة في مواقع يفترض ان تكون مهنية صرف منها مواقع رقابية كما نص عليه الأمر 57 لسنة 2004 والأمر 19 لسنة 2005 بعد تعيين ممثلين عن الأحزاب مفتشين عامين مع الترقب لاعتماد اسماء أكثر من 200 مدير عام وافق عليهم مجلس الوزراء مؤخرا نامل ان يكونوا مهنيين وبعيدين عن اي التزام امام حزب او كتلة سياسية فضلا على ذلك هناك بحدود 60 وكيلَ وزارةٍ و50 مستشارا و 31 رئيسَ هيأةٍ ومؤسسةٍ ينتظرون القرار بترشيحهم الى مجلس النواب بعيدا عن مبدأ الحصص وإبعاد المهنيين وفي إطار العدالة والمعايير المهنية .
ولايخفى على مطلع ما للمحاصصة من عميق صلة بالفساد الإداري وهدر الأموال التي ترصد في الموازنات الحكومية العامة، ماجعل العراق بيئة طاردة للاستثمار، وزاد من الفجوة بين فئات المجتمع.
وباختصار نقول انه في ظل استحقاقات مشروعة وملحة للمواطن وتطورات داخلية وخارجية تحيط البلد لا يمكن الركون الى مبدأ التوافق والمحاصصة في ادارة الدولة.
آن الاوان لتغيير هذا الأسلوب الذي مازاد الشعب الا بعدا عن الحكومة وانعدام ثقة بها. آن الاوان لتغليب مصلحة الملايين على مصالح اشخاص.