بقلمي … منهل عبد الأمير المرشدي
صحوت من منامي مفزوعا من حلم رأيته وقد أقلقني تعقيد مفردات ما رأيت وصعوبة تفسيره ولأني ليس بمكان صاحب المقام العالي ملك مصر الأعظم أمن حوتم لأستدعي الكهنة والمعبرين لتفسير رؤياي مثلما شاهدنا في مسلسل يوسف الصدّيق فقد لجأت الى صديقي سلمان الذي يمتلك صيتا في تفسير الاحلام. طلب مني أن أقص عليه ما رأيت فقلت له كأني جالس على رحلتي في الصف الأول الأبتدائي مع زملائي من التلاميذ أنفسهم كاظم راضي وقاسم رومي وكريم برزان وماجد هلال ولكني كنت جالسا بينهم بعمري هذا وبشيبي هذا وببؤسي هذا وقد دخل علينا معلم اللغة العربيه ( القراءة ) الأستاذ جبار لكنه كان يرتدي زيّا غريبا يجمع في مضمونه كل أطياف الشعب العراقي فقد كان يرتدي ( الجراويه) باليشماغ وقميص بنصف ابيض اللون ونصف أسود وربطة العنق التي تحمل ألوان العلم العراقي مع السروال الكردي وعلى كتفه (غترة) بيضاء وفي يده اليمنى مسبحة خضراء وفي اليسرى وردة حمراء . لقد فرحنا كثيرا حين رأيناه وتفاجئنا بغرابة لكنته وضعف مفرداته . قبل ان يستدير الى السبورة ويمسك الطبشور ليرسم خارطة العراق قال : نحن دعوناكم لنكافئكم لأنكم تمثلون بقايا من بقايا جيل الطيبة والوطنية والنقاء والتحدي والجهاد وأنتم الذين عشتم المظلومية بكل معانيها لثلاث عقود من زمن الطاغوت فقررنا ان نمنح كل منكم قطعة ارض لتبنوا فيها بيوتا تليق بكم وبتأريخكم النضالي وهذه خارطة العراق أمام اعينكم لتختاروا موقع الأرض حيثما تشائوا ولكن عليكم ان تتجنبوا بعض المواقع لأنها تقع ضمن المناطق المحجوزه سلفا أو لاحقا أو انها بحكم المحظور لوجود من ينوي حجزها فيما بعد خصوصا وانكم تعلمون ان الأعمال بالنيات ولكل إمرإ ما نوى وهذا ما ينص عليه الدستور العراقي الذي لا يتعارض مع الشريعة الأسلاميه كما يضمن حقوق الأقاليم حتى وان نهب الاقليم الجمل بما حمل . مسك الأستاذ جبار عصاه وراح يشير الى المناطق المحجوزة والمحظورة والمنوي على حجزها فابتدأ من أعلى الخارطة ونزل حتى استقطع كل شمال العراق وقال هذه المناطق المؤطرة باللون الأصفر تجمع بين الحجز والحظر والبرزنة والفدرلة معا وعليكم أن تنسوا تماما أي امل بإمتلاك قطعة أرض فيها ولا حتى شبرا واحد . ثم وصل الى بغداد وأشار الى مناطق مؤشرة بنقاط خضراء وزرقاء وحمراء فقال انصحكم ان لاتفكروا فيها فهي اما صارت ملكا لقوم مؤمنين جدا جدا جدا او في طور التمليك لجهات محددةّ بعينهامعلومة بشكلها صادحة بصوتها أما هذه التي تشاهدون تحتها لون داكن فإنها خارج التصميم الأساسي لكنها ضمن النوايا المباركة للرئاسات ما سلف منها وما تبقى منها او سيأتي وهي بالتالي محجوزة كسابقاتها وما يتبعها اما فيما يخص شواطئ الأنهار فأظنكم تدركون سطوة الأخيار وفطاحل الأبرار وعشاق الثمار عليها وعلى ما خلف الجدار وهو يعني إستحالة الحصول فيها على سنتمتر واحد . وقبل أن يتجهّ بعصاه صوب الجنوب قفزت من نومي مرعوبا مما رأيت . نظر لي جارنا سلمان وهو يحدّق بي بطرف عينه وسألني هل كنت على وضوء قلت نعم ، قال يعني كان حلمك بعد صلاة الفجر ، قلت نعم قال هل تذكر ماذا كان عشاءك بالأمس قبل أن تنام ؟ قلت خبز وجبن وشاي . تبسم صديقي سلمان وتلفت يمينا وشمالا ليتأكد إننا لوحدنا ولا أحد يسمعنا وهو يداعب لحيته بأنامله وينظر لي بعينه اليسرى وقال لي ( بس لا إنباع الوطن )