الإمام الحسين (ع) ثورة محمدية سماوية

    محمد توفيق علاوي

     الحسين عليه السلام في ثورته الجبارة كانت له اهداف بعيدة جداً ضمن مخطط إلهي ابلغه الله لرسوله الكريم (ص) وتم تهيئة الحسين (ع) لهذا اليوم ليتم حفظ الاسلام من الانحراف الكامل لمستقبل الايام حتى قيام الساعة؛ لقد قام الحسين (ع) خطيباً في مكة قبل توجهه الى العراق قائلاً (وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأني باوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء) حيث كان الحسين (ع) يعلم بالمخطط الذي اراده له الرسول (ص) بكافة تفاصيله، من تاريخ ومكان استشهاده وطريقة استشهاده كما بينها، وسبي اهل بيته حيث قرر اصطحابهم معه وهو عالم بما سيواجهوه من سبي ومعاناة وذلك لتحقيق الاهداف الكبرى التي ارادها الله من ثورته العظمى.

    لقد كتب الإمام عليه السلام إلى  الناس قائلاً (من لحق بنا استشهد، ومن تخلف لم يبلغ الفتح) فما المقصود بالفتح؟ حين آلت القيادة الدينية والدنيوية إلى بني امية الذين حملوا السيف بوجه رسول الله (ص) ولم يدخلوا الإسلام إلا نفاقاً ورغماً عن أنوفهم، لقد كان حقدهم على الإسلام وعلى رسول الله (ص) يفوق حد التصور حتى أن هندا زوجة ابي سفيان وأم معاوية لاكت كبد الحمزة بعد استشهاده؛ واكبر دليل على كفرهم ونفاقهم واستمرارهم على معاداة هذا الدين هو قول يزيد المشهور:

    لعــبـت هـاشـــم بالمـلــك

    فلا خبر جاء ولا وحي نزل

    حيث شرع معاوية بوضع الأحاديث المكذوبة عن رسول الله (ص) والتي انتقلت إلى أمهات كتب الحديث للإنتقاص من بني هاشم ووجوب طاعة الحاكم الظالم، بل وصل الأمر إلى رسول الله حين اتهم بأن الشيطان كان ينطق على لسانه في قضية (الغرانيق العلى)، هذا الإفتراء على الرسول(ص) الذي دون في أمهات كتب الحديث مكن أعداء الإسلام من التشكيك بنبوة الرسول(ص) كإصدار كتاب (الآيات الشيطانية) لسليمان رشدي، إعتماداً على أحاديث كثيرة التي روجت في زمن معاوية وبتوجيه منه لقد شرع معاوية سب الإمام علي(ع) وجعله من السنة الواجبة في تعقيب الصلاة اليومية حتى جاء الخليفة عمر بن عبد العزيز فألغاها وإستعاضها بقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ  يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فإنقطعت السنة الباطلة لمعاوية واستمرت حتى اليوم سنة عمر بن عبد العزيز بمقولة إسلامية مستمدة من كتاب الله؛ ثارت المدينة المنورة إبتداءً ضد بني أمية فواجهها يزيد بإباحة المدينة لثلاث أيام بما يعرف بوقعة الحرة، وثار أهل مكة بقيادة عبد الله ابن الزبير، وثار أهل الكوفة بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي بما يعرف بثورة التوابين، وثار المختار الثقفي في الكوفة وانتصر على جيش عبيد الله بن زياد وقتله في الموصل، وثار زيد بن علي وثار ابنه يحيى بن زيد في الكوفة والمدائن، أما في زمن مروان بن محمد آخر حكام بني أمية فقد قامت عليه عدة ثورات في آن واحد، في فلسطين وحمص والموصل والجزيرة واليمن بل حتى في دمشق فنقل العاصمة من دمشق إلى حران، بل إن ثورة الحسين(ع) فجرت الصراع داخل البيت الأموي، فعندما مات يزيد وتولى ابنه معاوية خطب فيهم منتقداً جده معاوية في أنه نازع الأمر أهله، وأن اباه يزيد قتل أهل بيت النبوة ظلماً، وأن أهل البيت أحق بهذا الأمر من آل أبي سفيان، فقتل بعد أربعين يوماً إما بالسم أو طعناً، وحينما تولى الأمر عمر بن عبد العزيز جرد بني أمية من الأموال التي أستولوا عليها ظلماً، فقتل مسموماً.

    لم يطل الأمر أكثر من (٧١) سنة من إستشهاد الحسين(ع) حتى قامت ثورة العباسيين تحت شعار (الثأر لمقتل الحسين) و(الرضا من آل محمد) فتم القضاء بشكل كامل على الدولة الأموية في الشام. ولهذا قال رسول الله (ص) (حسين مني وانا من حسين) حيث من المعلوم ان الحسين (ع) من الرسول، ومسيرة العقيلة زينب (ع) التي دكت عروش الظالمين خلال اربعة عشر قرناً ومازال الملايين من البشر يسيرون على خطاها وخطى الحسين (ع) ومنهجه للإصلاح في امة جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

    هذا هو المقصود من قول الحسين (ع) بالفتح العظيم لجميع المسلمين، ففتح رسول الله (ص) كان باسقاط اصنام قريش في الكعبة أما فتح الحسين (ع) فكان في اسقاط مخطط بني امية ودحر سنتهم الباطلة في النيل من قداسة رسول الله (ص)، وسنتهم في لعن اهل بيت النبوة على منابر المسلمين، وكشف زيف الآلاف من الاحاديث التي وضعوها لطاعة الحاكم الفاسق والظالم، فضلاً عن الانحرافات التي كانت متوقعة لو لم يقم الحسين بنهضته العظيمة، فثورة الحسين عليه السلام كانت للمسلمين جميعاً.

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة