ليس هنالك من وسيط “محايد” افضل من العراق بين السعودية وايران، حيث يرتبط بعلاقات جيدة مع الطرفين ، ومتفهم – تماماً – للمشاكل العالقة بين البلدين، كما ان هذه “الخصومة” لها آثارها السلبية على العراق في وقت يعاني فيه من مشاكل داخلية جمة، وله حدود طويلة مع كل من السعودية وايران..
التحركات السابقة التي قام بها مسؤولون عراقيون لايجاد حل للخلاف بين السعودية وايران لم تجنِ ثمارها، لاسباب اهمها ، ان السعودية لم تكن تعتقد يوماً انها ستهزم في حربها مع اليمن، ولم يكن في حسبانها ان تضرب مواقعها الاقتصادية في الابعد من اراضيها الشاسعة، ولا كانت تتوقع ان يكون لخصمها “الحوثيون” مثل هذه الامكانيات والقوة في الصمود وفي الحصول على التقنية المتطورة ايضاً..
السعودية الان تمر في الاصعب من الظروف بكل تاريخها حيث تجد نفسها “عائمة” وتسير بلا هدي ، فقد تخلى عنها الاقربون من دول الخليج وآخرهم الامارات مثلما فقدت ثقتها بالولايات المتحدة كحام لارضها ومصالحها، وكذلك اصبح مصيرها مهدداً بالداخل بعد تصاعد حدة المعارضة والعدد الهائل من المعتقلين الذين تم زجهم بالسجون منذ عامين في ظل اصلاحات (محمد بن سلمان) وابدال لجنة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الى (لجنة الترفيه) حيث المسارح وحفلات الرقص والغناء على مقربة من الحرم المكي وقبر الرسل الكريم….
اما في الخارج فقد فقدت المملكة سمعتها تماماً وتهمة “الارهاب” باتت لصيقة بها في وقت لم يعد لديها من “الاموال” ما تدفع لدرء “التهمة” عنها ، بعد ان افرغ الامريكان جيوبها, وفوق ذا وذا فان السعودية شعرت ان امريكا تواصل مطالبتها بالحوار مع ايران ودون شروط مسبقة , وهذا يدل على امرين الاول ان امريكا غير عابئة بخلافات اصدقائها مع الاخرين , والثاني الاقرار أن ايران دولة فاعلة في المعادلة السياسية الاقليمية والعالمية .
صحيح ان السعودية لم تعلن رغبتها في قبول الوساطة لحل الخلاف مع الجمهورية الاسلامية، لكن خطابها بعد ضربة “ارامكو” قد تغير كثيراً، وشعرت انها ستفقد آخر ساتر احتمت به، وضمنت فيه بقاء آل سعود على راس السلطة منذ عقود طويلة، وهو ((النفط)).
الايرانيون من جهتهم فقد ارسلوا رسائل عديدة، تؤكد حرصهم على حماية امن المنطقة من قبل الدول نفسها دون الحاجة الى “الحماية الدولية” والتدخلات الاجنبية، ولم يستثنوا “السعودية”من الدعوة ، كما تركوا الباب مفتوحاً لاي حوار وتفاهمات مع المملكة بما يصب بالمصلحة العامة للبلدين والمنطقة، في ذات الوقت فان خطاب الحوثيين ودعوتهم لـ(التحالف العربي) بان وقف الهجمات مرهون بوقف حملات الابادة والقصف التي تبناها التحالف منذ خمسة اعوام .. فيما كانت دعوة “التهدئة” التي وجهها السيد حسن نصر الله الى الرياض لاغلاق الملف اليمني دون “تصعيد” في خطابه ضدهم يساعد ايضاً في انجاح الوساطة..
السعودية سوف تحاول ان تؤكد على “ملف اليمن” وتبحث عن ضامن في عدم قصف مواقعها الاقتصادية، دون مناقشة الملفات الاخرى، وهي “ملفات” مرتبطة مع بعضها، تبدأ من امن الخليج والبحر العربي الى حرب اليمن الى صفقة القرن، الى التآمر على المنطقة ودعم الارهاب من قبل السعودية الى دعم امريكا في حصارها على ايران.
يبدو ان هنالك “طبخة “قد اعدت لقبول الوساطة العراقية، حيث اوصلت السعودية رسائل عديدة الى جهات خارجية واقليمية لحث العراق الى القيام بدوره في “الوساطة” كما ان مقال رئيس الجمهورية برهم صالح في صحيفة “وول ستريت جورنال” الامريكية على هامش زيارته الى نيويورك للمشاركة في اعمال الجمعية العامة للامم المتحدة، كان قد دعا فيه لحل الازمة بين الدولتين الجارتين للعراق ، وعقد قمة في بغداد بين ولي العهد السعودي والرئيس روحاني. وكذلك فان اوساطا تحدثت عن مناقشة موضوع الخلاف بين السعودية وايران في اللقاء الثلاثي الذي جمع السيد برهم صالح مع الرئيس المصري والاردني . في الجانب الاخر فان وفدا عراقيا سيذهب الى طهران لمناقشة قبول المصالحة مع السعودية بعد عودة عبد المهدي من المملكة وما هي التي الحصيلة التي عاد بها !
نعتقد ان دعوة “الوساطة” بين ايران والسعودية سوف تكون في حدود “الخلاف بين البلدين” دون اقحام الملف الامريكي كمرحلة اولى، ونعتقد ان الاوراق بيد العراق كثيرة ومؤثرة ومقبولة لدى جميع الاطراف اذا ما احسن استخدامها ، ووفر ارضية جيدة لذلك، وهنا يلزم الخروج من “التهدئة العامة” للملفات الساخنة الى الولوج للحل الشامل، وهي رسالة جيدة للعالم باهمية العراق ودوره الاقليمي والعالمي، ناهيك ان في ذلك ابعاد خطر التوترات والنزاعات واقامة افضل العلاقات مع جميع الدول المجاورة.