في خضم التصاعد المريع والخطير لموجة الاحتجاج الشعبي المناهضة لتفشي الفساد والمحاصصة والنهب المتواصل لموارد وامكانيات الدولة العراقية، وفي ذروة الغضب الجماهيري العارم الذي ينذر بثورة وشيكة على الفساد برمته، استغلت كتل سياسية وشخصيات نافذة هذه الاجواء الصاخبة والمعفرة بدماء شهداء وجرحى حراك تشرين الذي قاده شباب العراق، لتمرير اكبر صفقة تقاسم وبيع مناصب المدراء العامين في الوزارات والهيئات الحكومية حيث اصدرت الامانة العامة في مجلس الوزراء امراً باعفاء ٦١ مديراً عاماً من مناصبهم تمهيداً لتسمية ٦١ شخصية حزبية ونفعية متسلقة بدلاً عنهم، بعد ورود معلومات مؤكدة من مصادر رفيعة، عن قيام اللجنة التي عينها عادل عبد المهدي، والتي يديرها من خلف الستار، وأحياناً أمام الستار، مدير مكتبه الشخصي (أبو جهاد الهاشمي)، إضافة الى ذراعه اليمنى جمال الأسدي وآخرين ليسوا بعيداً عن مواقع الأخ وإبن الأخت والأقارب من (حبال المضيف) التابعة لهذين الشخصين، وذلك من أجل إشغال المناصب الرفيعة في الوزارات العراقية وتوزيعها على الكتل السياسية، وحصول عمليات بيع ومساومة شنيعة، ومبتذلة، لم يحدث مثلها حتى في مزادات سوق هرج ! سواء من قبل اللجنة ومن يديرها، أو من قبل الهيئات الإقتصادية والسياسية في هذه الكتل، ومنح هذه المناصب العليا الى بعض الشخصيات الراغبة بتولي هذه المناصب، وللأسف فقد كان من بينهم رئيس البرلمان ذاته محمد الحلبوسي، الذي تفيد المعلومات بأنه حصل بموجب هذا الاتفاق على منصب مدير عام شركة توزيع المتتجات النفطية التي اسندت في الظاهر لسنة تحالف البناء، فيما هي في الواقع حصة الحلبوسي الذي اشترط تمرير وكيل وزير النفط حامد الزوبعي مقابل منحه هذه الشركة المهمة، ورشح لها سامر حسن عباس و محمد غيدان مقابل تعهدهما بدفع مبلغ ١٥ مليون دولار تستحصل لحسابه على شكل دفعات عن طريق مشاريع تنفذ في الشركة، فيما تؤكد المصادر حصول تحالف سائرون على شركة نفط البصرة واسنادها لمرشحهم احمد خزعل مقابل تعهده بدفع ١٠ مليون دولار وتسهيل عمل شركة الفيصل للمقاولات التابعة للتيار الصدري على جميع الحقول النفطية لتكون الشركة الثانوية الرئيسة التي تنفذ هذه المشاريع لصالح تلك الشركة. وبحسب مصادر مطلعة، فأن (سائرون الى الإصلاح) حصل ايضا على منصب مدير عام شركة تسويق النفط، وهو احد الأثمان التي يريد قبضها التيار الصدري مقابل دعم عادل عبد المهدي وإسناده بوجه الاحتجاجات الشعبية الأخيرة التي دعمها الصدر ظاهراً، ووقف ضدها باطناً عبر دعم وإسناد كرسي عبد المهدي، وقد رشح (سائرون) لمنصب مدير عام شركة سومو التي – تبيض ذهباً لمن يديرها – شخصاً اسمه جمال عزيز، وجمال هذا متهم بملف فساد كبير موثق لدى مكتب المفتش العام ابان عمله في شركة نفط الوسط، ومعاقب بسببه ايضاً. واستغربت المصادر من قيام هذه الجهات والشخصيات بعقد هذه الصفقات الكبيرة في وقت لا تزال دماء شهداء التظاهرات الأخيرة طرية والتي اريقت كما يبدو ليتسيد الهاشمي وغيره هذا الملف، ويستغلوا حالة الحماسة المنادية باسقاط الفساد ورموزه، لينقضوا على المناصب ويعرضوها في بورصة المحاصصة والصفقات، مما يعني ان هذه الكتل والشخصيات لا ترعوي مما يحدث ولن تتوقف عن نهجها الخاطئ الذي قاد العراق لويلات ودمار ودماء، فهل سيسمح الشرفاء والنزهاء في الحكومة والبرلمان بمثل هذه الكوارث الجديدة، وهل سيقبل المنتفضون الشباب ببيع دماء اشقائهم شهداء الحراك الوطني الأصيل، والمصيبة أن أغلب قائمة الواحد والستين مديراً مبعداً لا يستحقون هذا الإبعاد والإعفاء، فثمة الكثير فيهم من يتمتع برصيد محترم من السمعة الطيبة والنزاهة والكفاءة ايضاً، ونظن ان سبب إعفائهم جاء من قبل وزرائهم لأسباب خاصة ليس لها علاقة بالنزاهة أو الكفاءة والبعض الآخر أعفته اللجنة لأنه (لم يدفع) ثمن التثبيت والتأصيل، أو لعدم قبولهم بتمرير مشاريع وصفقات تعود فائدتها للوزير أو الكتلة، أو أحد أعضاء لجنة أبو جهاد ! فإلئ متى تبقى الأمور على حالها، بل وأسوء من حالها ؟ سؤال ستجيب عليه الايام القليلة القادمة مع ترقب صدور هذه التعيينات الجديدة