التظاهرات في العراق وجهتا نظر

    الكاتب: حميد مسلم الطرفي

    منذ اندلاع التظاهرات في بداية هذا الشهر والكثير منا ينوء بمواجعه عما أسفرت عنه هذه التظاهرات بسقوط عشرات الشهداء ومئات الجرحى من المدنيين وقوات الأمن ، بعدها التهبت القنوات الفضائية ومواقع التواصل بالتنديد والاستنكار حينا وبالتحضير لمظاهرات جديدة حينا آخر  ، ولعل الكثير منا أيضا حدث نفسه  مرارا أن يلتزم الصمت مبررا ذلك بكون ما يحصل فتنة عمياء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ، وأفضل ما في الفتن أن تكون( كابن اللبوة لاظهر فيركب ولا ثدي فيحلب )، ولعل  ( الوقوف على التل أسلم ) أو أن العافية عشرة تسعة منها بالصمت ، لكني اعتبر كل ذلك لا يعفي كل وطني غيور لديه شعور بالمسؤولية من أن يتقصى الحقيقة ويبحث عن الحق ما استطاع الى ذلك سبيلا لكي يتخذ موقفه ، فالحياة مواقف . في الساحة العراقية اليوم وجهتا نظر للوطنيين الشرفاء الذين دفعوا دماءً غزيرة وتضحيات كبيرة من اجل هذا الوطن المعطاء ،  الأولى تدعو للتظاهرات القادمة مهما كانت النتائج وتبرر ذلك بما يلي :

    أولا: إن الفساد الموجود اليوم لا يمكن إصلاحه إلا بثورة عاصفة تقضي على النظام الحالي وتاتي بنظام جديد ودستور جديد وطبقة سياسية جديدة لأن الخلل بنيوي والمنظومة فاسدة .

    ثانيا: إن الثورات الكبيرة تستلزم تضحيات كبيرة وان الشعوب تصنع المعجزات وان التدخلات الدولية رهن بوعي الشعب وقدرته على المحافظة على استقلاله ووعي العراقيين جيد وان شروط الثورة قد اكتملت وليس هناك من يقف بوجهها مهما اوتي من قوة .

    ثالثا: ان حصول عنف هنا أو هناك لا يأخذ البلاد الى الحرب الاهلية بل سيزعزع النظام القائم ويقوض سلطته وهو مطلوب في الثورات الكبيرة لأن التظاهرات السلمية والمجردة تماما من اي عنف لا تصل بنا الى نتيجة وقد جربناها عدة مرات فلم تحقق شيء .

    رابعا: ليس لدى الشعب العراقي ما يخسره فالامور وصلت الى حافة المجاعة واغلب الشعب تحت مستوى خط الفقر وحيتان الفساد ابتلعت 400 مليار دولار وفي رأي البعض 700 مليار دولار وكيفما تكون النتائج فهي افضل من الوضع الحالي فلا داعي لان يخوفنا احد بغرق السفينة فهي غارفة ( والمبلل ما يخاف من المطر ) تلك وجهة النظر المؤيدة للتظاهرات . أما الاخرى فتحذر منها بشدة وتسوق الحجج التالية :

    أولا: إن منطقة الشرق الاوسط سائرة باتجاه الفوضى  وقد صرحت الخارجية الامريكيةمنذ وقت  بانها تريد زراعة الفوضى  ( غير الخلاقة) في المنطقة وقد حصل هذا في سوريا وكانت البداية  تظاهرات جرت الى حرب اهلية احرقت الاخضر واليابس وفي اليمن وفي ليبيا وكادت ان تكون في مصر كذلك ، فالتظاهرات اليوم غالبا ما يتسلل لها العنف وان حصل ذلك فهو مقدمة لجر البلاد الى الفوضى والاقتتال الداخلي .

    ثانيا : ان تغيير الانظمة خيار دولي يرتبط بمعادلات دولية وحسابات اقليمية دقيقة وغامضة وسرية تنطلي على الشعوب المقهورة وتعتمد على تقاسم نفوذ   الفاعلين الدوليين والاقليميين ( سايكس – بيكو مثالا) وخيارات الشعوب آخر ما تؤخذ فالعراق في 1991 خرجت فيه اربعة عشر محافظة عن سيطرة الدولة لكن النظام لم يسقط وحصل ما حصل من مجازر ، ولم يبق للنظام السوري غير عدة محافظات في الساحل ودمشق لكن النظام لم يسقط وها قد قد مرت ثمانية أعوام والحرب مستمرة والنظام باق . وعلى فرض ان هناك رغبة امريكية في تغيير النظام في  العراق فإن ايران وروسيا ومن يؤمن بنهجهما وهم كثير في العراق لا يسمحون بذلك ولو ابيد نصف العراقيين فلنقرأ الأمور بعناية خاصةً وان السلاح في العراق بات في معظمه بيد الموالين لمحور المقاومة وفصائلها .

    ثالثا : إن قواعد العقل والمنطق تقول يجب تقديم  الأهم على المهم وتفضيل الفاسد على الأفسد والقبول بما هو شر إذا كان البديل أشر ، وجريا على هذه القاعدة فالمظاهرات التي تؤدي الى الفوضى أو تؤدي الى حرق مؤسسات الدولة أو تؤدي الى انعدام الامن او انخفاضه فإنها تخلق واقعا أفسد مما نعيشه حاليا لذا يجب اجتنابها وعدم المشاركة فيها حفاظا على ما تبقى من نظام وهيبة دولة ( فسلطان غشوم ولا فتنة تدوم ) .

    رابعا : في الانقلابات  التي اطاحت بالنظم البرلمانية (الفاسدة) بعد الحرب العالمية الثانية كانت قد دبرتها تنظيمات سرية للضباط الاحرار فكان انقلاب 1952 في مصر و1958 في العراق و1961 في ليبيا ونقلت البلاد من من نظم برلمانية تعددية الى نظم ديكتاتورية ولكنها انتقلت بسلاسة واستطاعت حفظ النظام العام والاستقرار لرغبة دولية ، وواهم من يقارن هذا الظرف بذاك ومع ذلك فهل من يحرك هذه التظاهرات تنظيم سري عسكري أم مدني ولماذا عدم الافصاح عن هذا التنظيم في ظل دولة تؤمن بالتعددية حتى وصل الحد أكثر من 300 قائمة دخلت الانتخابات العامة ، إن السير وراء تظاهرات لا قائد لها ولا تنظيم هو سير للمجهول .

    خامسا: إن هذا النظام ورغم كل العيوب التي فيه فإن لديه من الانجازات ما يبعث على الأمل في تلافي عيوبه في المستقبل فالنظام السياسي جاء اثر احتلال وليس ثورة واحاطت به تداعيات وظروف معقدة اذ لم تنسحب القوات الامريكية   رسميا الا في 31/12/2011 ومع ذلك فهو يسخر 70% من ميزانيته كل عام للموازنة  التشغيلية التي تعني في 95% منها رواتب وأجور  حيث تتكفل الحكومة برواتب أربعة ملايين موظف وهي تعلم ان ذلك يرهق الموازنة الاستثمارية الا انها ارادت تعويض الحرمان الذي لحق بالعراقيين نتيجة الحصار (1991-2003) ولا احد ينكر البحبوحة الاقتصادية التي تنعم بها طبقة متوسطة في العراق اليوم من ملايين الموظفين والكسبة والأعمال الحرة وهناك مئات الالوف ممن بنوا دوراً واقتنوا سيارات وفتحوا مشاريع صغيرة . ما يحتاجه العراق أيدي أمينة لتوزيع الثروة وتنحية ومحاسبة الفاسدين وقد تكون ( جرة الإذن ) هذه كافية والرسالة وصلت والحكومة قد تنفذ ما وعدت به  ولا بد من اعطائها فرصة ، أما اذا لم تفعل  فدوننا الانتخابات ففيها   نستطيع ذلك ، فان لم ينفع فلنشكل حركة أو تنظيم أو تيار معلوم مستغلين بحبوحة الحرية ولنغير كما غيرت نقابات العمال ( التضامن 1981-1989) في بولندا ايام الحكم السوفيتي أو حركة السيد الخميني في ايران عام 1979.

    سادسا: إن دعوى ان العراقيين ليس لديهم ما يخسرونه وان هناك 400 مليار او 700 مليار دولار اهدرت ولم يتحقق للعراقيين شيء وان كل مسؤول في هذه الدولة فاسد وان العراق على حافة المجاعة وان 50% من الشعب عاطلون عن العمل و50% تحت خط الفقر وفيه مليون ارملة ومليون مطلقة و20% من شبابه باتوا مدمنين على المخدرات وتسلسله الثاني في الفساد عالميا حسب منظمة الشفافية العالمية وبغداد ثالث اقذر عاصمة في العالم وغير ذلك كثير من الاحصاءات، هي نوع من الدعاية المظللة التي انطلت على الكثير منا وللأسف حتى اوصلتنا الى قناعة ان ليس لدينا ما نخسره فالامور ليست بهذه السوداوية ، نعم هناك خلل ، نعم هناك فساد ولكن لا يحق لنا ان ننتحر .

    تلك وجهتا النظر وعلى كل لبيب أن يختار في أي وجهة يذهب .

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة