في زمن حكومة الدكتور أياد علاوي صدر قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005 .. وهذا القانون الذي صدر بأمر من مجلس الوزراء قد استند على قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية .. أي أنّ هذا القانون هو قانون مؤقت لحين كتابة الدستور وتشريع قانون المحكمة الاتحادية العليا .. وحينها لم يجري في خلد أحد أنّ مجلس النواب العراقي بجميع دوراته سيعجزعن تشريع قانون المحكمة الاتحادية العليا , وأنّ هذا القانون المؤقت سيستمر العمل به سبعة عشر عاما .. وعندما كان رئيس مجلس القضاء الأعلى هو نفسه رئيس المحكمة الاتحادية العليا لم تكن هنالك مشكلة في العمل بهذا القانون انطلاقا من المثل الشعبي ( منه بيه بارك الله بيه ) , حتى إصدار المحكمة الاتحادية العليا قرارها المرّقم 38 / 2019 في 21 / 05 / 2019 الذي قضى بإلغاء المادة 3 من قانون المحكمة الاتحادية رقم 30 لسنة 2005 , وهو النص الوحيد النافذ في حينه ، والذي كان معمولا به منذ سنة 2005 ولغاية 21 / 05 / 2019 , حيث أدّى إلغاء هذا النص الوحيد إلى تعطيل عمل المحكمة الاتحادية في القيام بواجباتها الدستورية وإدخال البلد في الفراغ الدستوري .. فإذا كانت المحكمة الاتحادية العليا هي هيئة قضائية بموجب المادة 92 من الدستور العراقي , فلماذا ترفض هذه المحكمة مهمة ترشيح قضاتها من قبل مجلس القضاء الأعلى والتي هي من اختصاصات المجلس الحصرية ؟ وبالمقابل ما هو دور مجلس النواب العراقي الذي يناقش الآن مشروع تعديل القانون رقم 30 لسنة 2005 ؟ فهل سينحني نواب الشعب لضغوطات رئيس المحكمة بمخالفة الدستور العراقي وإعطاء المحكمة الاتحادية العليا حقا ليس من صلاحياتها ؟ أم أنّ مجلس النواب العراقي سيقوم بواجباته الدستورية كما رسمها الدستور وبعيدا عن عالم الصفقات السياسية ؟ ..
النص الشاذ الذي يثير الاستغراب والعجب في القانون رقم 30 لسنة 2005 , هو النص الذي جاء في الفقرة ثالثا من المادة السادسة من هذا القانون الذي نصّه ( يستمر رئيس واعضاء المحكمة الاتحادية العليا بالخدمة دون تحديد حد أعلى للعمر الا اذا رغب بترك الخدمة ) والذي كتبه رئيس المحكمة الاتحادية مدحت المحمود بنفسه.. وأجزم أنّ العراق هو البلد الوحيد في العالم الذي انفرد ببقاء قضاة المحكمة الاتحادية العليا في مناصبهم مدى الحياة حتى وفاتهم دون تحديد حد أعلى للعمر .. دولتان في العالم فقط حددتا سن التقاعد لقضاة المحكمة الاتحادية العليا ب 75 وهما كندا والبرازيل ، في حين حددت بقية الدول ذلك بين 65 إلى 70 سنة ، ففي فرنسا مثلا 65 سنة وفي المانيا 68 سنة وفي المملكة المتحدة 70 سنة ، وكانت تركيا وهي من الدول الإقليمية قد حددت سن التقاعد لقضاة المحكمة الاتحادية ب 65 سنة .. ما بالنسبة لسن تقاعد القضاة في المحاكم الاتحادية أو الدستورية في الدول العربية فإنه لم يتجاوز 70 سنة اذ يتراوح بين 65 إلى 70 سنة ففي اليمن مثلا هو 65 سنة وفي مصر والسعودية 70 سنة في حين حددت دول أخرى الخدمة في تلك المحكمة لمدة معينة لم تتجاوز 9 سنوات في أي منها فمثلا في لبنان والأردن والجزائر 6 سنوات وفي البحرين وتونس والمغرب 9 سنوات , فمن خلال هذا الاستعراض لسن تقاعد القضاة في المحاكم الاتحادية والدستورية في مختلف دول العالم , يتبيّن لنا أنّ الذي حشر هذا النص الشاذ في القانون رقم 30 لسنة 2005 , كان يهدف إلى بقاءه في منصبه مهيمنا على القضاء العراقي والمحكمة الاتحادية العليا مدى الحياة , حتى وإن بلغ أرذل العمر هو وزملائه أعضاء المحكمة الآخرين .. أي أن هذا النص قد أجاز لرئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا في العراق البقاء في الخدمة مدى الحياة بغض النظر عن قدرة أي منهم على أداء عمله دون الحاجة إلى إثبات مقدرته الصحية من الناحيتين الجسمية و الذهنية ، وأنّ الشرط الوحيد للاستمرار في الخدمة هو رغبتهم في البقاء .. ولا بدّ لنا في هذا الوقت أن نذكرّ أعضاء مجلس النواب العراقي وهم مقبلون على تعديل القانون رقم 30 لسنة 2005 بقوله تعالى ( والله خلقكم ثم يتوّفاكم ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير ) .. صدق الله العلي العظيم .