تحقيق للغارديان يكشف عن “فريق سري إسرائيلي” يتلاعب بالديمقراطيات العربية وبــ “تشرين” العراق

    في سابقة هي الأولى من نوعها ، اتضح إن نظريات المؤامرة التي تتحدث عن وجود “ايادي خفية” تتلاعب بالشؤون الداخلية لبلدان الشرق الأوسط على مستوى شعبي ، كانت حقيقية، بعد كشف صحيفة الغارديان البريطانية أخيرا ومن خلال تحقيق معمق، عن هوية تلك الجهة الغامضة التي قالت انها “تلاعبت” بالراي العام والموقف السياسي وحتى الانتخابات، لبلدان عديدة كان من بينها العراق، لمدة تزيد عن العشرين عاماً. ما كان حتى وقت قريب يعرف بانه “اشاعات” ثبت من خلال التحقيق البريطاني في صحيفة الغارديان ، أن تلك الجهة موجودة على أرض الواقع، وتعمل من خلال شبكة معقدة من التقنيات الالكترونية، ليس فقط على قيادة الراي العام، بل حتى في أسواق الأسهم والشركات من خلال “تسليح” المواقع الالكترونية، مواقع التواصل الاجتماعي، والتقنيات الحديثة، لنشر “اشاعات مخططة” تستهدف بلدان المنطقة، نحو اتخاذ سلوكيات تصب بمصلحة الجهات التي قالت الصحيفة انها تمول “تلك اليد الخفية” ولمصالح لم تقتصر على السياسية فقط، بل الاقتصاد أيضا. هذه اليد الخفية، عرفها التحقيق على انها فريق إسرائيلي يعمل كشركة خاصة تتعامل مع الدول والمؤسسات التي ترغب باستئجار خدماتها والتي تتضمن “الاختراق، التلاعب بالراي العام، خلق الخطاب المعادي، التحريض السياسي، التلاعب بالانتخابات، نشر الاشاعات لتحقيق الخطط والاهداف المسبوقة، بالإضافة الى التحكم بقاعدة بيانات العديد من الدول والمؤسسات الرسمية، التي تمكنت من اختراقها على مدى العشرين عاما الماضية”. فريق جورج.. او هو الاسم الذي يطلق على المجموعة من قبل مؤسسها، والتي تعرف نفسها على انها “شركة خاصة” تقوم بالتعامل بالبيانات الرقمية وتقدم خدمات متنوعة من بينها “البوتات” او الحسابات الالية التي تستخدم لنشر المضامين المحددة مسبقا عبر تلك البوتات الالكترونية التي تلقبها الشركة بــ “نظام ايمز”، والتي قالت الصحيفة انها احد الأنظمة الأهم التي تستخدمها “الشركة” للتاثير بالراي العام وخصوصا في بلدان الشرق الأوسط.   فريق جورج.. عشرين عاما من “نشر الاشاعات” تحقيق الصحيفة، قاد الى الكشف الكامل عن هوية مؤسس الفريق، وهو رجل الاعمال الإسرائيلي الذي عرف على انه تل هنان ذو الخمسين عاما، والذي كان يعمل ضمن القوات الخاصة الإسرائيلية، قبل ان يستقيل ويستغل علاقاته بالموساد الإسرائيلي، لتجنيد بعض الشباب القادرين على استخدام الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل جيد، لتاسيس “شركته”، التي وصفتها الغارديان انها “فريق يمارس عمليات سوداء” في إشارة الى العمليات الاستخباراتية السلبية والممنوعة قانونيا. هنان وخلال تواصل الصحيفة معه، انكر “ارتكاب أي اعمال غير قانونية او سيئة” بحسب وصفه، مكتفيا بالإشارة الى الخدمات والمهام التي يقدمها “فريقه” الذي بات يعرف بين الأوساط الاستخباراتية والشركات الخاصة، بانه “فريق جورج”، كما تبجح امام الصحيفة، بتدخل فريقه في “تلاعب وتزوير ثلاث وثلاثين عملية انتخابية، من بينها، انتخابات الولايات المتحدة الامريكية عبر التعاون مع شركة كامبريدج اناليتيكا في الفضيحة التي شملتها مع شركة ميتا المسؤولة عن فيسبوك والتي كشف عنها قبل سنوات”. التحقيق بين، ان فريق جورج، يمارس عمله “المشبوه” منذ ما يقارب العشرين عاما، وتورط في عدة ملفات وقعت أهمها في العراق، لبنان، الجزائر، الولايات المتحدة، وبلدان أخرى، تمكن خلالها من تحقيق “طلبات” وصلت الى فريقه من جهات وصفها بــ “المنتفعة” من تغيير الأوضاع السياسية او الاقتصادية في بعض تلك الدول.   الفريق نجح بــ “تسليح” المعلومات مستخدما أدوات الانترنت وفي اطار الكشف عن طبيعة عمل الفريق، بينت الصحيفة، انهم نجحوا بتطوير برنامج يعرف باسم “ايمز”، يستخدم من خلال وضع كلمات مفتاحية لقضية او محور معين، ترغب الجهة المنتفعة بتفعيله كهاشتاك او قضية راي عام في أي بلد مستهدف، حيث يعمل البرنامج على استخدام الالاف من الحسابات الوهمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي في البلد، لنشر الهاشتاك او القضية، او المعلومات المغلوطة التي يستخدمها الفريق ضمن عمله لاستهداف جهة او منظمة او حكومة داخل البلد حيث تجري العملية. جيش “البوتات” الذي يستخدمه تطبيق الشركة، عمل سابقا في مناطق واسعة داخل افريقيا، جنوب ووسط أمريكا، الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا، بالإضافة الى الشرق الأوسط، ونجح عبر السنوات الماضية، بالتاثير على وقيادة الراي العام، بالإضافة الى التلاعب بالانتخابات السياسية وتوجيه الحركات السياسية الداخلية عبر الاشاعات المدروسة التي يقوم الفريق بنشرها عبر التطبيق المشبوه. الصحيفة بينت، ان ثلاث صحفيين متخفين، قاموا بالتواصل مع هنان بصفة زبائن محتملين، حيث تحدث لمدة ثلاث ساعات امامهم عن كيفية عمل فريقه، مؤكدا قدرته على “جمع البيانات العامة والسرية على المنافسين، سياسيين كانوا ام شركات خاصة، بالإضافة الى اختراق المواقع والمراسلات الرسمية للدول والتلاعب بمضامينها، وحتى فتح مواقع إخبارية الكترونية رسمية لنشر الاشاعات المدروسة للاهداف التي يرغب فريقه بتمريرها، او اختراق مواقع إخبارية رسمية ونشر مضامينها عبره”. استراتيجية الفريق بحسب الصحيفة، تتمحور حول جمع البيانات عن الهدف، اختراق المواقع الرسمية، تعطيل وتخريب المراسلات الداخلية والتلاعب بالخطابات الحكومية، تخريب وتعطيل المواقع الالكترونية والحملات الانتخابية للمنافسين في حال كانوا ضمن عملية انتخابية، بالإضافة الى زرع مضامين مزيفة ضمن الاخبار الصادرة حتى عن مؤسسات رسمية، يقوم جيش الحسابات المزيفة عبر تطبيق ايمز بنشرها لاحقا على نطاق واسع، لاستهداف الجهة او المؤسسة او حتى الحكومات، التي يرغب الفريق باستهدافها”. من استراتيجيات الفريق أيضا “زراعة المعلومات الخاطئة والتلاعب بالمراسلات الرسمية، التي يستغلها الفريق لاحقا عبر جيشه الواسع من الحسابات الوهمية من خلال تطبيق ايمز، لنشرها وتحويلها الى قضية راي عام، بالإضافة الى استغلال القضايا العامة وتوجيه الراي العام خلالها الى اتجاه معين يختاره الفريق بما وصفه هنان اثناء المقابلة التي تم خداعها خلاله للحديث عن انشطته بانها صناعة الخطاب، بدلا من استغلاله او توجيهه فقط”.   تدق “جرس الإنذار” للديمقراطيات حول العالم.. الفريق يتلاعب بسياسات الدول الصحيفة وصفت استراتيجيات الفريق وادواته بانها “جرس انذار” للديمقراطيات حول العالم، مؤكدة “اثبت فريق جورج للعمليات المشبوهة، ان التحكم بالديمقراطيات السياسية حول العالم بات ممكنا على يد فرق صغيرة تملك الأدوات لذلك، حيث يمثل ذلك تحديات كبيرة للجهات المسؤولة عن مكافحة العوامل الشائنة مثل فريق جورج، والذي ينشر المعلومات المغلوطة والاشاعات المدروسة بالإضافة الى خرق امن المواقع الالكترونية الكبرى لشركات التواصل الاجتماعي”. وتابعت “ما يفعله جورج وفريقه المشبوه هو دليل على ان سوق المعلومات المغلوطة والاشاعات المدرسة بات نشطا بشكل كبير عبر العالم وخصوصا في فترات الانتخابات او الازمات السياسية المحلية حول العالم”، مؤكدة، ان وجود الفريق واستمراره بممارسة عمله بات يمثل “حرجا كبيرا للحكومة الإسرائيلية، التي تواجه انتقادات لاذعة من المجتمع الدولي على أنشطتها المشبوهة أيضا في سوق الحرب الرقمية، وتصديرها لأسلحة رقمية تقوض من الديمقراطية وحقوق الانسان”، في إشارة الى تطبيقات بيغاسوس الإسرائيلية ومثيلاتها التي انتشرت مؤخرا على يد إسرائيل. نجاح الفريق في انشطته المشبوهة كشف أيضا عن وجود “تلاعب كبير” في العمليات الديمقراطية حول العالم وخصوصا بالنظر الى الدول التي نجح الفريق باختراق عملياتها السياسية والتاثير على صناعة القرار والراي العام داخلها من خلال انشطته وادواته، مشيرة الى وجود ارتباط “وثيق” بين أنشطة الفريق المخالف للقانون والحكومة الإسرائيلية.   مرتبط بوزارة الدفاع الإسرائيلية.. هذا ما قام به الفريق المشبوه في العراق التحقيق قاد أيضا الى معطيات قالت الصحيفة انها تمثل خطرا على ديمقراطيات العالم من جانب اكبر، وهو الجانب السياسي، مبينة ان نشاط الفريق المشبوه الخاص وتعامله مع الجهات الخاصة هو امر، لكن ارتباطه بالحكومة الإسرائيلية يمثل “امرا اخطر” يشير الى تورط الحكومة الإسرائيلية ذاتها بالتلاعب بالديمقراطيات حول العالم. المعلومات التي حصلت عليها وكشفتها الصحيفة، بينت ارتباطا وثيقا لديه عبر شركة إسرائيلية باسم “ديمومان انترناشونال” تعمل من خلال وزارة الدفاع الإسرائيلية للترويج لــ “منتجات الدفاع”، والتي من بينها الخدمات التي يقدمها الفريق المشبوه من خلال وساطة الشركة المذكورة وباستخدام الموقع الرسمي لوزارة الدفاع الإسرائيلية. الوزارة بحسب الصحيفة، وبعد الاتصال بها، رفضت الإجابة على الأسئلة او اصدار أي تصريح حول تورطها مع فريق جورج، اما فيما يتعلق بــ “تكلفة ايجار خدمات الفريق” فقد بينت الصحيفة، ان جورج وفريقه يتقاضون من ست الى خمسة عشر مليون يورو مقابل التلاعب بالانتخابات او توجيه الراي العام، بالإضافة الى حزمات أخرى تتضمن “التحريض، نشر الكراهية، تعميق الخلافات السياسة المحلية، التسبب بنزاعات محلية” وغيرها. اما بخصوص عمل الفريق في الشرق الأوسط، فقد كشف التحقيق ان جورج وفريقه يتحكم بما يزيد عن ثلاثين الف حساب يملك العديد منها خلفية نشر تعود الى عشرة سنوات وبعضها لشخصيات أصبحت معروفة في مجتمعاتها، بالإضافة الى قدرته على “خلق الالاف من الحسابات بخلفيات تعود لسنوات خلال ثواني فقط عبر التطبيق” كان من بينها حسابات وانشطة، نفذها الفريق في العراق واستهدفت الازمة السياسية التي وقعت عام 2019 وتظاهرات تشرين.   قام بنشر مضامين وارسال رسائل عبر حسابات الافراد المستهدفين هذا التطبيق بحسب التحقيق، استخدم في العراق عام 2019، بحسب تحقيق اخر عن الفريق نشرته قناة الدي دبليو الألمانية والفاينشنال اكسبرس، التي قالت ان “جهات غير معروفة” استخدمت الفريق لنشر مضامين عن التظاهرات التي وقعت في العراق عام 2019، وحاولت عبرها قيادة الراي العام السياسي في تلك الفترة لاهداف لم تحددها، مشيرة الى ان من بين الطرق التي استخدمها الفريق، انشاء الالاف من الحسابات الوهمية لعراقيين بهدف نشر هاشتاكات معينة، وصناعة محتوى محدد من قبل الجهة المجهولة المتعاقدة مع الفريق، واستهدفت في تلك الفترة تظاهرات تشرين من جانب، والسلطات العراقية والأحزاب السياسية من جانب اخر. الفريق بحسب التحقيق، كان قادرا على “اختراق” حسابات عراقية لمسؤولين وناشطين سياسيين على جانبي الصراع السياسي في البلاد، وارسال رسائل خاصة او نشر مضامين عامة عبر حساباتهم، مؤكدا خلال المقابلة التي كشفته دون عمله انه “لا يخترق فقط، بل يزرع معلومات بما يعجبه على أي حساب وفي أي موقع او تطبيق ولاي شخصية كانت، حتى على تيلغرام” الذي قال ان بعض الجهات السياسية “تظن خطا انه امن”، مظهرا لهم بعض الحسابات الرسمية لشخصيات سياسية قام باختراقها، وارسل رسائل خاصة منها الى حسابات أخرى. وفي هذا الاطار، رفضت شركة كوكل المالكة لموقع وخدمة جي ميل التي استخدمها جورج وفريقه للاختراق، التعليق على العمليات المشبوهة التي يقوم بها الفريق عبر منصتهم ومواقعهم الالكترونية، فيما ردت شركة تيلغرام على الصحيفة، بانها ما تزال تبحث عن طرق لمعالجة هذه الاختراقات والضعف الأمني في بناء تطبيقات التواصل بشكل عام.

    اقرأ المزيد على الرابط : https://almutalee.com/n55002

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة