تواصل القوات الامنية حملة واسعة، أطلقتها الأسبوع الماضي، لمكافحة التسول في بغداد وعدد من المدن العراقية، على خلفية قرار من مجلس القضاء الأعلى، الذي أعلن في بيان رسمي أن هذه الظاهرة باتت تشكل “خطراً على أمن المجتمع”.
نشطاء ومراقبون قللوا من جدوى هذه الحملة واعتبروها “رد فعلٍ مؤقتاً” لن ينهي ظاهرة التسول، فيما انتقدها آخرون معتبرين أنها ستساهم في زيادة المشاكل الاقتصادية للفقراء.
مسؤول أمني في وزارة الداخلية العراقية، فضّل عدم الكشف عن اسمه، أكد أن “الحملة الحالية هي الأكبر”، مشيرا إلى أن “الأسباب التي دعت مجلس القضاء الأعلى إلى التدخل هذه المرة تتمثل في تصاعد الجريمة المنظمة، منها انتشار العصابات المنظمة التي ترعى المتسولين، وتجارة المخدرات، وجرائم القتل والاغتصاب والخطف”، مؤكداً أن “التسول بات يمثل حالة خطيرة على المجتمع، لذلك، فإن التوجه الحكومي الحالي يقضي بمكافحة الظاهرة”.
وأوضح المسؤول ذاته أن “مئات المتسولين أُلقي القبض عليهم، منهم متورطون في عصابات نافذة في مجال التسول، ويتنقلون بين المحافظات باستمرار، إضافة إلى أن نسبة منهم ممن يتعاطون المخدرات، وتحديداً مادة الكريستال، ويبدو أن الإدمان على هذه المادة هو سلوك معتاد لدى المتحكمين بهذه العصابات، لأنها تجعلهم يقضون أوقاتاً طويلة في الشوارع، من دون الحاجة إلى المياه والأكل”، مشيراً إلى وجود متسولين من جنسيات مختلفة.
من جهته، بيَّن الضابط في الشرطة المحلية بالعاصمة بغداد بارق الجنابي أن “عصابات التسول تستقطب القاصرين، وتقوم بتوجيههم إلى الشوارع، إضافة إلى أن هناك عائلات فقيرة تقوم بتأجير أبنائها لهذه العصابات من أجل الحصول على الأموال بطريقة شهرية، مثل الرواتب”، مبيناً لـ”العربي الجديد” أن “هناك تزايدا مستمرا في أعداد المتسولين، وخلال الأيام الماضية، شنت قواتنا حملة كبيرة لإنهاء التسول”.
ولفت الجنابي إلى أن “التحقيقات الأولية في مراكز الشرطة كشفت عن معلومات وقصص مخيفة عن الوضع الاجتماعي للمتسولين، ومنها الظواهر الأخلاقية السلبية، إضافة إلى التعاطي والمتاجرة بالمخدرات، وكذلك حالات لجرائم الاتجار بالأعضاء البشرية”.
وبخصوص آلية التعامل مع المتسولين، أوضح المتحدث أنها تكون “عبر إيداعهم أولاً في مراكز الشرطة، وتوقيفهم ثم تحويلهم إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، أو تحويلهم مباشرة إلى القضاء، وعادة ما يجرى تكفيلهم وأخذ التعهدات منهم بعدم التسول مرة أخرى، وهذا ينطبق فقط على المتسولين من غير المتعاطين أو المتورطين بالجرائم”.
وكشف عن أن “بعض الأحكام القانونية، التي تُتخذ ضد أفراد أو عصابات التسول التي تثبت إدانتها بعد إجراء التحقيقات القانونية من قبل القضاء العراقي، تصل أحياناً إلى السجن 15 عاماً كحد أدنى، أما غير العراقيين منهم فيُسّلمون إلى مديرية شؤون الإقامة ليجرى ترحيلهم”.
وتسبّبت الظروف التي يواجهها العراق في العقدين الماضيين، بعد الغزو الأميركي للبلاد، في تزايد الفقر والبطالة، الأمر الذي أدّى إلى تضاعف عدد المتسولين من الشباب والأطفال من كلا الجنسَين، فيما يُستغَلّ هؤلاء أحياناً من قبل شبكات مختصّة بالتسوّل، لا سيّما في بغداد.
من جانبه، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا إن “ظاهرة التسول بدأت تتسع وباتت مشكلة تؤرق المواطنين في الأماكن العامة والسياحية”، مضيفاً، في تصريح صحافي، أن “الحلول لهذه الظاهرة لا تتعلق بجهة واحدة، بل بعدة جهات، منها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، من خلال شمول أكبر عدد من الذين يعيشون تحت خط الفقر بالحماية الاجتماعية، وتوفير بنى تحتية لإيواء المشردين، بصفة عامة، تحتاج إلى تكاتف مجتمعي، فهناك مافيات تستغل عددا كبيرا من الأشخاص للاتجار بهم واستخدامهم في التسول”.
أما الناشطة وعضو رابطة المرأة العراقية، مريم سلمان، فأكدت أن “اعتقال الفقراء الذين أجبرتهم الحياة على التسول ليس حلاً للظاهرة”، معتبرة أن القضاء على ظاهرة التسول رهين بجملة من الإجراءات، شق منها حكومي من خلال التشديد في قضية التسرب من المدارس، إلى جانب إرساء برنامج حكومي شامل ببعد إنساني وحقوقي، لأن شريحة كبيرة من المتسولين همهم الوحيد هو البحث عن لقمة العيش، أما الشق الثاني فيتعلق بالمواطن من خلال عدم تشجيع المتسولين أو الرضوخ لابتزازهم، والتعامل في الوقت ذاته مع صناديق موثوقة وجمعيات أو منظمات إنسانية لإعطاء المستحقات لمن يحتاجها”.