دولة القانون بين الواقع والطموح ناجي الغزي/ كاتب سياسي

    *تعريف وتمهيد*
    دولة القانون هو مصطلح سياسي ذو أبعاد قانونية يشير إلى النظام السياسي الديمقراطي الذي يؤمن بالفصل بين السلطات ويستند إلى القانون كمصدر رئيسي للحكم والسيطرة على السلطة والحفاظ على حقوق المواطنين في إطار دولة المؤسسات التي تنظم اداراتها مجموعة من القوانين بطريقة مستقلة عن السلطة السياسية والشخصيات النافذة في الدولة، ويكون الجميع تحت سيادة القانون دون استثناء.
    وهذا المصطلح شكل نظرية دستورية انتشرت ملامحها في أوربا أواخر القرون الوسطى حيث بدأت في بريطانيا عام 1215 كمجموعة من القواعد والقوانين لحماية حقوق الأفراد من تعسف السلطة المطلقة.
    ثم بعد ذلك جاءت الثورة الفرنسية متأثرة بأفكار جان جاك روسو ومونتسكيو, التي نصت على ان لا توجد سلطة في فرنسا فوق القانون. بعد أن كانت الكنيسة المسيحية تحتكر السلطة المطلقة وتحكم باسم الله.
    من هناك تشكلت الدول الديمقراطية على أسس قانونية تضمن لها السلطة وتحفظ حقوق الافراد وحرياتهم العامة. ولكن هناك من يفصل بين دولة القانون كمفهوم سياسي يعبر عن طموح الافراد والجماعات المحكومين لمواجهة السلطة الحاكمة، وبين دولة القانون كمفهوم قانوني يكمن في نظرية الضوابط القانونية واللوائح والدساتير التي تستخدمها السلطة الحاكمة كشعار سياسي تمارسه لإضفاء الشرعية القانونية بمواجهة الافراد والجماعات المحكومة من قبل السلطة.
    وهذا الرأي لا ينطبق على دولة القانون، لأنها تنفي وتنتفي في سماتها المفهوم القانوني للنظم الديمقراطية. بل ينطبق على الدولة الدكتاتورية او البوليسية التي يخضع نظامها السياسي الى مفهوم الضبط الإداري واحتكار السلطات بيد الحاكم دون أي فصل أو تمييز بين عمل تلك السلطات.
    *دولة القانون في العراق (طموح معطل)*
    يتطلع المواطن العراقي المقهور بالظلم والغربة والتهميش بشغف جميل وأمل مرتقب الى عملية التغيير التي حصلت في العراق بعد سنوات الظلم والاستبداد من قبل نظام البعث الصدامي، الى ما يمنحه دستور الدولة ونظامها السياسي الديمقراطي الجديد من مكانة ورفعة وقيمة إنسانية وقانونية مرموقة للمواطن العراقي.
    على أساس قانوني وموضوعي وأخلاقي تتجاوز فيه التنظيمات السياسية والمؤسسات الاجتماعية جميع الازمات والخلافات السياسية والاجتماعية والفكرية التي مرت بها التجارب السياسية خلال نصف قرن من نظريات التصدع المعرفي والجمود الفكري والانغلاق السياسي وهذا يحتاج الى تفعيل القيم المجتمعية وترسيخ القانون.
    ومن هنا جاء شعار (دولة القانون) الذي رفعه رئيس الوزراء السابق السيد نوري المالكي كطموح سياسي يراد به ترسيخ مفهوم دولة القانون، باعتبار العراق بلد مؤهل في التحول من دولة الاستبداد والصراعات الداخلية والإقليمية والدولية الى دولة ديمقراطية يسودها القانون والحريات العامة.
    خصوصا ان العراق دخل في مرحلة البناء السياسي والقانوني بتجربة ديمقراطية ناشئة تحتاج الى دعم داخلي من قبل الأحزاب والنخب المثقفة وخارجي من قبل الدول الإقليمية المحيطة والدول الاوربية الصديقة.
    وهذا الطموح دفع المالكي الى تأسيس كتلة سياسية باسم (دولة القانون) مبتعدا فيها عن اطاره الحزبي، مؤمنا بالشعار الذي رفعه. ولكن تم تسويقه سياسيا بطريقة البضاعة منتهية الصلاحية, في نظر خصومه ومنافسيه في العملية السياسية داخل وخارج السلطة. مما دفع الجميع الى ضرب القانون والتمرد على بنود الدستور حتى من قبل السيد المالكي شخصيا والقوى السياسية داخل الدولة. ابتداء من ضرب قواعد السير الى الفساد الذي أنهك ميزانية الدولة والترهل في مؤسساتها وتحويل وزارات الدولة الى اقطاعيات عائلية وحزبية. فضلا عن ذلك لجوء اغلب الأحزاب والكتل السياسية الى الاتفاقات السياسية في كل المفاوضات دون الجنوح الى الضوابط والمعايير القانونية والدستورية التي تنظم الدولة ومؤسساتها.
    حيث شهدت ولاية المالكي الأولى والثانية تحدي سياسي وأمني رهيب داخليا وخارجيا وتشويش وتشويه اعلامي كبير للتجربة السياسية ورموزها السياسية. فكانت التحديات الأكبر على المستوى الداخلي فقد شهد الواقع العراقي صراع سياسي حاد بين جميع الأطراف السياسية والمكونات المجتمعية الطائفية والقومية من قتل وتهجير وتصدع واضح لنسيج المجتمع. وتحدي أمني كبير ضرب جميع مدن ومحافظات العراق بالأعمال الإرهابية والسيارات المفخخة والاحزمة الناسفة التي حصدت أرواح آلاف العراقيين الابرياء. وقد بلغ سيل الصراع الزبى الى سقف غير متوقع من النزاعات، حتى وصلت الاعمال الإرهابية والمؤامرات الداخلية من داخل المنظومة السياسية المخترقة من قبل الشركاء، التي كادت ان تهدد التجربة السياسية برمتها وتطيح بالنظام السياسي مبكراً.
    مما جعل (دولة القانون) شعار يسخر منه الجميع رغم التحدي والتصدي وصلابة القرار من قبل المالكي وتحمله المسؤولية بلسانه امام وسائل الاعلام من انحدار في مسار الدولة ونظامها السياسي والابتعاد عن مفهوم (دولة القانون) وتكريس السلطة بيده في وقت شهدت انسحابات كثيرة من حكومته لغرض الإطاحة به وافشال حكومته سياسيا وخدمياً.
    الا انه خاض الصراع بمفرده ضد شركاءه ومنافسيه وحتى داخل حزب الدعوة الذي شهد تفكك وتشظي. ولايزال يحمل روح المغامرة والإصرار ويراهن على ان يمضي بـ (دولة القانون) كمفهوم سياسي اكثر منه مفهوم قانوني, ويصر على السير في ممراتها الضيقة بتحدي وصراحة كبيرة.
    ولكن النظام السياسي لا يمكن تقويمه او إصلاحه بالتوافقات المذهبية والطائفية والقومية ولا يمكن تحقيق دولة القانون بالشعارات السياسية او بالتحالفات السياسية الضيقة ولا يمكن رسم ملامح تلك الدولة بمعزل عن النخبة الوطنية المثقفة والكفاءات الاكاديمية المنتجة للفكر والمعرفة.
    لان (دولة القانون) كمفهوم سياسي وقانوني جاء من اجل عقلنة الدولة وترشيد الحكم بطريقة ديمقراطية تمارس من قبل الحاكم والمحكوم باعتبارها تشكل توازن بين ضرورات السلطة من جهة وضمانات حقوق الافراد من جهة أخرى. ولا يمكن تغليب مصلحة السلطة في الدولة لكي لا تؤدي الى الاستبداد المطلق، ولا يمكن تغليب مصلحة الافراد والافراط في الحريات العامة لكي لا تؤدي الى فوضى مجتمعية.

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة