معركة النزاهة أشد ضراوة من الإرهاب   د. أحمد حبيب خبط العباسي  

     

     

    مر العراق بعد عام 2003 بمنعطفات كثيرة و متشعبة خلفت خرابا واسعا على مستويات عدة ، و دمرت العديد من البنى التحتية التي كان يجب لها اليوم أن تكون في طور التقدم على مستوى المحيط الدولي ؛

    و شمل هذا الخراب أيضا نزوحا وافدا في الطروحات الاجتماعية

    و السياسية أدى إلى تمزق واضح في النسيج الإجتماعي ؛ و بالتالي ظهور جماعات متطرفة لا تنتمي الى الواقع المجتمعي العراقي الأصيل ؛ الذي عهده القاصي و الداني ؛ عبر فضائل ابناء شعبنا و تصديهم لأي نزعات من شأنها تشويه الصورة النسيجية لتعايشهم السلمي على مدى قرون ..

    كان الفضل كبيرا لفتوى المرجعية العليا في اعلانها الجهاد الكفائي

    و تلبية هذه الفتوى بعزيمة و إصرار من كل أطياف و مكونات الشعب العراقي ، لخوض معارك مصيرية شرسة ضد الارهاب ؛ و قد تحقق النصر بدماء الشهداء و الجرحى و التضحيات العظيمة ؛ و تحرير كل مناطق الوطن المغتصبة و إعادتها الى الخارطة ؛ محققين بذلك تحديات لم يتوقعها أغلب المختصون في الشأن العسكري على المستوى العالمي ..

    إلا أن الأفق كان ملبدا بمعارك أكثر ضراوة و شراسة ضد شخوص

    و عصابات مارست و لا تزال أدوارا إجرامية أكثر فتكا من الإرهاب ؛ لأنها تمتد داخل مؤسسات الدولة بكافة مفاصلها كعقد سرطانية لا يمكن الخلاص منها الا بإستئصالها و كيِّ مخلفاتها ؛ لتكون شاهدة و حاضرة أمام أي فكرة مستقبلية لمحاولة استنزاف أموال و موارد العراق ؛ و أن المعارك التي ستخوضها هيأة النزاهة و الجهات الرقابية ستكون طويلة الأمد و تتضمن في متونها نتائج نوعية ؛ فلا يمكن القضاء على هذه الآفة بين ليلة و ضحاها ..

    إن التصدي لهذه المعركة يتطلب شجاعة حقيقية ؛ و اسناد من الرأس الهرمي للدولة بجهاتها التشريعية و التنفيذية و القضائية ؛ و وقفة جادة من أبناء شعبنا كافة لا تقل أهمية عن تلبيتهم للجهاد ضد الارهاب ؛

    و هذا بحد ذاته يضعنا أمام مسؤولية مصيرية في إسناد الدور الجبار الذي تقوده هيأة النزاهة في معركتها ضد حيتان الفساد و أذنابهم ممن نهبوا و لازالوا يسرقون بطرق احتيالية موارد و امكانيات هذا الشعب الذي ذاق الويلات ؛ و لتحقيق ذلك يجب أن تكون للجميع وقفة حقيقية في محاربة آفات الفساد الاداري و المالي و مساعدة هيأة النزاهة في الوصول الى المجرمين و انزال القصاص العادل بهم ؛ لإسترداد الاموال المنهوبة ؛ و جعل الجناة عبرا حقيقية لكل من تسول له نفسه أن يتلاعب بمقدرات البلاد و أمنها الاقتصادي ..

    وضعت حكومة السيد السوداني في أولوياتها ملف محاربة الفساد و فتح العديد من الملفات الشائكة ؛ و هي بذلك تعلن حربا بمستويات عدة على السرطان الخفي داخل كيانات الدولة و مؤسساتها ؛ و هذه الحرب ستطال العديد من الشخوص و المسميات التي لم يك في حسبانها أن تكون تحت وطأة القانون ..

    هذه الحرب سيكون بيدق الهجوم فيها هو هيأة النزاهة بكافة مفاصلها التحقيقية و الرقابية ؛ و سيتصدى قضاة الهيأة و كافة العاملون فيها لأشرس معركة خاضها العراق لتجفيف منابع نهب امواله و مقدراته ؛

    و هذا سيجعل هؤلاء القضاة و الموظفون عرضة للعديد من عمليات الترهيب التي تتطلب من كافة أنسجة المجتمع و المكونات السياسية إسنادا حقيقيا لها ، و مؤازرة لعملها ..

    بدأ السيد رئيس هيأة النزاهة القاضي حيدر حنون بإجراءات جريئة

    و عادلة في الوصول للعديد من المجرمين و تقديمهم للعدالة و اعادة الكثير من الاموال المنهوبة عبر عمليات الاختلاس و الاحتيال ؛ و هي بادرة شجاعة و سابقة ربما لم نشهد نظيرا لها في السنوات الماضية ؛ خصوصا اذا ما وضعنا في نظر الاعتبار مدى صعوبة الوصول الى هؤلاء المجرمين و شبكاتهم داخل المؤسسات و الوزارات ؛ فهي تتطلب عمليات تحقيق مفصلة ، و خبرة في تقصي المعلومات للوصول الى الحقيقة

    و ملاحقة المجرمين ..

    شهدت الشهور القليلة المنصرمة عمليات القبض على العديد من الخلايا الاجرامية و الشخوص داخل العراق ؛ بل وصل الامر الى ملاحقة العديد منهم في دول أخرى؛ و الوصول لهم و اعادتهم لعرضهم أمام القضاء ، و اعادة الاموال المنهوبة بالتعاون مع هذه الدول و هي نقطة تحسب لحكومة السوداني عبر اعادة الثقة مع دول المنطقة و العالم عبر تفعيل الاتفاقيات الدولية ؛ كما فعلت دولة الامارات و دول اخرى عبر تسليمهم لبعض هؤلاء المجرمين و اعادة الأموال التي نهبوها ؛ و هذا ما نتمناه من بقية الدول في التعاون و الوقوف مع العراق في معاركه ضد الارهاب الاقتصادي و تسليم المجرمين ممن يعتقدون بأنهم سيكونوا بمأمن اذا ما هربوا لدول أخرى ..

    تجب الإشارة هنا الى أهمية أن تضع حكومة السوداني في حسبانها بأنها اليوم قد تجاوزت المعارك ضد الارهاب ؛ و هي أمام معركة فاصلة لمحاربة الفساد و بناء العراق و دعم كافة قطاعاته الاقتصادية ؛ كما أنها يجب أن تأخذ الوقاية منهجا حقيقيا لعملها في القضاء على الفساد عبر وضع اسس النزاهة داخل المناهج التربوية و الانسانية ؛ و دعم منظمات المجتمع المدني في مشاريعها التنويرية عبر تكثيف الندوات

    و المؤتمرات و الحلقات النقاشية داخل الانسجة المجتمعية ؛ بالاضافة الى وضع معالجات حقيقية للازمات المعيشية و القضاء على البطالة

    و التدني في المستوى المعيشي ؛ لأنها ستساهم ايضا في انتشال العديدين ممن قد ينزلقوا في براثن المخططات الارهابية أو نشوء شبكات إجرامية هدفها نهب الاموال ..

     

    إنها معارك القضاء و النزاهة و القانون التي يجب أن يخوضها العراق حكومة و شعبا لإستعادة الاموال و تقديم المجرمين للعدالة ؛ و جعلهم عبرة لمن تسول له نفسه ؛ و هذا يتطلب من الجهات الرقابية بكافة الوانها و تشعباتها أن تمارس أدوارا أكثر صرامة ، و أن تفتح كل عمليات محاربة الفساد المجال أمام الاستثمار الخارجي و تطوير المؤسسات و دعم بناء البنى التحتية للبلاد ؛ مع الأخذ بنظر الاعتبار مبدأ الثواب و العقاب مع كافة موظفي الهيأة عبر مكافأة و تكريم المتصدين

    و الكفوئين فيها ؛ و معاقبة المتقاعسين و المسيئين ؛ و أن يكون العمل خاضعا بكامله للقانون و تحت مظلة القضاء …

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة