الكاتب والمحلل السياسي/ رامي الشاعر
في الاجتماع العشرين للدول الضامنة في “صيغة أستانا”، أعلن نواب وزراء خارجية روسيا وتركيا وسوريا وإيران عن خارطة طريق لاستعادة العلاقات بين تركيا وسوريا بالتنسيق مع عمل وزارات الدفاع والأجهزة الخاصة.
واقترحت وزارة الخارجية الكازاخستانية جعل هذا الاجتماع الأخير في أستانا بهذه الصيغة، ما أثار عددا من التساؤلات، ما إذا كان ذلك يعني “نهاية” أو “فشلاً” في صيغة أستانا. إلا أن كازاخستان قد لعبت دور الوسيط في أوقات كان فيه التفاهم مستحيلاً، والوضع صعباً للغاية، ولم تكن الأطراف قادرة بعد على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، أو إيجاد الحد الأدنى من الأرضية المشتركة.
وبدبلوماسية محنكة هادئة، تم التوصل إلى عدد من إجراءات بناء الثقة، من خلال تعاضد وتنسيق دور الدول الثلاث الضامنة (روسيا وإيران وتركيا)، حتى تمكنت “صيغة أستانا” من التوصل إلى مناطق خفض التصعيد، ووقف إطلاق النار على كافة الأراضي السورية، وهو ما مهد لكل ما تم التوصل إليه مؤخرا من توافقات وموائمات.
الآن، وبعد التوصل إلى صورة أكثر وضوحاً لملامح خارطة الطريق لتسوية العلاقات السورية التركية أثناء اجتماع نواب وزراء الخارجية، وبوجود ممثلين عن وزارات الدفاع، أصبح من الطبيعي أن تجري الاجتماعات المقبلة إما في أنقرة أو في دمشق، نظراً لقرب عودة العلاقات الدبلوماسية الطبيعية بين سوريا وتركيا، وبدء استعادة علاقات التعاون وحسن الجوار والمنفعة المتبادلة بين الطرفين.
إنني على ثقة من أن الإرادة السياسية للبلدين سوف تتجسد بالتصديق على كافة القرارات التي اتخذت على مستوى نواب الوزراء والوزراء، وتكتمل الصورة بلقاء الرئيسين السوري بشار الأسد والتركي رجب طيب أردوغان، ليتمكن الطرفان فيما بعد حل مشكلات اللاجئين، وقضية وضع جدول زمني لمغادرة الجيش التركي الأراضي السورية، والتنسيق الأمني لتمشيط المناطق الحدودية وغيرها من جيوب الإرهابيين المتبقية، والاتفاق على وضع المعارضة السورية، بما في ذلك المعارضة المسلحة، وطبيعة مشاركتها في عملية الانتقال السياسي السلمي في سوريا، وفقا لما نص عليه قرار مجلس الأمن رقم 2254، ومخرجات مؤتمر سوتشي للحوار السوري السوري.
أصبح من الطبيعي الآن أن يتغير حتى مسمى “مسار أستانا”، ليصبح، على سبيل المثال، “مسار تعافي” الدولة السورية، وأصبح من المنطقي أن تشارك الدول العربية التي أعادت علاقاتها مع سوريا، إضافة إلى دور هيئة الأمم المتحدة، وبمساعدة روسيا وإيران وتركيا، في إعادة بسط الدولة السورية سيادتها على أراضيها الموحدة، وأن تتوقف سرقة موارد الدولة، ودعوات تقسيمها، وما عدا ذلك من أجندات انقضت على سوريا الجريحة بعد اندلاع الحرب الأهلية.
أعتقد أن اجتماع اللجنة الدستورية في مسقط سيكون الاجتماع الأخير لهذه اللجنة خارج الأراضي السورية، لا سيما أن كل هذه التطورات، من عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وتسوية العلاقات السورية التركية، بل والأهم للمنطقة عودة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران، سيسمح كله بانعقاد اجتماعات المعارضة واللجنة الدستورية مع الحكومة السورية في دمشق على التراب السوري، لتعود أطياف المشهد السوري إلى حضن الوطن الواحد، سعيا لبناء سوريا جديدة تسع للجميع.
ولعل أفضل مكان لمناقشة ما يخص الشأن السوري والدستور السوري من قبل السوريين أنفسهم هو الأرض السورية. لهذا فقد نجحت “أستانا” في أداء وظيفتها على أكمل وجه، وتمكنت من إعادة القضية السورية إلى الأرض السورية.
تبقى معضلة واحدة لم يتم التطرق إليها، ألا وهي وضع الأكراد السوريين في الشمال الشرقي، لكني على ثقة من بدء الحوار قريباً مع ممثلي الأكراد للاتفاق على الصيغة التي تناسبهم، وتضمن حقوقهم الاجتماعية والثقافية والسياسية، وتناسب في الوقت نفسه وحدة الأراضي السورية وسيادة دمشق على كافة الأراضي. وهنا أؤكد أنه ليس لدى أكراد سوريا أي نزعات انفصالية.
أعتقد أننا، وبعد مرور أكثر من عقد، قد توصلنا جميعاً إلى أن المسار السياسي هو الحل الوحيد والأمثل للأزمة السورية، ولن تكون هناك عودة للخلف أبداً، ولا أعتقد أن يدور بمخيلة أحدهم عرقلة هذه المسيرة التي أصبحت اليوم محل إجماع من جميع الأطراف الداخلية والخارجية على حد سواء.
وأعتقد أن السوريين يدركون اليوم أكثر من أي وقت مضى أن عودة العلاقات التركية السورية، والجلوس إلى طاولة المفاوضات في ضوء التغيرات الدولية وانتهاء الهيمنة القطبية الأحادية، والدور الجديد الذي لا شك ستلعبه الدول الضامنة في “صيغة أستانا” سيكون له تأثير أكيد ليس فقط في دعم ودفع عملية التسوية السورية، وإنما أيضاً في استخدام تلك الخبرات والآليات المستخدمة في حل الأزمة السورية في حلحلة أزمات أخرى في المنطقة، ربما اليمنية والليبية واللبنانية وقضية فلسطين.
لقد تحقق كثير مما توقعناه في مقالات سابقة، واليوم نقطف ثمار سنوات من الجهود المضنية لتقريب وجهات النظر وتبادل الأفكار والبحث المستمر عن مفاهيم وأرضيات مشتركة.
وفي ختام مقالي هذا، وبعد بدء مرحلة التعافي للوصع السوري، أود العودة إلى القضية المركزية للعرب ألا وهي القضية الفلسطينية، والجرائم التي ترتكبها عصابات المستوطنين الإسرائيليين الفاشية بحماية الجيش الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، من قتل وتدمير وحرق للبيوت والممتلكات، والتي لربما أفظعها في الأيام الأخيرة قتل الطفلة سديل نغنغية شهيدة فلسطين.
إن استشهاد سديل لن يزيد شعبنا الفلسطينية سوى إصرارا على المقاومة والكفاح دفاعا عن تراب الوطن وعن نفسه وعن أبنائه وبناته وحقوقه الوطنية وعن حق شعبنا الفلسطيني في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
عاشت سوريا حرة موحدة مستقلة مع عودة الجولان، وعاش نضال الشعب الفلسطيني.