الخدمة الحسينية والارتقاء نفسيا ومعنويا بالمجتمع

    المشاعر والإدراك النفسي والسلوك التنظيمي الذي يقوم به الفرد، قائم على أساس فهم السلوك المبتغى القيام به، وبما أننا بشر وأصبحنا نعيش كمجموعات وليس أفرادا، فإن أول ما يتبادر للذهن من سلوك نفسي جماعي هو التعاضد أو التشارك (الخدمة)، فنرى أن الجميع عند مجيء شهريّ الحسين (محرم وصفر) يصبحون أشخاصا أكثر عطاء، وتتغير نفوسهم نحو الأفضل بسبب الأثر النفسي الذي تتركه هذه الخدمة.

    الخدمة الحسينية تأثيرها لا تقتصر على الجانب النفسي وحده، فلها دورها في توعية المجتمع وتحفيزه على اتخاذ القيم المعنوية أساسا لحياته، والتفكير الجدي في نبذ القيم المادية القائمة على المظاهر واكتناز الأموال، فهذه المشاركة والتكافل ما بين المواكب وخدام الحسين (ع) تسطر أروع آيات الإيثار والتضحية حتى وان تمّت بالممكن والقليل، لاسيما أن تضحية الحسين (ع) بنفسه وعائلته لم تكن لأجل السلطة أو لمنافع شخصية، بل كانت من اجلنا نحن كي نعيش في مجتمع يدرك أن السير على مبادئ الدين المحمدي هو الذي يؤدي إلى ازدهار وخلاص الأمة من تبعات ورزايا الحياة المادية الأنانية.

    وبما أن الخدمة الحسينية قائمة على أساس التضحية، فنجد الكثير من الفقراء من ذوي الدخل المحدود يدّخرون من قوتهم وأموالهم الشحيحة، بغية المشاركة بها في المواكب وتقديم الخدمات المهمة للزوار الكرام بكل رحابة صدر، فهنا الفقير يطعم الغني والكل سواسية، هذه الروح الإيثارية تكونت نتيجة للقدوة الذي يتبعه الناس، فما من سلوك يتكون إلا وكان هناك دور النموذج لذلك السلوك، ومَنْ أفضل من الحسين (ع) نموذجا للجميع؟

    إن الخدمة الحسينية لا تقتصر على الرجال فقط، فللنساء دور في هذه الخدمات، وقد يكون كبيرا جدا، فالتي تتبع مسيرة زينب الحوراء (ع) تعي أن المرأة لها دورها المهم في جميع جوانب الحياة، ويجدر الإشارة إلى أن هذه الخدمة قد تكون أمرا غير ملموس أو مادي (أموال)، فقد تأتي في صيغة إعلامية مناصرة للطف ولمبادئ الحسين (ع)، وذلك عبر نشر مقطع فيديو للخدام، أو قد تكون خدمة توصيل لزائر كريم، فالخدمة الحسينية لا تقتصر على المواكب وحدها أو ما يقدَّم فيها للزوار، وإنما أشكال كثيرة من الخدمة تصب في نصرة القضية الحسينية ومبادئها التي تروم السعادة والحياة الكريمة للإنسان.

    عن فلسفة الخدمة الحسينية وآثارها الإيجابية على القائمين بها طوعا، (أجرت شبكة النبأ المعلوماتية) استطلاعا عن هذه الخدمة المباركة وانعكاسها الإيجابي على الجميع، فجاءت إجابات المشاركين في الاستطلاع كما يلي:

    الزوّار الكرام متفضّلون علينا

    الحاج كاظم حسن، تدريسي وخادم الحسين (ع)، قال: تجاوز عمري الآن الخمسين عاما، ولا زلت أواصل خدمة زوار الإمام الحسين عليه السلام، وأتشرف بذلك، بل الحسين (ع) وزواره الكرام هم المتفضلون علينا، وليس غريبا حين أخبركم أن المرض يفتك بي في الأيام العادية، أي قبل شهري محرّم وصفر، ولكن ما أن يقترب عاشوراء، وتأتي ذكرى فاجعة الإمام الحسين وأهل البيت الأطهار، حتى نبدأ بالتغيير نفسيا وفكريا ومعنويا بل وحتى جسديا، فهذا الجسد الذي يكون في الأيام العادية مزرعة للأمراض، وهدفا لشتى الأمراض المزمنة أو سواها، يصبح محميا منها، فلا يدنو منه مرض مزمن أو طارئ، ونعود شبابا في محرم وصفر، لنقدم أقصى ما يمكن من خدمات للزائرين الكرام، فحركتنا تكون نشيطة وسهلة ومتواصلة، ونحن نقدم للزوار كل ما يحتاجونه.

    إننا إذا شاهدنا الرضا في عيون الزائر كأننا (ملكنا الجنة)، ويغزونا شعور بالسعادة لا يوصف، نحس أن الإمام الحسين رضيَ عنّا وأنه شفيعنا في اليوم الآخر، فماذا يريد الإنسان أكثر من ذلك؟، لهذا السبب نحن نحب عاشوراء، لأننا نشأنا وترعرعنا في رحاب هذا الخدمة التي تسعدنا، وتغير نفوسنا، وتقضي على أمراضنا، وعجزنا أو تكاسلنا، فنعود شبابا نشطين في خدمة زوار أبي عبد الله الحسين عليه السلام، وهذا شرف ما بعده شرف لنا.

    خدمة الإمام الحسين (ع) شرف لنا

    الشاب محمد ماجد المسلماوي، أجاب بالقول: إن خدمة الأمام الحسين (ع) شرف لنا، هكذا ننظر لها ونؤمن بها، ولا تقتصر خدمة الأمام الحسين (ع) على شهر محرم وشهر صفر، بل نحن خدام زائري أبي عبد الله الحسين في كل وقت ومكان، لكن في شهري محرم وصفر تبتدئ مسيرة العشق الحسيني في الخدمة، وكم ننتظر نحن الشباب هذه الأيام المباركة، أن تأتي إلينا لكي نُظهر ما في باطننا مشاعر وخشوع، ومن طيب النفس وغيرها.

    إننا كشباب وأبدأ بنفسي نشعر بأن هذه الخدمة الطوعية تنمي الجانب النفسي والمعنوي وفينا، بل وحتى الفكري، وتربينا على حسن الأدب والأخلاق الحسنه والابتعاد عن فعل وقول السوء، وقد قمنا بهذه الخدمة ونحن صغار، فـ (التعلم في الصغر كالنقش على الحجر)، لذلك ننظر إلى هذه الخدمة المباركة على أنها وسام شرف لنا.

    كما أننا نشعر مع مواصلة تقديم الخدمة الحسينية عام بعد آخر وسنة بعد أخرى، بأننا نحصل على التربية الصحيح، والأخلاق والمحبة والاحترام، لذلك نبتهج كثيرا ونحن نقوم بخدمة زوار سيد الشهداء الكرام، فمن هذه الخدمة تعلمنا معنى الوفاء، وساعدتنا هذه الخدمة على أن نحترم الناس بدءاً بأقربهم إلينا، الأب والأم والأخوة من أفراد العائلة، والأصدقاء، بل وحتى الغرباء، لأن خدمة أبي عبد الله الحسين هي مدرسة الأخلاق الحسنة للشباب.

    كذلك تعلمنا من هذه الخدمة المباركة الرجولة، وتحمل المسؤولية منذ الصغر، ومنها تعلمنا كيف ننصر إمام زماننا، فهذه الخدمة الحسينية مصدر مهم لإصلاح كل شيء، و خدمة الإمام الحسين ترفع من شأنك وتعلي من مقامك: (حسين اليرفع خدامه ويخلي الخادم سلطان).

    عندما نخدم في موكب لا نمل ولا نكل، ونحاول أن نقدم الأفضل فالأفضل لكل الزوار الكرام الذين ننظر لهم بعين الشكر والمحبة والعرفان، فهم أصحاب فضل علينا، لذلك هذه الخدمة المباركة تختلف عن أية خدمه أخرى، ربما كل أنواع الخدمات الأخرى يطولها الملل والكلل إلا خدمة زوار الإمام الحسين عليه السلام، فعندما أخدم زوار الحسين (ع) أشعر كأنني سلطان أعتلى الغيوم، وأن الخدمة الحسينية هي السراج المنير، وهي السراط المستقيم، فهي تخرجنا من الظلمات إلى النور، لأنها تجعلنا في طريق الإمام الحسين، وهو الطريق الذي ينير لك ظلمتك في الحياة، ويضيء لك وحشة القبر.

    إن أجمل إحساس هو أن تكون لديك الجنة في الأرض، وهذا ما نشعر به نحن خدام زوار سيد الشهداء ونفتخر بذلك وسعداء به وسوف نبقى على هذا العهد إلى الأبد.

    صمود الحوراء زينب درس لكل النساء

    الشابة فاطمة عبد الحسين/ طالبة جامعية، أجابت: إن خدمة الحُسين لها أثر ايجابي كبير على من يقوم بها، بحيث سوف تنعكس على حياته كلها، وتساعده على التغيير للأحسن، بل لا أبالغ إذا قلت أن هذه الخدمة الحسينية تنقل صاحبها إلى عالم آخر، وهو عالم الإيمان والشعور بجدوى الحياة وبأن الإنسان عنصر فاعل في الحياة وأن حياته ذات جدوى، فكثير من الشباب لا يشعر بهدف محدد في حياته، كأنه ضائع ويعيش في حالة تيه، خدمة الحسين تجعله صاحب دور ومسؤولية وهذا ما يبحث عنه الشباب كي يشعروا بوجودهم ومكانتهم.

    هذه الخدمة تنعكس بشكل إيجابي وكبير على سلوك وتفكير ووعي من يقوم بها، لذلك هي ليست خدمة مجردة، فقط تقدم خدمات معينة للناس وانتهى الأمر، كلا، إنها تساعد الشاب الذي يخدم زوار الحسين (ع) على تغييّر ذاته، وحتى لو كان هذا التغيير بسيطا، إلا أن تأثيره سوف يكون كبيرا على الشاب أو الإنسان الذي يقدم الخدمة للزوار الكرام، حتى لو تمت الخدمة من البيت، فأنا شخصيا أخدم الحسين (ع) من داخل بيتي، ومع ذلك يجعلني عملي هذا أشعر بأن خدمة الإمام (ع) ليس لها مكان معين ولا وقت معين، لأننا في أي وقت نفيد به الزوار، أي قدمنا خدمة لوجه الله، فهذا عمل يستحق أن نتعب فيه، وأنا كبنت أرى أننا يمكن أن نوصل فكرة الحوراء زينب للبنات مثلنا بصورة أوسع، لأننا ننتمي إلى بيئة وعقيدة واحدة، لذلك نحن نقتدي بتعاليم السيدة زينب، وهذا هو الطريق الصحيح للخدمة.

    من جهته قال أبو منتظر، من سكنة حي السلام، وهو خادم حسيني في أحد المواكب الممتدة على طول طريق النجف نحو كربلاء المقدسة: نحن نجد في هذه الأيام سعادتنا، وأقصد نجد السعادة في خدمة سيد الأحرار عليه السلام، ونجد الحياة متجددة والناس متعاونة مع بعضها والخير ينتشر بين الناس، ورغم أن هذه الأيام وهذه الذكرى الأليمة تحمل لنا الأحزان والأوجاع على مصيبة الحسين وآل البيت (ع)، إلا أننا مع كل ذلك ننشط ونشعر بمعنويات عالية، وتتضاعف قوتنا وحتى صحتنا، فنقوم بخدمة زوار الإمام بكل إصرار وأريحية لشعورنا أن أجرنا لن يضيع عند الله بشفاعة سيد الشهداء، ولذلك نحن ننتظر أيام عاشوراء على أحرّ من الجمر، لأنها تجعلنا متعاونين سعداء وتغيّر نفوسنا، أسأل الله تعالى أن يديم علينا نعمة عاشوراء والأخلاق الحسينية التي تجعل الناس أقرب إلى بعضهم.

    تعلّمنا من الحسين (ع) القيم العظيمة

    وأخيرا أجابنا الشاعر علي عبد الحسين بالقول: لنبدأ من منطلق أن الحسين (ع) أطاع الله في كل شيء، فأعطاه الله كل شيء، إذن من ضمن عطاء الله للحسين أن أوجد له شيعة تنعاه وتخدمه بكل ما آتاها الله، من حب لمولاها أبي عبد الله الحسين، هؤلاء ثلة من عباد الله جادوا بأنفسهم للحسين بفضل الله، لان محبة سيد الشهداء رزق يقذفه الله لمن يحبه، فتعلموا من الحسين كيف يكون الشخص مظلوما فينتصر كما قال زعيم الأمة الهندية غاندي.

    وتعلموا أيضا كيف تكون التضحية في مكانها، وكيف يكون البذل في إيصال الرسالة الربانية، ورسالة الخلق والأخلاق السامية، وعندما نصل إلى الخدمة الحسينية والتعلم منها، فنجد هناك من وعى أثناء خدمته وبذل نفسه دون إمامه، لأنه على ثقة به وعطائه لربه ومنهم من بذل ماله وأرضه لأنه على دراية تامة بأنه تعالى سوف يضاعفها لهم أضعافا إن شاء الله وبشفاعة الإمام الحسين (ع)، وهذا من الثبات والدراية الموضوعية، أما الدراية النفسية فهي داخل نفس الخادم وتأثره بها يكون فطريا.

    لكن هناك من تراه كان عاصيا وحين خدم زوار الحسين تغير معتقده، فيقول عندما خدمت الحسين عرفت طريق الحق والعبادة ونبذت كل الطرق المنحرفة.

    ومنهم من تراه باكيا من شده تأثره على مولاه ويرى الحسين أبا له والمصيبة مصيبته، ومنهم من خدم بقلمه فيقول تأثرت وتهذبت كتاباتي وتحسن مسمعي وتطورت ملكتي الأدبية والشعرية في خدمه المولى أبي عبد الله.

    ومنهم من تراه متأثرا بسيدتي ومولاتي زينب، فتراه ناعيا أو رادودا يصدح صوته في خدمة الحسين، وهناك من تراه متأثرا بخُلق أبي عبد الله، وعندما يخدم الزوار وتسأله عن السبب، فيجيب أن سيدي كان ولا زال خلوقا، فلم يسب أو يشتم قاتلي ولده وأخوته وأصحابه، فكيف بي وأنا العبد الحقير أن لا أتخلّق بخلق سيدي.

    ومنهم من تراه ثائرا واقفا بوجه كل ظالم، حتى وإن كان مصيره القتل، ومنهم من تراه حليما حتى وإن جرت عليه قال لك سامحك الله.

    عندما نجمع الآراء أو نطلع على المواكب، ونسأل خدّام الحسين، سوف تجد الروحية عظيمه، فالكل يجيبك قائلا: تعلمت من الحسين أن أكون مخلصا له، وتعلمت من الحسين أن اسلم أمري لله جلَّ وعلا، والأعظم عندما تجد شخصا وتسأله بماذا تأثرت؟ فيجيبك بكل عز تأثرت بسيدي أبي عبد الله، أن تهون عليَّ مصيبتي عندما أُصاب بشيء أتذكر مصيبة سيدي فأقول: اللهم بمصيبة الحسين هوّن عليَّ ما أنزلت من بلاء وامتحان

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة