السفير الدكتور جواد الهنداوي
رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات
و تعزيز القدرات /بروكسل / في ٢٠٢٣/٩/٤ .
ماذا تعني سيادة العراق ؟
تعني سيادته الداخلية و سيادته الخارجية ، وكلاهما مترابطان و مكملان الواحد للآخر ،حين تضعف سيادة العراق الداخلية ،بسبب ضعف وتردّدْ في تطبيق القانون ، وشيوع فساد اداري و سياسي ، و غلبة التسويات القبليّة و العشائريّة على القانون و النظام العام ، تضعف بدورها سيادة العراق الخارجيّة .
سيادة العراق الداخليّة تعني ايضاً أَمنهِ و استقراره ،
وحين يفتقر البلد الى الامن و الاستقرار ، تُفتَحْ على مصراعيها ابواب السيادة الخارجية فيتدخّل كّلُ من هّبَ و دّبْ ، دول كبيرة وصغيرة ،بعيدة و قريبة ، عصابات في تجارة المخدرات والبشر ،عملاء و جواسيس ، وتفقد الدولة مكانتها وهيبتها بين الدول .
سيادة العراق الداخليّة تعني ايضاً دولة قادرة على اتخاذ وتطبيق قرار سيادي ، دولة تهتم بمصالحها ،وليس بمصالح السلطة و الاحزاب ، و لا تساوم على حساب مصالح الشعب . المجتمع الدولي و دول العالم تراقب مؤشر السيادة الداخلية كي تقيّمْ السيادة الخارجية للدولة ،وعلى ضوء ذلك ، تقيّم الدول مكانة وهيبة الدولة ، فتمنحها الثقة و الاحترام ، وتتنافس على سوقها شركات الاستثمار ، و تتعافى عُملتها ،ويُقّدرْ جواز سفرها ،و تدخلُ جامعاتها وشهاداتها سُلّمْ التنافس الدولي . هذا هو معنى السيادة ،على الصعيد التطبيقي و العملي ، ولذلك تحرصُ جميع الدول على ضمان صحة وسلامة سيادتها ، ورموز سيادتها كالعلم والحدود ، و حمايتها و الدفاع عنها من اخطار الداخل و الخارج ، و لا أُبالغ إنْ قلت تهديدات الداخل على السيادة اكثر خطراً من تهديدات الخارج بأستثناء حالة الاعتداء الخارجي او الحرب على البلاد .
احلامُ الكُرد هي أُمنيات في الكرى ، ولكنها مشاريع سياسيّة في الواقع ، وتُشكّل ثُقلاً مُتعباً على سيادة العراق الداخلية و الخارجية ، وهي ثلاث : ضّمْ كركوك الى اقليم كردستان ، الانفصال عن العراق ، وضُعف مُزمِنْ للمركز او للحكومة الاتحادية . وهذه حقائق يعرفها الجميع ، ولا ينكرها الاخوة الكُرد ، الاّ اللهّمَ يرفضون الاتهام برغبتهم ” ضعف مُزمن للحكومة الاتحادية او للعراق ” . ولكن مَنْ يسعى ويثقف للانفصال ولضمْ كركوك ،ورفض عراقيتها ، و يعتبرها ” قُدس الكُرد ” ، يجدُ في ضعف العراق مخرجًا.
المشاريع السياسيّة للكرد تُضعف كثيراً سيادة العراق الداخلية و الخارجية ، وتُقلّل كثيراً فرصة العراق في الامن و الاستقرار ، و ما حدثَ سابقاً في كركوك ( حين استرجعها الجيش العراقي من قوات البشمركة الكردية عام ٢٠١٧ ) ، وما يحدث الآن شواهد على كابوس حلم الكُرد في كردستانية كركوك .
لا حّلْ في الافق لمدينة كركوك ،طالما بقي الاخوة الكرد مُصّرين على ضمهّا للاقليم ، ويستعجل الحزب الديمقراطي الكردستاني لضمّها للأقليم ، قبلَ ان ينشطر الاقليم الى أثنيّن ، اقليم للديمقراطي و آخر للأتحاد .
ستحضر مسألة كركوك في كل تداول سلطة في العراق ،ستصاحب تداول السلطة ، ستتداول مع تداول السلطة ، وبفضلها ستتم صفقات ، و ابتزاز ، و وعود و ايفاء و نكران ،وهكذا دواليك . و كُلمّا بَعُدَ منال الانفصال ، وقاربَ المُستحيل ،كُلّما أفاقَ حُلمْ كركوك ، و الضحيّة لهذا السيناريو سيادة العراق وشعب العراق و بكافة مكّوناته .
لا يقل اثراً وشأناً على سيادة العراق ،التدخل الامريكي الغليظ و الناعم ، و يزداد التدخل الامريكي سياسياً وعسكرياً في العراق كُلّما قّلَ النفوذ الامريكي في المنطقة ، وكلّما زادَ خطر تهديد أمن اسرائيل !
الارهاصات و التحركات الامريكية العسكرية في العراق ،وعلى الحدود العراقية -السورية ، وكذلك في شرق الفرات ،في سوريّة ،هي لحماية اسرائيل وضمان أمنها ،بعد ان فقدت اسرائيل قوة الردع ،و أمل الهيمنة على المنطقة ، وعادت الى مربعها الاول ،مربّع حماية اسرائيل وضمان أمنها . مصلحة اسرائيل أنْ يبقى العراق ضعيفاً ، ومصلحة امريكا في العراق هي من مصلحة اسرائيل . مصلحة اسرائيل هو أن ينفصل الكُرد و يتجزأ العراق ، و ترى امريكا ،في هذا الامر ،بعداً استراتيجياً و دولياً ، و اكبر من قدرتها ، و ليس في الانفصال مصلحة لا للكرد و لا لاسرائيل . تجدُ امريكا بقاء الكُرد مع احلامهم في العراق اكثراً نفعاً لأمريكا من انفصالهم ، ولا يهّمْ امريكا ،في شأن العراق ،لا سيادة العراق ولا مصلحة الكُرد ،وانما مصلحة اسرائيل اولاً و مصلحة امريكا ثانياً .
أمّا عن دور ونفوذ دول الجوار ، سبقَ و إنْ ذكرنا ،اكثّر من مرّة ،بأنَّ القاعدة التي تحتكم اليها دول المنطقة في علاقاتها السياسية ،فيما بينها هي ،للأسف ،” كيف تجعل جارك او شقيقك ضعيفاً “،خلاف ما هو سائد بين الدول الاوربية مثلاً . ما هو سائد في العلاقات البينيّة في منطقتنا مبدأ ” مصلحة الدولة وليس مصلحة الامة او مصلحة المنطقة ” ، وهذا لا يعني اليأس من تعاون او تكامل بيني في المنطقة ،قد تلتقي مصلحة دولة مع اخرى او مع اكثر ،خاصة اذا اعتمدت الدول المسار الاقتصادي ، و غضّت النظر على الخلافات السياسية، وهذا ما نتمناه .
ما شهدهُ العراق ،ومنذ اربعة عقود ، حالات متعددة لادوار لدول الجوار ،قادت الى حروب والى احتلال والى ارهاب ، و أصبحَ العراق دولة ناقصة السيادة من الناحية القانونية ،وبموجب قرارات أممّية .
الاحتلال الامريكي للعراق ، وما خلّفه من أثار و نتائج ، و الارهاب الذي عصفَ بالعراق ساهما ،الى حّدٍ كبير ، في زيادة النفوذ الايراني في العراق ،و الموجود اصلاً بحكم العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية بين البلدين ، نفوذ علني و رسمي وسياسي مع الدولة ، و مع جميع المكّونات و أغلب الاحزاب السياسية.
أينما وُجِدَ الامريكان و وُجِدَ الارهاب في المنطقة ( العراق و سوريا ،لبنان ،فلسطين ) حضرَت ايران و حضرَ الحشد الشعبي و حزب الله و فصائل المقاومة .
تُبرّر دول الجوار (تركيا ،ايران ) دورها ونفوذها في العراق حفاظا على أمنها الوطني ، ومحاربة الارهاب ،و بتنسيق على ما يبدو مع الدولة . و قد صرحتا كل من الدولتيّن بتبنيّهما لعمليات عسكرية استهدفت مجاميع ارهابية عاملة في شمال العراق .