الابتكار المالي في العراق: التحول إلى مشهد المدفوعات غير النقدية

    تع بقلم ماريو مكاري، المدير العام لشركة Visa في منطقة دول المشرق

    يشهد قطاع الأعمال في جميع أنحاء العالم ثورة حقيقية نتيجة اعتماد أنظمة الدفع الرقمية. الأمر الذي يبشر بتحولات كثيرة في بلدان عديدة مثل العراق لطالما هيمنت الحلول النقدية فيها على المنظومة المالية. ورغم أن العراق يتمتع بواحد من أدنى معدلات الوصول إلى الخدمات المالية في العالم، باعتبار أن 19٪ فقط من سكانه البالغين لديهم حسابات مصرفية، فقد اتخذت الدولة خطوات مهمة لتحقيق الشمول المالي.
    وأطلق البنك المركزي العراقي عدة مبادرات في خطته الاستراتيجية الثانية للأعوام 2021 – 2023 بغية مواجهة هذا التحدي؛ حيث شهدنا تطبيق العديد من الإصلاحات المهمة، مثل دعم الخدمات المالية الرقمية، وفرض استخدام نقاط البيع المباشر في المعاملات المالية، وخفض الرسوم التجارية، وفرض ربط الحسابات المصرفية، وتقديم حوافز لتشجيع استخدام نقاط البيع المباشر. وتهدف هذه المبادرات بمجملها إلى تسريع وتيرة التحول إلى المدفوعات غير النقدية بحيث تتمكن الشركات والأفراد من تحقيق الفائدة المثلى منها.
    ونظراً لقدرتهم على التأثير على عادات الشراء الاستهلاكية، يمثل التجار جهات فاعلة وبالغة الأهمية في هذا التوجه. ومن خلال تحويل نماذج الدفع الخاصة بهم إلى المنصات الرقمية، يمكن للتجار إحداث نقلة نوعية في أعمالهم وكذلك المساهمة في إحداث تغيير واضح في الاقتصاد العام. وبفضل توفر عاملي الأمان والشفافية، يمكن للتجار تشجيع تبني الإصلاحات المالية بين أوساط السكان، من خلال اعتماد أنظمة نقاط البيع المباشر وتبني الثقافة الرقمية. لكن ولسوء الحظ، يواجه العديد من التجار تحديات عديدة من حيث قلة الوعي والتثقيف المالي عند إنشاء أنظمة الدفع الرقمية واستخدامها. كما أن غياب التدريب المناسب على قبول هذه الأنظمة والتثقيف المالي يعيق التجار والمستهلكين على حد سواء، وغالباً ما يحصرهم ضمن المجال التقليدي للمعاملات النقدية.
    ولعل ازدهار منظومة الدفع الرقمي يساعد إلى حد كبير في زيادة الشمول المالي وتعزيز النمو الاقتصادي في الأسواق الناشئة مثل العراق. وتتميز المعاملات الرقمية بالسرعة وسهولة التعقب إلى جانب منح التجار رؤى ذات صلة بمبيعاتهم وميزانياتهم المستقبلية. وتنطوي هذه المدفوعات على مخاطر أقل مقارنة بالمعاملات النقدية. ومع توفر البنية التحتية الملائمة ومزودي خدمات الدفع المحليين، يمكن للمدفوعات الرقمية أن تزود التجار بمنصة مثلى لتنمية أعمالهم بشكل تدريجي.
    وتدرك الحكومة العراقية تماماً أهمية التحول الرقمي لتعزيز الاقتصادات القابلة للنمو والازدهار. ومن المقرر تنفيذ السياسات الصادرة مؤخراً عن البنك المركزي العراقي والحكومة لدعم المدفوعات الرقمية هذا العام. علاوة على ذلك، فإنه وفقاً لشركة “ستاتيستا” المتخصصة بدراسات وإحصائيات السوق، من المتوقع أن يصل إجمالي قيمة المعاملات في سوق المدفوعات الرقمية إلى 10 مليارات دولار في عام 2023. وثمة العديد من منصات الدفع الرقمي العاملة في الدولة، حيث أصدر البنك المركزي العراقي 17 ترخيصاً من هذا النوع حتى الآن. وتتعاون شركات التكنولوجيا المالية مع مزودي خدمات الاتصالات في العراق لتزويد المستهلكين بتجربة رقمية سلسة وآمنة لتسهيل الدفع الرقمي. وقد تعاونت Visa مع شركائها العام الماضي لإطلاق مجموعة متنوعة من منتجات الدفع لخدمة سكان العراق الذين يعانون من نقص الخدمات المصرفية. وتؤكد هذه الجهود إمكانية توسيع نطاق الخدمات المصرفية وإدراج المستهلكين تحت مظلة الشمول المالي.
    ويبدو أن المستقبل يتجه بشكل متزايد نحو الحلول غير النقدية سيما مع مواصلة التكنولوجيا اختراق كل جانب من جوانب حياتنا. ومع استمرار تطور العالم لمواكبة العصر الرقمي، سيلعب التثقيف المالي وتطبيق أشد تدابير الأمن الرقمي دوراً بالغ الأهمية في تسهيل الانتقال إلى الاقتصاد غير النقدي على نحو أكثر سلاسة. ويبشر هذا التحول بزيادة كفاءة المنظومة المالية وتوفر الوصول الشامل إلى الخدمات المالية، خاصة بالنسبة للسكان الذين لا يملكون حسابات مصرفية أو يملكون حسابات لكنهم لا يستخدمونها.
    ولا شك أن تعزيز الثقافة المالية يلعب دوراً جوهرياً في استكمال هذا التحول وضمان استفادة الأفراد بالكامل من مزايا الحلول المالية الرقمية. ولدعم جهود التثقيف المالي في السوق، اخترنا اثنين من شركائنا للتعاون معهم من أجل تقديم محتوى يمكن أن يساعد في بناء المعرفة ومساعدة الأفراد على تحسين استيعابهم للمفاهيم والخدمات المالية. وستلعب هذه الشراكات دوراً محورياً في تطوير منظومة شاملة للمدفوعات الرقمية تمكّن الاقتصاد العراقي من الازدهار والتطور في العصر الرقمي.

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة