د.فاطمه آزاد
الإفتتاحية المفاجئة لعملية طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر، من قبل كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس في غزة، ضد مجموعة واسعة من الأهداف في كامل الخط الحدودي لقطاع غزة في الأراضي المحتلة، فاجأت الجهات الفاعلة الإقليمية والأجنبية. ولو سلّطنا الأضواء نحو المواقف التي اتخذتها الدوائر الرسمية وغير الرسمية، يمكن للمرء أن يرى بوضوح مستوى المفاجأة الكبير وعدم توقع مثل هذا الحدث، خصوصاً أن الخط الرئيسي للأخبار والتحليلات كان يحوم حول تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب.
لكن ردود الفعل على عملية طوفان الأقصى متفاوتة بين الداخل الأمريكي ومختلف الجهات الفاعلة. وفيما يلي محاولة لدراسة ردود الفعل على عملية المقاومة الفلسطينية على المستويات الأربعة للمسؤولين الأمريكيين، ووسائل الإعلام، والجمهوريين، ومحللي الاستخبارات.
أولا، في جانب السياسة الأمريكية وعلى مستوى المسؤولين في هذا البلد، النقطة التي يمكن إثارتها في تقييم ردود الفعل على حرب غزة هي أن المسؤولين السياسيين الأميركيين يؤكدون على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها حتى تدمير معظم قطاع غزة. ومن تصريحات وتصرفات المسؤولين في إدارة بايدن، منذ بداية عملية طوفان الأقصى وحتى الآن؛ – إدانة عنف حماس والإعراب عن التعازي والتعاطف مع الصهاينة، والتأكيد على دعم الحكومة الأمريكية “الثابت” لإسرائيل والتشاور مع الشركاء الإقليميين وخارج المنطقة لتهدئة الوضع وخفض مستوى العنف والصراع بين الجانبين.
في السياق، تشعر أميركا بالقلق من توسع نطاق الحرب. وحذرت الحكومة الأميركية إيران وحزب الله اللبناني في هذا الصدد. وقال بايدن في تغريدة على تويتر: “دعوني أوضح هذا قدر الإمكان”. هذه ليست اللحظة التي يستخدم فيها أي من الأطراف المتحاربة ضد إسرائيل هذه الهجمات لتسجيل نقاط، “إن دعم حكومتي لأمن إسرائيل ثابت وراسخ.” والولايات المتحدة غير راضية عن موقفها، وحاولت تعزيز ردعها بإرسال قوات عسكرية إلى المنطقة.
في الحقيقة، مع هجمات حماس ضد الكيان الصهيوني وتزايد المخاوف بشأن التصعيد المحتمل للتوترات العسكرية في المنطقة، فضلا عن الخوف من دخول نشطاء جدد إلى ساحة الصراع، أرسلت حكومة بايدن معدات عسكرية جديدة إلى المنطقة. وبناء على ذلك، أرسلت أمريكا حاملتي طائرات إلى المنطقة فيما كانت ترسل مساعدات عسكرية لإسرائيل، خاصة الصواريخ التي يحتاجها نظام القبة الحديدية الدفاعي. وكان أهم عمل للولايات المتحدة في هذا المجال هو إرسال السفينة الحربية يو إس إس جيرالد فورد إلى المنطقة، وبحسب المعلومات المتوفرة والأخبار التي نشرتها إدارة السفينة “جيرالد فورد”، فإن هذه السفينة تمتلك طائرة مراقبة واستطلاع من طراز “نورثروب غرومن یی-۲ هاوکی”. وهذه الطائرات قادرة على التحذير من إطلاق الصواريخ وكذلك عمليات المراقبة والاستطلاع وإدارة المجال الجوي. ولا تتمتع هذه الطائرات بالقدرة على تحديد التحركات العسكرية للطرف المقابل فحسب، بل يمكنها أيضا المساعدة في إدارة القوات الأمريكية للمعركة، بالإضافة إلى ذلك، يمكن لمقاتلات “اف-18” أيضًا الطيران من على سطح هذه الناقلة. حيث أن هذه المقاتلات قادرة على الاعتراض في الجو ومهاجمة مواقع العدو على الأرض. وقد تم تجهيز هذه السفينة بخدمات طبية واسعة النطاق وإمكانية نقل المزيد من القوات. وبالإضافة إلى سفينة جيرالد فورد، وبحسب بيان البنتاغون، ستقوم الولايات المتحدة بإرسال حاملة الطائرات يو إس إس دوايت أيزنهاور من ساحل فرجينيا إلى البحر الأبيض المتوسط. وبحسب مسؤولي البيت الأبيض فإن السفينتين قد تتواجدان في المنطقة لفترة مع تمديد فترة خدمة سفينة “جيرالد فورد الأمريكية”. بشكل عام، فإن أولوية حكومة بايدن هي إنهاء الصراع الحالي وإتمام عملية تطبيع الرياض-تل أبيب قبل انتخابات 2024 من أجل مواصلة التركيز على روسيا والصين.
في النطاق الإعلامي، فإن ما سلط الضوء عليه في التغطية الإعلامية هو الاعتداء على الفلسطينيين وسرد هذه الحرب بطريقة تجعل الشعب الإسرائيلي مظلوماً. والنقطة البارزة الأخرى هي أن بعض وسائل الإعلام مثل صحيفة وول ستريت جورنال ونيويورك تايمز تحاول تقديم الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أنها اليد التي تقف وراء هجوم حماس الأخير على إسرائيل من خلال نشر التقارير. وهم يريدون من خلال ذلك أن تجعل ايران على رأس أسهم الانتقادات الدولية في الحرب الفلسطينية الإسرائيلية، ونتيجة لذلك يريدون من الغرب أن يواجه إيران بجدية.
لكن الاعلام الديمقراطي في امريكا يبدي قلقاً من استحالة تقديم أمريكا مساعدات فورية لإسرائيل. هذا فيما تحاول وسائل الإعلام الجمهورية تسليط الضوء على دور إيران في تنسيق قوى المقاومة ضد إسرائيل، إضافة إلى التأكيد على الفشل الأمني الكبير وصدمة الأجهزة الأمنية في تل أبيب، في التحقيق في أسباب التصعيد الأخير.
جدير بالذكرـ أن إلى المساعي الإعلامية لنسب هذه العملية
إلى إيران تحظى أيضاً بدعم الطيف الجمهوري الأميركي. محاولة الجمهوريين استغلال ضعف تل أبيب في التنبؤ والإبلاغ عن عملية طوفان الأقصى والخسائر الفادحة لإسرائيل، لإلقاء اللوم على حكومة بايدن واتهامها بالفشل في تحقيق الأهداف والمصالح الحيوية للسياسة الخارجية الأمريكية. وخيانة الوطن.. التركيز الرئيسي لتصريحاتهم في هذا الإجراء هو تسليط الضوء على دور إيران في دعم حماس. وذلك على خلفية المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي، خاصة تبادل السجناء والإفراج عن الأصول بين إيران أمريكا مؤخراً. ولذلك فإن التأكيد على دعم إيران لحركة حماس هو المحور الأفضل والأنفع لإضعاف إدارة بايدن لدى الرأي العام الأمريكي؛ لتحقيق الهدف الرئيسي وهو جعلها دورة واحدة.
من الناحية الاستخباراتية الأمنية، مسألة المفاجأة الإسرائيلية هي نقطة حظيت باهتمام خبراء أمنيين واستخباراتيين. ويرى بعض المحللين أن سبب المفاجأة الإسرائيلية هو وجود فجوة في المجتمع الإسرائيلي، مما أزعج تركيز الأجهزة الأمنية والموساد على التهديدات الخارجية. ومن وجهة النظر هذه، فإن الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس قد شكك أكثر من أي شيء آخر في حصانة الجيش الإسرائيلي ونظام المعلومات الإسرائيلي الذي لا يقهر، وهو الأمر الذي سوف يستغرق إصلاحه وقتاً طويلاً. ويعتقد المحللون الأمنيون أن عملية حماس كانت بوضوح عملية منسقة باتقان ولم تظهر بين عشية وضحاها، ومن المدهش أن إسرائيل أو أي من شركائها الأمنيين لم تكتشفها.
في الختام، نستطيع أن نقول مما سلف إن اختلاف المواقف داخل الولايات المتحدة يشير إلى وجود خلافات جدية في الرأي حول العديد من القضايا، والتي يمكن أن تتفاقم مع استمرار الصراع الحالي.