الكاتب: ضياء سعد عبدالله
لا يمرّ يوم في العراق دون أن يثير سؤال “الفساد” تساؤلات الناس وتردد في وسائل الإعلام. ليس هذا السؤال مقتصرًا على الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي، بل يمتد إلى الإدارات الحكومية وحتى المكاتب الرسمية. يعيش المواطن العراقي في عالم مليء بالوعود الفارغة واللجان الواحدة تلو الأخرى، في حين يبقى الفساد سيد الموقف.
على مدى العقدين الماضيين، شهدنا تغييرات في الحكومات، وسمعنا وعودًا بمحاسبة الفاسدين ومكافحة الفساد. لكن الواقع يقول إن الأمور لم تتحسن، والفاسدون، خاصة الحيتان الكبار، لا يزالون في حالة من الاستقرار والسلام.
السؤال هنا: هل هناك دولة فعلية في العراق؟ الفساد أصبح جزءًا من الحياة اليومية للمواطن. يقوم البعض بتقاضي “المقسوم” لتقديم الخدمات التي يفترض أن تكون مجانية. وإذا لم يدفع، فإنه ليس لديه خيار سوى الانتظار لفترات طويلة دون أي ضمان لتلبية حقوقه.
لقد توسعت آفة الفساد إلى درجة أنها أصبحت ظاهرة لا يمكن تجاهلها. حتى ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة أشارت إلى أن الفساد أصبح جزءًا أساسيًا من الاقتصاد والسياسة في العراق، ولا يمكن القول إن هناك أي قائد سياسي خالٍ منه.
تقديرات تشير إلى أن مبالغ هائلة من الأموال تم استنزافها بواسطة الفساد في العراق. ورغم هذا، لا يمكن تحديد وجهتها. هل هذا الوضع سيبقى دون تغيير؟ هل ستظل الهيئات المعنية عاجزة عن محاسبة المسؤولين؟ هذه الأسئلة تبقى دون إجابة.
في نهاية المطاف، يعيش المواطن العراقي في حالة من عدم الثقة في النظام والسلطات. يعلم أنه لا يمكن الوثوق بما يُقال له، وأن حقوقه لن تُلبى إلا إذا دفع “الثمن” المناسب. هذا واقع مرير للعديدين، وهم يبحثون عن حلاً لهذه المشكلة الخطيرة.
الفساد ليس مزحة، بل هو تهديد جدي للمستقبل العراقي. إن لم يتم التصدي له بجدية، فإنه سيستمر في تهديد الاستقرار والنمو في هذا البلد الجميل والمضطرب.
وبصورة مؤلمة، يظهر الوضع واضحًا في عدم قدرة الجهات المعنية على محاسبة الفاسدين بشكل جاد. يصدر القضاء أحكامًا لا تلامس الفاسدين، ولا تسترد المال المنهوب بالشكل الذي يجب. هناك قضايا معروفة بتورط مسؤولين كبار، إلا أنهم يبقون في مأمن، حيث تصدر قرارات عفو تقضي بعودتهم للمشهد السياسي دون عقاب حقيقي.
يُظهر تاريخ مكافحة الفساد في العراق مشاهد مخيبة للآمال. حيث تبدأ مشكلة الفساد من الأسفل، وتنتهي بالقمة، مما يُظهر ضرورة تغيير جذري في نهج الحكومات المستقبلية. من الضروري تحقيق توازن بين العقوبات الرادعة وتوفير بيئة تشجيعية للإبلاغ عن الفساد ومكافحته.
على الصعيدين الوطني والدولي، يجب أن تكون هناك جهود مشتركة لمكافحة الفساد في العراق. ينبغي للمؤسسات الدولية والمنظمات غير الحكومية دعم العراق في بناء نظام يضمن الشفافية والمساءلة. كما يجب أن تشجع الحكومات الشريفة على تقديم المساعدة التقنية والخبرات لتعزيز الجهود المحلية لمكافحة الفساد.
هذا ليس وقتًا للانكسار، بل وقت للتحرك والتغيير. يجب على المواطنين العراقيين أن يكونوا القوة التي تدفع نحو تحقيق التغيير. من خلال المشاركة الفعالة في العملية الديمقراطية وضغط الحكومات لتحقيق الإصلاحات، يمكن تحقيق تقدم ملموس في مكافحة الفساد.
الفساد ليس مجرد مشكلة إدارية، بل هو تهديد للأمن والاستقرار والتنمية في العراق. إذا لم يتم التصدي له بجدية، فإن آفة الفساد ستستمر في النمو والانتشار، مما سيؤدي إلى استمرار تجاوز حقوق المواطنين وتدهور الخدمات العامة.
على الختام، يجب أن يكون مكافحة الفساد هدفًا مشتركًا لجميع القوى السياسية والمجتمع المدني في العراق. إنها معركة تحتاج إلى وحدة وعزم، وعلى الجميع أن يعملوا سويًا من أجل بناء وطنٍ نزيه يحقق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. إن مستقبل العراق يعتمد على مكافحة الفساد والتغلب عليه، وهذه المسؤولية تقع على عاتقنا جميعًا