تعتبر ظاهرة غسيل الأموال من الظواهر القديمة تهدف الى إضفاء الشرعية على مصادر الكسب التي حصل من خلالها الانسان على أموال غير مشروعة. وقد تعالت الأصوات المنادية الى مكافحتها خصوصا وان حجمها وصل الى مبالغ تتراوح ما بين 500 مليار ولغاية تريليون دولار سنوياً أي ما يعادل 8% من حجم التجارة العالمية و3% من الناتج الإجمالي للاقتصاد العالمي.
ان الأموال غير المشروعة تسبب اثار مركبة على المجتمع والافراد وبأبعاد مختلفة وتمتد الى كل من النظام السياسي والاقتصادي للدولة. حيث تسبب ظاهرة غسيل الأموال الكثير من الامراض الاقتصادية المزمنة في جسد اقتصاد الدولة التي تعاني منها. وبالتالي تخرج الأموال الى خارج البلاد التي تنحرم من القيمة المضافة لتلك الأموال وما يرتبط ذلك من تشغيل العمالة وعلاج مشكلة البطالة وتوفير جانب من المعروض السلعي، كما ان غسيل الأموال تؤدي الى زيادة الاستهلاك بشكل يفوق الدخل الوطني مما يعني حصول خلل هيكلي ينتهي بانخفاض معدل الادخار الذي يسبب فجوة تمويلية تظهر نتائجها على المدى المتوسط والبعيد على شكل انخفاض في النمو الاقتصادي للدولة.
من الاثار السلبية لغسيل الأموال هو حصول تضخم في أسعار السلع والخدمات للدولة لان هذه الفئة من المستهلكين لا يقيمون وزناً للمنفعة الحدية للنقود ولا يقارنون بالمنفعة الحدية للسلع والخدمات، وفي هذه الاثناء تحاول الدولة السيطرة على التضخم عبر زيادة سعر الفائدة التي لا تجدي نفعاً مع هذا النوع من المستهلكين. وفي ظل تقارب العالم الاقتصادي أصبح العراق جزءاً من اية حالة اقتصادية قد تصيب العالم. سواء كانت بسبب الحروب او التي تسببها الازمات الاقتصادية، ناهيك عن كون العراق له مشاكل خاصة بسبب ما توالت عليه من حروب او حصار او احداث سياسية وما اعقبها من ظواهر اخذت تظهر في الاقتصاد العراقي.
وظهرت ظاهرة غسيل الأموال في العراق باتجاهين الأول تأثير العولمة التي ربطت اقتصاديات الدول بالاقتصاد العالمي والبنوك الكبيرة وصندوق النقد الدولي والتي بدأت بشكل منظم بعد احداث 11 أيلول 2001، والاتجاه الثاني الخاص بالعراق منذ ثمانيات القرن الماضي بعد اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية حيث اصبح العراق بيئة مناسبة لغسيل الأموال والتي توسعت بعد فرض الحصار الدولي عام 1991 عقب عزو الكويت، حيث تنامى في تلك الفترة اقتصاد الظل الذي يحتوي في طياته على العديد من الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة والتي تولد أموال ضخمة. وزادت الظاهرة بشكل كبير بعد عام 2003 خصوصاً بعد اعمال السلب والنهب وانتشار الفوضى السياسية والاقتصادية وظهور الفساد المالي وانتشار سماسرة الاعمار والمقاولات والإرهاب، ويتركز غسيل الأموال في العراق على قطاع العقارات وقطاع التجارة الخارجية التي يتم من خلالها الاستيراد بدون تحويل خارجي رسمي. وقد وصل اقتصاد الظل العراقي خلال فترة الحصار الدولي الى 78% من حجم الاقتصاد والتي تنامت نتيجة تراكمات من سنوات الحصار والحروب الى جانب انتشار السلوكيات الاستهلاكية واستشراء الفساد، وانفصام العلاقة بين العمل ومردوه وانخفاض دخول النشاطات المنتجة وارتفاع دخول نشاطات المضاربة والوسطاء والتي أدت الى اتساع اقتصاد الظل الذي يعتبر من أكبر الأماكن التي تستقبل الأموال غير المشروعة. ويحتاج العراق الى خلق راي عام مناهض لجريمة غسيل الأموال ومزيداً من التشديد على القطاع المصرفي لمنع تكرار التجاوزات التي حصلت في الماضي.