أتذكر حين قررت شراء بيت للسكن في مدينة بغداد عام 2000 إصطدمت بعقدة إحصاء عام 1957 الذي ينص على من يروم شراء دار سكن في بغداد أن يكون مسجلا في إحصاء عام 1957 أو أي أحصاء سابق له. إصطدمت بتلك العقدة علما أن لدي قطعة أرض زراعية في محافظة بغداد (خارج التنظيم الأساسي للعاصمة) مثل سواي من أعمامي وأخوالي حيث نسكن ريف بغداد أبا عن جد. مشكلتي تكمن في أن ولادتي صادفت أن تكون في محافظة بابل مثل سواي من أبناء العراقيين ممن يتجول أباؤهم بين المحافظات بعيدا عن مساقط رؤوسهم بحثا عن العمل أو متطلبات الوظيفة. كان علي البحث عن “تخريجة” لما بدا إنه عقدة. وحيث أن أهلي مسجلين في بغداد خلال إحصاء عام 1934 فقد بحثت في تلك السجلات في إحدى الدوائر القديمة التابعة الى سجلات العقاري بعد “واسطة قوية” فوجدت الصفحة التي تشير الى كل المعلومات المتعلقة بوالدي آنذاك. عندها ثبت عيد حيث جلبت تأييدا لدائرة التسجيل العقاري تثبت أن لدي مايثبت أصولي البغدادية الموغلة في القدم.
بعد التغيير عام 2003 سقطت عقدة بغداد السكنية لكن برزت عقد أخرى سكانية حالت حتى الآن دون إجراء تعداد سكاني في العراق. تذكرت هذه الحكاية وأنا أشارك الأسبوع الماضي في ورشة عمل أقامها الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط بالتعاون مع وزارة التخطيط في حكومة إقليم كردستان وبالتنسيق مع صندوق الأمم المتحدة للسكان الذي تولى الإشراف على هذه الورشة بشخص كبير مستشاري الصندوق في العراق الدكتور مهدي العلاق الرئيس السابق للجهاز المركزي للإحصاء. كانت الورشة تتعلق بدور كل طرف في هذه العملية الكبيرة التي تحولت بعد عام 2003 الى عقدة أخرى لا تتعلق ببغداد العاصمة هذه المرة بقدر ماتتعلق بكل العراق.
فبعد التغيير عامذاك تحول كل شيء الى عقدة بسبب الخلافات السياسية التي تحكمت بالمشهد السياسي في البلاد بين المكونات والطوائف والأديان والمذاهب وتاليا بين القوى والأحزاب والتكتلات. ومع أن الإحصاء العام للسكان كان ينبغي أن يكون خارج سياق أي خلاف مثلما هو مفترض كونه قضية وطنية لا غبار عليها كما يفترض أيضا لكن بسبب الخلاف الذي إمتد ليشمل حتى الوطنية مفهوما وسياقا بحيث تحولت الى عقدة هي الأخرى لا تقابها سوى عقدة “السحب” بسبب مشكلة أخرى مزمنة هي الكهرباء فقد أطاحت الخلافات السياسية بكل الجهود التي كانت تبذلها الأجهزة الحكومية الرسمية وفي المقدمة منها وزارة التخطيط والجهاز المركزي للإحصاء بشأن إستكمال كل مستلزمات إجراء التعداد العام للسكان.
وحيث أن آخر إحصاء أجري في العراق عام 1997 ولم يكن شاملا شأن الإحصاءات التي سبقته ومنها إحصاء 1977 فضلا عن إحصاء عام 1057 فإن الحاجة باتت ماسة لإجراء تعداد أو إحصاء سكاني شامل بعد أن تم تخطي الخلافات السياسية. في الورشة التي إمتدت الى يومين كان كل شيء يمضي بشفافية سواء داخل أروقة وزارة التخطيط والجهاز المركزي للإحصاء عبر ماتم توفيره من بيانات وأرقام وسياقات عمل تولى تنسيقها وتقديمها الى المشاركين بكفاءة عالية المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي, أو عبر التنسيق عالي المستوى بين وزارة التخطيط الإتحادية في بغداد ووزارة التخطيط في الإقليم بشخص وكيلها سيروان محمد الذي بدا متحمسا لهذا الإجراء الوطني الشامل لكل العراق, وهو مابدا لي مقدمة ضرورية بشأن إستكمال كل مستلزمات إحراء التعداد في وقته المعتاد نهاية العام القادم.
مقالي في جريدة “الصباح” اليوم الاثنين