للمزاج Temperament تاريخا طويلا وماضيا قصيرا، وهذا التاريخ الطويل للمزاج بالرغم من الجذور التاريخية له الممتده من قبل الميلاد فإن الاعتقاد الذي كان سائداً في أوروبا وفي العصور الوسطى، وفي عصر النهضة أن سلوك الإنسان يعتمد على توازن أو عدم توازن الأمزجة والمتمثلة في المزاج البلغمي، والدموي، والصفراوي، والسوداوي، وأن كل مادة من هذه المواد موجودة في جسم الإنسان، ولكن إذا هيمنت مادة من هذه المواد فإن مزاجه سوف يتأثر حسب طبيعة تلك المادة.
فالمزاج هو ظاهرة ذات طابع خاص متميز في طبيعة الفرد الانفعالي إذ تعتمد هذه الظاهرة على التكوين الوراثي، وعلى الرغم من أن هناك افتراضا ًمفاده أن المزاج لا يتغير بدءاً من الولادة وحتى الموت، ويمكن للمزاج كما هو الحال لبنية الجسم، والذكاء أن يتغير ضمن حدود معينة، عن طريق التأثيرات العلاجية والجراحية، والغذائية، فضلا ًعن طريق التعلم والخبرات.
ولكن هناك حقيقة تؤشر أن عدة مستويات تكوينية، وكيماوية، وأيضية، وعصبية تمنح للفرد منذ الولادة، وتصبح سمة لشخصيته، وأن التبدلات والتغيرات التي تطرأ له ممكنة، ولكنها محدودة ويعتقد قديما أن المزاج يعود أصله إلى الوراثة، وأن الأخلاط الأربعة الموجودة في الجسم والغدد الصماء، وبنية الجسم هي التي تقرره، إلا أن هناك دليلاً معاصرا يقول إن مزاج الشخص يتأثر بالتعلم إلى حد كبير.
وهناك ثلاثة افتراضات لتكوين المزاج، الافتراض الأول يرى أن الأطفال يبدأون حياتهم بعدد من استعدادات الشخصية الموروثة وتكون هذه الميول الفطرية واسعة، وهي تؤكد بشدة, أشكالا مختلفة من سمات الشخصية، أما الافتراض الثاني فيرى أن الاستعدادات الموروثة تحدد الكثير من الفروق الفردية في الشخصية، أي أن بعض التصرفات ترجع بالدرجة الأولى للوراثة، بينما الافتراض الثالث يرى أن الميول الموروثة الواسعة تقوم البيئة بتدعيمها، وتحويرها.
لقد تأثر علماء الشخصية البولنديون في رسم العلاقة بين المزاج والشخصية بنظرية الفعل – النشاط التي تقدم بها توماسسسكي (Tomaszewaki) التي هي في الواقع امتداد لوجهات نظر فيجوتسكي ( Vegotsky )، فالشخصية تعد النظام المركزي الذي ينظم النشاط الذي يقوم به الفرد، وتعمل على تكامله، فضلاً على إنها مجموعة من الآليات التنظيمية المناسبة التي تشكل في أثناء قيام الفرد ضمن سياقات وبيئات تاريخية اجتماعية معينة، ومن هنا تتضح العلاقة أن نشاط الفرد يتبع حسب مزاجه وحسب الانفعالات التي يمر بها.
فشخصية الفرد تتأثر في نوع الانفعالات التي يتعرض لها، وفي هيمنة استعدادات انفعالية لنمط معين متميز أو مزاج سائد، فمثلاً التوجس الذي يبديه الفرد لموقف معين يدل على حالته المزاجية من عدم الارتياح بينما في موقف آخر فيه نوع من الرضا، والشعور بالسعادة فإن حالته المزاجية تميل إلى الابتهاج، ولا شك أن البيئة بوسعها أن تعدل المزاج ولكن هناك عددا من القيود فأثر بيئة معينة يعدل جزئياً من المزاج، وعلى المدى البعيد الضغط الشديد من البيئة لا يمكن أن يغير جذرياً من الاستعداد الطبيعي الوراثي للمزاج، وهذا جعل من علماء النفس يركزون على الجوانب المعرفية ومنها الذكاء أكثر من الاهتمام بالجوانب الانفعالية ومنها المزاج وكان الذكاء هو السمة التي شغلت اهتماماتهم البحثية في تناول ظاهرة الفروق الفردية وقياسها، إلا أن النظرة الحديثة للمزاج كأساس انفعالي للشخصية يجعل الفرد متميزاً بذاته وهو لا يمكن أن يكون كذلك ألا إذا اختلف عن الآخرين في أساليب استجاباته وحالته الانفعالية، ودوافعه وميوله التي تتضمن قياس سلوك الفرد من خلال تصرفاته المتكررة اليومية، والتي تميزه عن غيره من الأفراد في المواقف العادية فهناك أفراد بطبيعتهم يميلون إلى الانطواء في حين البعض الآخر يميل إلى الانبساط وإظهار الذات في المواقف العادية التي تخلو الظروف والبواعث الاستثنائية بالنسبة لهذا الفرد لأن ما يبدو أنه نموذجاً من سلوكه اليومي، أما الذكاء فانه يمثل أقصى الأداء يتحدد في ما يمكن أن يقوم به الفرد في المواقف التي تحتاج إلى حل المشكلات الذهنية المختلفة والتي تواجه الفرد، والتي يتعين فيها استخدام ذكائه، وقدراته المختلفة.
وعلى العموم ينظر إلى المزاج على انه أساس انفعالي ثابت إلى حد ما يختلف باختلاف الحالة العقلية ويماثل حالة الجسم في مختلف أوضاعه والتغيرات الانفعالية التي ترتبط بما يواجه الفرد في حياته، والتي تطلق عليها المنظومات المزاجية التي تتضمن أساليب النشاط الانفعالي النزعوي التي تفسر بالدوافع المختلفة، ويظهر هذا التنظيم في ميول الفرد ورغباته وسماته المزاجية والنشاط الانفعالي وتأثيراته يتوقف على أمرين: أولهما الموقف والثاني الفرد وحالته الجسمية، والعقلية. فالاستعداد للتأثير الانفعالي يختلف من فرد إلى آخر، ويختلف في الفرد الواحد من وقت إلى آخر وذلك حسب عوامل بعضها فطري دائم، وبعضها مؤقت، فالفرد في حالة التعب أو الراحة والمرض، أو الصحة، والمرح أو الاكتئاب، نجده أكثر استعداداً بطريقة معينة عنه بطريقة أخرى، ويتوقف الاستعداد للتأثير الانفعالي إلى حد كبير على الحالة الغدية، والعصبية، والشخصية، وعلى ما يجري في الجسم من عمليات الهدم، والبناء والعمليات الكيماوية المختلفة، وهذا الجزء من الاستعداد يطلق عليه المزاج.
ولكن حينما نصف شخصية الفرد نقول إنه سريع الانفعال أو بطيء الانفعال، أي أننا نصف مظاهر حياته الانفعالية وطريقة سيرها وهذا ما نسميه ” الطبع” (Temper) كذلك يحدث أن يبدأ الواحد يومه منقبضاً ويستمر انقباضه مدة طويلة كذلك نراه مرحاً أو غاضباً أو مشمئزاً ثم نراه يستمر لمدة طويلة حتى بعد زوال أسبابها هذه الظاهرة تسمى”حالة مزاجية” (Mood ).
ويختلف المزاج عن الحالة المزاجية، إذ إن الحالة المزاجية تكون نمطا انفعالياً وقتياً، في حين يكون المزاج دائمياً مستمراً ويكون الطريقة المُميزة للفرد في توافقه مع الحياة.
فالفرد الذي لديه استعداد للابتهاج أو يكون مبتهجا حسب مزاجه يستجيب بطريقة قابلة أن يُتنبأ بها.
وهو يبنى على ما لدى الفرد من الطاقة الانفعالية التي يتزود بها من بداية طفولته والتي تعد أساساً وراثياً ويمكن أن تلاحظ الحالة المزاجية للفرد في طباعه، ومشاعره ونوع انفعالاته أو بطئها.
ولما كان المزاج يحدد سلوك الفرد فإن هذا السلوك هو الأداء الذي يعطينا ما نريد، ويتغير نتيجة محاولته في إحداث التوافق أو التكيف في البيئة ومواجهة الظروف الجديدة.
إن المزاج الذي ولدنا به يترك في كل فرد حاجة يجب أن يتم إشباعها يوميا كما يترك أثره، وبصماته على كل فعل من أفعالنا ويجعل هذه الأفعال مميزة لهذا الفرد دون غيره ويمكن ملاحظة هذه الأفعال في حياتنا اليومية واختلاف الأفراد فيها.فكلما ترتبط الصفة بالوراثة ارتباطاً كثيراً كلما كانت أقل قابلية للتعديل والعوامل الأساسية للشخصية وهي الناحية الجسمية والذكاء والمزاج تتأثر بالوراثة ولا تتأثر إلا قليلاً بالظروف التي تلي الميلاد، ولكن الإنسان بنشاطه ليس بيولوجيا فحسب وإنما هناك نشاط آخر لا يقل أهمية عنه وهو النشاط النفسي وحينما ينظر الباحثون إلى الإنسان نظرة كلية شاملة ويعدونه وحدة واحدة لا يتجزأ بوصفه وحدة بيولوجية ونفسية واجتماعية فإن هذا التصور يحتم على من يدرس النشاط النفسي للإنسان وما يعتريه من حالات التغير والاتزان أن يأخذ بنظر الاعتبار هذا التصور، والحقيقة حينما يتناول باحث الجانب البيولوجي، والجانب النفسي في سلوك الإنسان لا يمكن أن يفصل بينهما في الواقع إذ إن ما هو بيولوجي يؤثر بما هو نفسي والعكس صحيح وإذا كان النشاط البيولوجي أمرا لا مفر منه للإنسان فإن النشاط النفسي يعد أيضا كذلك.
فأنماط سلوك الفرد وشخصيته تتحدد ببيئته المادية والاجتماعية التي تؤثر فيها ويتأثر بها وهذا التفاعل الديناميكي يعود إلى عدة عوامل بعضها يرجع إلى مقومات حالته السلوكية وتعد شخصية الفرد المحصلة النهائية لهذا التفاعل ولذا تكون المصدر الرئيسي لجميع المظاهر النفسية.
لقد اعتقد فرويد Freud بوجهة نظر جبرية بما يتعلق بالإنسان فكل شيء تعلمه ويفكر فيه وحتى الأحلام كانت مقررة مسبقاً بواسطة قوى متعذر بلوغها، وغير مرئية داخلنا فنحن دائما بقبضة غريزة الحياة وغريزة الموت، وإن شخصيتنا في الكبر محددة كلياً بواسطة التفاعل الذي حدث قبل أن نصل إلى سن الخامسة في وقت كان لنا سيطرة محددة على حياتنا ويضيف فرويد أن ما يدفعنا بداخلنا غريزة الحب والحياة وأن الدوافع السامية عبارة عن نسخ من هذه الغريزة. كذلك يعتقد زملاؤه وتابعوه الفكرة نفسها ويؤمنون بالدوافع الواحدة.
ومما تقدم نرى أن المزاج ما أسس عليه البدن والطبائع والأحوال الصحية أو المرضية وما أسس عليه البدن من الأخلاط الأربعة التي تلقي بظلالها على الشخصية الإنسانية لذا تبقى العلاقة بين الشخصية علاقة تناغم أكثر من تنافر لكي يبقى المزاج ظاهرة مميزة لطبيعة الفرد في الجانب الانفعالي من شخصيته التي تضمن قابلية الاستثارة الانفعالية وقوة وسرعة استجابته بما يحقق حالة من التكيف الاجتماعي مع المحيط الذي حوله ويعزز شخصيته نحو الأفضل.