دروس تربوية من فريضة الصيام… الاستاذ الدكتور. عبدالحسين رزوقي الجبوري

    من الأسئلة التي يتحاور فيها عامة الناس، ذلك السؤال المتعلق بالحكمة من الصوم.. هذا السؤال الذي لو أردنا الإجابة عليه لاحتجنا دون أدنى مبالغة إلى سلسلة من المقالات، اذ أن كل ما توصل إليه الباحثون في فلسفة وحكمة وفوائد الصوم لا يقتصر على مجال الفقه و الدين فحسب، وإنما في جميع المجالات المتعلقة بموضوع الصوم، لا يزال يشكل النزر اليسير من الحكمة الكلية. إذن سوف لن نزعم في هذا الموضوع أننا سوف نجيب الإجابة الوافية والمستوفية على هذا السؤال لعدم إمكانية ذلك في إطار مقال أو حتى أكثر من مقال، ذلك أن فلسفة هذه العبادة الربانية إنما تحتاج المزيد من البحث والتحري للوصول للمعاني الكبيرة والمضامين التربوية والأخلاقية والتعبدية الكامنة فيها.
    لو تفحصنا تاريخ الصوم بصفة عامة في الشرائع التي سبقت التشريع الإسلامي، فإننا نجد أن جميع تلك الأمم السابقة قد فرض الله عليه هذا النوع من العبادة ولم يختص بها التشريع الإسلامي دوناً عن تلك التشريعات السابقة التي جاء مصدقاً لها، رغم الاختلاف في طبيعة تلك الفريضة وكيفية الإتيان بها. ولو تتبعنا تلك الكيفيات فإننا نرى أن الصوم من حيث الأسلوب والكيفية جاء محصوراً في الفترة ما بين الفجر والغروب، وهو ما يدفع البعض للتساؤل: لماذا هذا التحديد؟ لماذا لم يكن وقت الصيام أكثر أو أقل؟ ولعل الإجابة البديهية التي يمكن من خلالها التعليق على تلك الأسئلة وأمثالها، هي أن الله سبحانه وتعالى إنما يُعبد كما يريد هو لا كما يريد العابد. قال تعالى (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)( الشورى-15) وكذلك (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (هود-112) إذن الطاعة لله من حيث الأسلوب والكيفية والوقت والشكل والمضمون وغير ذلك هو أمر يختص به المعبود لا العابد، لذلك نجد الله سبحانه وتعالى قد حرم الجنة على إبليس بعد أن طرده منها رغم إقراره بأن الله سبحانه وتعالى هو خالق الكون والكائنات ورغم عبادته له والتي فاقت الستين ألف سنة كما في المأثور الروائي، إلا أنه في لحظة واحدة رفض أن يعبد الله جلى وعلى كما يريد الله من خلال السجود لآدم، واتخذ رأياً خاصا به أما إرادة الله سبحانه وتعالى (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) (سورة ص-76) فماذا كان الجواب؟ (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ، وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) (سورة ص 77-78) إلى آخر تلك القصة.
    فالنتيجة إذن، هي أن أسلوب الصوم وغيره من العبادات، هي من مختصات الله وحده جل شأنه، وليست متروكة للتنظير من قبل الناس مهما بلغت درجة علميتهم. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة-183) وهذا يعني أن المخالفة لتلك الكيفية يترتب عليها العقاب من الله سبحانه وتعالى، وهو المعنى الذي عبر عنه أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام اذ قال: “وصوم رمضان جُنّة من العقاب” أي وقاية من العقاب.
    واذا نظرنا الى الصوم من ناحية منطقية فانه يضمن عدم تعرض الأفراد للعقاب الإلهي، ولكن ما هو المغزى التربوي من هذه الشعيرة؟ هل نصوم خشية العقاب أو رغبة في الثواب؟ ان هذا مقدمة لفلسفة الثواب والعقاب في الصيام، ولكن المعنى الأشمل يجسده لنا الإمام علي عليه السلام إذ يقول: “لكل شيء زكاة، وزكاة البدن الصيام”.. فإذا علمنا أن الزكاة أساسا هي تطهير للمال (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (سورة التوبة-103) فهذا يعني أن تلك العبارة من الرائعة من أمير المؤمنين عليه السلام تعني أن الصوم هو تطهير للجسم وتنقية وتصفية له. ولأن البدن بدون نفس يكون ميتا لا حياة فيه ولا قيمة له، فإن المقصود بتطهير البدن هنا تطهير الإنسان ببعديه المادي المتمثل في الجسم والمعنوي المتمثل في النفس. فأما على البعد الأول، فإنه ثبت علمياً أن في الصيام العديد من الفوائد الطبية التي تمتد من إراحة أعضاء الجسم وأحشائه لمدة شهر كامل في السنة وانتهاء بعلاج العديد من الأمراض الجسمية. أما على الصعيد المعنوي والروحي فإن فيه تحصين للنفس عن الآثام، وتجنيبا لها عن الوقوع في الرذائل والمعاصي، وتحصينا لها من الانقياد وراء أهواء النفس وشهواتها الجامحة. ومحصلة الحديث أن الصوم إنما يبعث في الإنسان الصفاء البدني والروحي على حد سواء، ولذلك اعتبره الإمام عليه السلام زكاة للبدن.
    إن طبيعة التكوين الإنساني نتاج البعدين المادي والمعنوي، أي الجسد والروح، تدفع بالإنسان للسعي الدؤوب لبلوغ أعلى المراتب التي أرادها الله لهذا المخلوق. فالروح مرتبطة بالله سبحانه وتعالى، وعليه فإنها تكون مجبولة على الكمال والرقي، وهي كما نلاحظ في كل القرآن مرتبطة دوماً بالسماء بما يشير إلى العلو، بينما نرى الجسد مرتبط دوما بالأرض في ما يشير إلى التسافل، علاوة على ما يعتريه من تغير ونقص وضعف خلال فترة الحياة وتآكل وتحلل وذوبان وتعفن بعد الممات. وهذا يعني، أن الإنسان لابد وأن يسعى للترقي بنفسه من خلا تساميه على المادة أي الجسد، وسعيه للتعلق بالعنصر العالي المتمثل في الروح، ليكون بذلك قد حقق الرقي المطلوب وسعى نحو الكمال المنشود، وكان الخليفة الموعود (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة…) (سورة البقرة-30)
    ولو أمعنا النظر في إمكانية تحقيق تلك المعادلة، فإننا نجد أن سمو الروح لا يمكن أن يتحقق إلا بمساعد الجسد، ولأن السمو له مواصفات لا تتناسب وطبيعة الجسد أساساً، فإن ذلك يعني أنه تجب الاستفادة من الجسد والاستعانة به، ولكن دون الرضوخ إليه والخضوع لرغباته. وبمعنى آخر، فإنه يمكن أن تسمو الروح من خلال ترويض الجسد والنفس على حد سواء. وهذا عينه ما نجده في الصوم وفق الكيفية التي أرادها الله وأمر بها، فلا أكل ولا شرب كلما أراد الجسم ذلك، أو أمرت النفس بذلك، وإنما الأمر هنا لله، وأمر الله هو ما تتمشى معه رغبة روح الإيمان، فتكون الضوابط والتنظيم. وعلى الجانب الآخر، لا نوم ولا راحة في الوقت الذي يريده الجسم، وإنما الوقت الذي يريده الله، وهو ما يمثل الشق الآخر من العملية التنظيمية.. وقس على ذلك.
    ولا تنحصر منافع الصوم في المنافع الفردية، ذلك أن الصوم عبادة فردية من حيث التطبيق، جمعية من حيث المنفعة. فكلنا نلاحظ حالة التقارب والتآلف بين الأصدقاء والجيران والأهل والأقارب في هذا الشهر الفضيل. ولا أظن أحدا يصوم صوماً حقيقياً، ويرى فقيراً جائعاً ولا يبادر لإطعامه، ذلك أنه الآن بات يحس بألم الجوع والعطش، ويشعر بما يشعر به الفقير الذي لا يكاد يجد ما يسد رمقه أو يسكت بطنه.. وغير ذلك الكثير مما يبرهن عن الفوائد الاجتماعية الجمة للصوم. ولكن مع ذلك، يبقى الصوم عبادة فردية إذ أن الإنسان يقوم بها بمفرده وليس في جماعة. وفي هذا الإطار نشير إلى أمر مهم ندرك من خلاله مكانة هذه العبادة، وهو أن جميع العبادات من صلاة وحج وزكاة وغير ذلك هي عبادات مرئية أو ظاهرة، بمعنى أنه من الممكن مشاهدتها، فالإنسان عندما يصلي يراه الناس، وعندما يدفع الصدقات أو الزكاة يراه الناس، وعندما يؤدي مناسك الحج يراه الناس، لكن لا يمكن أن نقول أن الناس ترى هذا الإنسان صائماً، لأنه حاله داخلية لا يمكن رصدها من الاخرين . وعليه، فإننا نقف عند مقارنة مهمة هنا بين الصوم من جهة وبقية العبادات من الجهة الأخرى، وهو أن كل تلك العبادات قابلة لأن تكون موضع رياء إلا الصوم، إذ أنه ينطوي على المشقة والتعب أصلاً.. فيمكن لمنافق أو مرائي أن يقف للصلاة ويؤديها كاملة فقط لكي يوهم الآخرين أنه مؤمن محافظ على الصلاة ومطيل فيها.. ويمكن له أيضا أن يدفع المال مرة بعنوان الزكاة وأخرى بعنوان مساعدة المحتاج وثالثة بهدف دفع الغير الى ان يسلكوا العمل نفسه ، وغيرها من العناوين مثل ان يمتدحه الناس وليس تلبية لأمر الله أكثر.. ولكنه بالتأكيد لا يصوم شهر رمضان صياما حقيقيا فيتحمل التعب والمشقة فقط لكي يرائي الناس.. نعم، يمكن له أن يتظاهر بالصيام أمام الناس، لكنه ما يلبث أن يختفي عن أنظارهم، حتى يهرول للأكل والشرب والملذات الأخرى.. فالصيام إذن هو طاعة وعبادة تنطوي على الابتلاء والاختبار الإلهي من خلال تحمل التعب والمشقة والعناء في سبيل طاعة الله، وهو المعنى الذي أكد عليه الامام علي عليه السلام في قوله:
    ” الصيام ابتلاء لإخلاص الخَلق”.
    إن المضمون التربوي في هذه العبادة يقوم على ثلاث ركائز أساسية هي ترويض النفس وإخضاعها للعقل لتحقيق السمو الإنساني، اجتناب المعاصي التي نهى الله عنها في السر والعلن، والقيام بالطاعات التي أمر الله بها في السر والعلن.
    فالإمام زين العابدين (عليه السلام) يقول (أعنا على صيامه بكف الجوارح عن معاصيك، واستعمالها فيه بما يرضيك، حتى لا نصغي بأسماعنا إلى لغو ولا نسرع بأبصارنا إلى لهو، وحتى لا نبسط أيدينا إلى محظور، ولا نخطو بأقدامنا إلى محجور، وحتى لا تعي بطوننا الا ما أحللت، ولا تنطق ألسنتنا إلا بما مثلت، ولا نتكلف الا ما يدني من ثوابك، ولا نتعاطى الا الذي يقي من عقابك) وهذا خير تجسيد على أن الصيام ليس الامتناع عن الأكل والشرب، وإنما هو أعمق من ذلك بكثير.
    ولأن المنهج الإسلامي هو منهج تربوي في كل جزئياته ودقائقه، فإننا نرى أن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو مربي هذه الأمة قد أولى هذه الشعيرة مساحة بارزة من الاهتمام والتأكيد، ليس أقل شأنا قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في استقبال شهر رمضان المبارك: “أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب، فسلوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم. واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم، ومساكينكم، ووقروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضوا عما لا يحل النظر أليه أبصاركم، وعما لا يحل الاستماع أليه أسماعكم، وتحننوا على أيتام المسلمين يتحنن على أيتامكم، وتوبوا إليه من ذنوبكم، وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء أوقات صلواتكم فأنها أفضل الساعات ينظر الله عز وجل فيها بالرحمة إلى عباده، يجيبهم إذا ناجوه، ويلبيهم إذا نادوه، ويستجيب لهم إذا دعوه. أيها الناس: إن أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أوزانكم فخففوا عنها بطول سجودكم، واعلموا أن الله تعالى ذكره أقسم بعزته أن لا يعذب المصلين والساجدين وأن لا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين. أيها الناس من فطر صائما مؤمنا في هذا الشهر كان له بذلك عتق رقبة ومغفرة لما مضى من ذنوبه”
    لقد لخص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه العبارات البليغة الموجزة وهو سيد البلاغة رسالة رمضان التربوية في تعامل الإنسان مع ربه وتعامل الإنسان مع أخيه الإنسان.. وليس لدي تعليق سوى أن اطلب من القارئ الكريم أن يتأمل المعاني السامية التي تضمنتها الخطبة وسيجد دروساً تربوية غاية في الروعة والجمال والسمو الكمال.
    كذلك أدعوك عزيز القارئ لأن تتأمل في ذلك الكم الكبير من أحاديث الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعبارات الأئمة الأطهار عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام، وفي مقدمتهم أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام ) والذي يقول في ما يقول: “فطرك أخاك الصائم أفضل من صيامك”، فأي درس في المودة والألفة والأخوة أشد وقعا من هذا الدرس؟!! صيامك أيها المؤمن ينتهي بانتهاء الوقت الشرعي المحدد، فلا تجعله ثوابك فيه محدوداً، ولبي دعوة الامام علي (عليه السلام) بدعوة صائم لمائدة رمضان وافطرا معاً لتكون الحلاوة مضاعفة، حلاوة إتمامكما لصيام ذلك اليوم، وحلاوة المحبة والتآخي بينكما.. فإن طمعت في الثواب الأعظم فليكن المدعو فقيراً يشاطرك نعم الله التي أنعم عليك، فليس الصيام لكي يعيش الفقراء مع أمثالهم والأغنياء في طبقاتهم، وإنما ليتحسس الغني جوع الفقير ومشقة حياته، وليستوي الاثنان بفضل هذه الشهر المبارك كما قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): “إنما فرض الله الصيام ليستوي به الغني والفقير”..
    وقبل أن نصل إلى ختام هذا المقال، فلنحاول معاً تلخيص المضامين التربوية الأخرى في هذه الشعيرة:
    أولاً: إن التزام توقيت واحد في الإمساك والإفطار، يبدأ من الفجر الصادق إلى الغروب، يجعل من المسلمين في كافة أرجاء الأرض يلتزمون نظاماً واحداً في الغذاء وفي المعيشة. وهذا الأمر في حد ذاته دعوة للتآلف والتحاب والتوحد بين المسلمين وإن كانت الأجسام متفرقة بفعل المسافات.
    ثانياً: إن الصيام يقوم على أساس ترويض النفس كما ذكرنا، ولكن ذلك لا يعني تعذيب النفس وتأليمها وحرمانها مما تحتاج. لذلك أمر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بالموازنة بين الهدف من الصيام وحاجة الجسم، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): “إن الله وملائكته يصلون على المستغفرين والمتسحرين بالأسحار فتسحروا ولو بجرع الماء”.. ألا يحب المؤمن أن تصلي عليه الملائكة وصلاة الملائكة فيها تنزيل لرحمة الله وغفرانه للذنوب. كذلك نرى أن المشرع سبحانه وتعالى قد أعفى المريض والمسافر مثلا من الصوم، فارضا عليهم القضاء عند زوال السبب الذي قد ينطوي عليه إيذاء النفس أو المشقة الزائدة.

    ثالثاً: إن الصيام عبادة تقوم على أساس القناعة والإيمان بها، لذا كان الثواب المترتب عليها أعظم مما يمكن وصفه بالكلمات، وهذا ما نجده في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): “ما من مؤمن يصوم رمضان إيمانا واحتسابا إلا وجب الله تبارك وتعالى له سبع خصال: يذوب الحرام من جسده، ويقرب من رحمة الله عز وجل، ويكون قد كفر خطيئة أبيه آدم عليه السلام، ويهون الله عليه سكرات الموت، وأمان من الجوع والعطش يوم القيامة، ويعطيه الله براءة من النار، ويطعمه الله طيبات الجنة”.
    هذه شذرات عابرة من مكانة الشهر المبارك، ومن الفلسفة العامة للصيام، ومن الأجر والثواب المترتب على القيام به على أكمل وجه.. وكما قلنا، ليس في مقدورنا وإن أردنا أن نحصر كل تلك المظاهر الإيمانية والتربوية في هذه الشعيرة الربانية، لكننا سعينا ونسأل الله تعالى التوفيق أن ننبه إلى أهمية التعبد بأمر الله وطاعته، في وقت أخذ فيه العديد من الناس يهجرون هذا الشهر الكريم، ويتخذون منه كرنفالا واحتفالا سنوياً يلهون فيه ويلعبون ويسهرون أمام شاشات التلفاز والمسارح وغير ذلك من اللهو الدنيوي تاركين الله سبحانه وتعالى وأوامره وراء ظهورهم. فمن سهرة إلى أخرى ومن برنامج إلى آخر، حتى يأتي آخر الليل وقد داخل هذا العاصي الذي يعتقد أنه يطيع الله إذا ما امتنع عن الأكل والشرب في هذا الشهر التعب والإجهاد، فيلقي برأسه على سريره، والمنادي ينادي بأذان الفجر دون أن يعيره اهتمام، متناسيا قول الله تعالى: (إن قرآن الفجر كان مشهودا) (سورة الإسراء-78)
    وختاما أدعو لنفسي ولكم بدعاء نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبله منا ويجيبنا عليه، ومن يجيب الدعاء غيره عز وجل:
    اللهم اجعلني محبا لأوليائك، ومعاديا لا عدائك، مستنا بسنة خاتم أنبيائك،
    اللهم اجعل صيامي في شهرك هذا صيام الصائمين
    وقيامي فيه قيام القائمين
    ونبهني فيه عن نومة الغافلين
    وصلي يا ربي على أشرف الأنبياء والمرسلين
    سيدنا محمد وآله الكرام الميامين
    وصحبه الأخيار المنتجبين
    يا أرحم الراحمين
    اللهم آمين

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة