11 عاماً مرت على تغيير الحكم الذي استمر 35 سنة، حيث كانت السلطة تحت قيادة الحزب الواحد، الذي ضرب كل الأحزاب والمعارضين له، وما زالت آثار حكمه وتسلطه وما فعله من مقابر جماعية لجثث معارضيه، ظاهرة على المجتمع بشكل واضح، وما زالت ساحة الفردوس وسط بغداد تحمل “حذاء الصنم” المتمثل بقدم تمثال صدام حسين، الذي أسقطه الجيش الأميركي وسط حفل جماهيري صاخب وفرح وتعطش للحرية.
مشاكل الحرية المفاجئة
بعد الحكم الدكتاتوري الذي غير مفاهيم العيش لدى المواطن العراقي، لم يستطع المجتمع التعامل مع الحرية التي أغدقت عليه بكم هائل فجأة، حتى راح الكثير من أبناء الشعب يتصرف مع كل شيء بعبثية مطلقة، معتبرين تصرفاتهم، حرية كانوا محرومين منها وجاء الوقت المناسب للتمتع بها، حيث راح الكثيرون منهم يستولون وينهبون ويسرقون الأموال العامة من دوائر للدولة والمستشفيات والمراكز الشرطة والوزارات والمصارف، وأحرقوا الكثير منها، بحجة الحرمان والحرية المتاحة لهم التي حرمهم منها نظام صدام.
حتى باتت بغداد والكثير من المحافظات تعيش حالة فوضى عارمة دمرت الكثير من مفاصل الدولة، الفوضى التي لم يضع لها حد الجيش الأميركي، الذي كان يحكم العراق عسكرياً والمسيطر على زمام الأمور.
الأمن.. الحلم المفقود
منذ عام 2003 وحتى نهاية 2013 سقط أكثر من نصف مليون عراقي بين قتيل وجريح بأعمال العنف والتفجيرات وحرب طائفية مرت على الشعب، حسب تصريحات صحفية للجنة الشهداء والسجناء البرلمانية، وما زالت الحصيلة مستمرة وسط ضياع الأمن والعيش تحت وطئة الإرهاب والقتل اليومي، وتظل هشاشة الأمن مستمرة ومرتبطة بتدهور الاقتصاد والتدخلات الإقليمية في الشأن العراقي.
الصراع الطائفي – السياسي
يواجه العراق مشكلة تجاذبات طائفية أثرت بشكل مباشر على الصراع السياسي، وأسهمت في انقسام الشارع حسب الدين والمذهب والطائفة والقومية، ما أدى إلى تصنيف السياسة حسب الدين والمذهب بدء من التقسيم الذي حصل في مجلس الحكم عام 2004.
ويرى مسؤولون في البيت الأبيض الأميركي، أن المشكلة الطائفية نتجت عن أخطاء سياسية ارتكبتها الأحزاب الإسلامية لأن وجودها في السلطة يرسخ فكرة الطائفية السياسية، حسب وصفهم.
وأضافوا أن الطائفية أصبحت إقليمية بحكم وجود العراق ضمن المحور الإيراني – السوري بسبب عوامل عدة منها مقاطعة الدول العربية للعراق منذ 2003.
وأشاروا إلى أن تركيبة المجتمع العراقي الديموغرافية مقسمة إلى جنوب شيعي وغرب سني ومناطق مختلطة كانت تعيش تعايشا سلميا تحت ضغط الدكتاتورية، معتبرين أن الفوضى جعلت بعض الخلايا التي تتربح من الصراع الطائفي تشيع هذه الظاهرة.
مصير حقوق الإنسان
في مجال حقوق الإنسان وجهت منظمات دولية انتقادات كثيرة للعراق، مشيرة إلى أن هذا الملف ما زال في عداد الملفات التي لم تتمكن الحكومة العراقية من حلها بعد سقوط نظام صدام حسين، والبلاد لا تزال عالقة في حلقة رهيبة من انتهاكات حقوق الإنسان، منها الهجمات ضد المدنيين وتعذيب المعتقلين والمحاكمات الجائرة، حسب تقارير لمراقبين دوليين.
وتتهم السلطات بعجزها المستمر عن مراعاة التزاماتها باحترام حقوق الإنسان وحكم القانون في مواجهة الهجمات المميتة المستمرة من قبل الجماعات المسلحة، التي تظهر ازدراءا لحياة المدنيين.
ورغم تمتع العديد من العراقيين اليوم بحريات أكبر من تلك التي كانوا يتمتعون بها في ظل نظام حزب البعث، ولكن المكتسبات الأساسية لحقوق الإنسان، التي كان ينبغي تحقيقها خلال السنوات المنصرمة، فشلت فشلا ذريعا في التجسد.
وقدم تقرير من منظمة العفو الدولي المعنون بـ”عقد من الانتهاكات” عرضا مطولاً لتعذيب وإساءة معاملة المعتقلين على أيدي قوات الأمن العراقية والقوات الأجنبية في أعقاب دخول الجيش الأميركي العراق عام 2003، مبينة أن أحكام الإعدام تستخدم على نطاق “مرعب” في العراق.
وأشارت إلى أنه حكم على العديد من السجناء بالإعدام إثر محاكمات جائرة وعلى أساس اعترافات أرغموا على الإدلاء بها تحت وطأة التعذيب.
الخاسر الأكبر
إن المتضرر الأكبر بعد التغيير عام 2003، وأيضاً قبل ذلك العام هم الأقليات الدينية التي أصبحت في تناقص مستمر قد يهدد بزوالها من مناطق البلد، فيما بقي إقليم كردستان أكثر أمناً وقبولاً لها.
وعانت الأقليات من هجمات عنيفة وتمييز عنصري وديني، والعديد من المسيحيين والإيزيديين والمندائيين فروا إلى خارج البلاد، لإن أعمال العنف والخطف والهجمات على الأقليات الدينية تحدث يوميا، وتتعرض الكنائس عادة لهجمات بتفجيرات، ما جعل الكثير من المسيحيين يغادرون العراق، فمن عددهم الذي كان في السابق أكثر من مليون مسيحي في أرض العراق، لم يبق منهم سوى بضعة آلاف، وتعاني أقليات العراق الدينية الأخرى من المصير نفسه.
بانتظار الأمل
ما زال الجميع يأمل بتغيير الأوضاع في البلاد بشكل عام وفي جميع المجالات الأمنية منها والاقتصادية والسياسية وغيرها، حتى بات التغيير الذي كان يتفق الكثيرون على أنه حصل في عام 2003، أنه لم يحدث حتى الآن والجميع بانتظاره وما زال الشعب ينتظر التغيير.