الكاتب والمحلل السياسي/ رامي الشاعر
لم تدهشني أي من التصريحات الغربية التي تؤكد، بكل ثقة ويقين، عدم ضلوع النظام النازي بأوكرانيا في العملية الإرهابية التي ارتكبت في ضواحي موسكو في مركز “كروكوس سيتي هول”، وأسفرت عن مقتل 143 من المدنيين العزل رمياً بالرصاص الحي.
كذلك لم يدهشني ما يدعيه الغرب من عدم وجود أي علاقة مباشرة بالأحداث الدائرة بين روسيا وأوكرانيا منذ 2014، وتجنيد أجهزة الاستخبارات الغربية لعناصر أوكرانية، ووضع أوكرانيا بأسرها رهن مخططات الغرب الخبيثة لزعزعة الاستقرار في روسيا، وتقسيم أوكرانيا إلى غرب موالٍ لأوروبا، وشرق وجنوب لا تتم مراعاة مصالحه واستهدافه وقمعه بل وشن عمليات عسكرية ضده، ما أسفر عن انفصال الدونباس والقرم، ورغبة سكان تلك المناطق في الانضمام إلى روسيا، وخسارة أوكرانيا لتلك الأراضي ومن عليها إلى الأبد.
هكذا يدعي الغرب، وكأن روسيا بدأت الغزو دون مبرر، وبلا سبب، ولا علاقة بينه وبين أوكرانيا من قريب أو بعيد. تماماً، وبنفس الكيفية يدعي الغرب أن لا علاقة لأوكرانيا بـ “داعش”، و”خلية خراسان” التي نفذت، فيما تفيد وسائل الإعلام حتى الآن، العملية الإرهابية في “كروكوس”، على الرغم من هروب المنفذين نحو الحدود الغربية الروسية، إلى منطقة كان الجانب الأوكراني سيفتح لهم فيها نافذة ليستقبلوهم استقبال الأبطال (كما كانوا يظنّون، بينما الواقع أنه كان سيتم تصفيتهم جسدياً بمجرد عبورهم الحدود لدفن كل الخيوط المتعلقة بهذه الجريمة، كما جرى تصفية ما قاموا بقتل دبلوماسيي السفارة الروسية في بغداد، ولا أستغرب أن تكون نفس الجهة المنفذة في بغداد هي نفس الجهة الغربية وراء حادث “كروكوس”).
لقد تم تجنيد هذه المجموعة من اللابشر، ولا أستطيع أن أقول مسلمين متطرفين أو حتى الملحدين، لأن الملحد قد يلتزم بقوانين ونواميس الطبيعة البشرية، فلا يقتل ولا يعيث في الأرض فساداً على هذا النحو الوحشي غير الآدمي. كذلك فلا تنطبق على هؤلاء صفة الإرهابيين، لأن حتى الإرهابيين لهم عقائد وأهداف وخلفيات سياسية يعتقدون فيها، وينفذون أعمالهم تحقيقاً لأهدافها، لهذا أسمي هؤلاء باللابشر والكائنات المجرمة التي لم ترق حتى إلى أن تنتمي لعالم الحيوان. لا بشر استأجرتهم أجهزة الاستخبارات الغربية التي تعمل الآن على الأراضي الأوكرانية، بعد الفشل الذريع الذي مني به الهجوم الأوكراني المضاد، لينفذوا العملية الإرهابية النكراء على الأراضي الروسية، لإثبات القدرة على الوصول إلى العمق الروسي أولاً، وللطعن في مصداقية وموثوقية واحترافية أجهزة الأمن الروسية ثانياً، ولمحاولة زعزعة استقرار الداخل الروسي وبث الرعب في المواطنين الروس، والشك في قيادتهم ثالثاً، ورابعاً وليس آخراً، دق إسفين في العلاقة بين روسيا ودولة طاجيكستان الواقعة في آسيا الوسطى، خاصة وأن مئات الآلاف من مواطني هذه الدولة يعملون في روسيا.
ومن أنسب في تنفيذ هذا الغرض ممن يسمّون أنفسهم بـ “المسلمين المجاهدين في سبيل الله” من الإرهابيين المتطرفين من “داعش” و”الدولة الإسلامية”، الذين لا يجرؤون على المساس بأي من المصالح الصهيونية أو الأمريكية بأي ضرر، لكنهم، وبكل أريحية، يهاجمون روسيا التي تقف إلى جانب القضية الفلسطينية وسائر القضايا العربية العادلة في سوريا والعراق وليبيا وغيرها.
لهذا السبب أعتبر تصريحات الغرب بشأن عدم وجود علاقة بين أوكرانيا والحادث الإرهابي منطقية، لا سيما أن الغرب وأجهزته يعلمون تماماً كيف تم التخطيط لهذه الجريمة النكراء، التي تخدم أهداف الحرب الهجينة التي يخوضها ضد روسيا منذ سنوات، والتي تتلخص في “إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا”، وضرب المصالح الروسية في آسيا الوسطى، وزعزعة استقرار روسيا من الداخل.
في اليوم التالي للحادث الأليم، وفي الطابق العلوي من محل سكني بالعاصمة الروسية موسكو، يتم إصلاح شقة، حيث يقوم بأعمال البناء والإصلاح عدد من العمال الذين تعود أصولهم إلى طاجيكستان، وقد التقيتهم كالعادة من كل صباح بتحية الإسلام: “السلام عليكم”، فكانوا متجهمين، يلفهم القلق والتوتر مما يمكن أن يصيبهم بعد أن قام بعض الأشقياء ممن ينتمون إلى نفس الجنسية بهذا العمل الإرهابي المشين.
قلت لهم إن ما حدث لا يمكن أن ينعكس أبداً على علاقة الدولة الروسية أو الشعب الروسي بشعب طاجيكستان الشقيق، فما يربط البلدين أعمق وأقوى بكثير من أن تؤثر فيه حادثة، مهما كانت بشاعتها. دعوت هؤلاء الرفاق إلى تناول إفطار رمضاني في اليوم التالي، وصعدت إليهم وأفطرنا سوياً، واستمعت إلى وجهة نظرهم، وهم مسلمون ملتزمون بتعاليم الإسلام وشعائره، من صلوات وصيام وقيام وغيرها، فقالوا إن من قام بهذه الجريمة الشنعاء لا يمكن أن يمت إلى الإسلام بأدنى صلة، ووصفوهم بـ “الملحدين” قولاً واحداً.
أما بشأن التحقيقات الجارية بشأن عملية “كروكوس سيتي هول” الإرهابية، فأفضل ألا نتعجل الأمور، وننتظر التقرير الرسمي الذي ستعلنه لجنة التحقيق المختصة، لكني أرجح أن الحقيقة ستكون فيما أسلفته بمقدمة مقالي هذا. وما يمكن أن يدعو إلى بعض الدهشة هو ما أظنه من أنني أظن أن من قام بالتخطيط والتنسيق والتمويل لهذا العمل الإرهابي هو جهاز أمني غربي على الأغلب، ويعمل على الأراضي الأوكرانية، وأهدافه متعددة من خلال استخدام العامل الديني، والعرقي، مثلما فعلوا في عدة مناطق في محيط روسيا، مثل ما يحدث في قره باغ، وفي بريدنيستروفيه، ومحاولة تدمير أي محاولة للجلوس إلى طاولة المفاوضات وإنهاء العمليات العسكرية، بعدما أصبح من الواضح استحالة هزيمة روسيا عسكرياً أو اقتصادياً أو إعلامياً. لهذا لجأ الغرب إلى الإرهاب، كما حدث من قبل، لوضع القيادة الروسية في وضع محرج أمام مجتمعها المتماسك، والذي أدلى بأغلبية ساحقة من أصواته لصالح الرئيس المنتخب ديمقراطياً فلاديمير بوتين، في انتخابات شفافة ونزيهة، فكان لزاماً عليهم أن يشوّهوا هذه الصورة على هذا النحو الإجرامي الإرهابي المعتاد من جانبهم. يريدون أن تتنازل روسيا عن بعض مطالبها العادلة، على الرغم من انتصارها في الحرب، حتى لا تنكشف هزيمة النخب الغربية أمام شعوبها ودافعي الضرائب، الذين موّلوا الهجوم الأوكراني المضاد الفاشل، خاصة وأن أوان الحساب قد آن، وسوف يسائل الناخبون مرشحيهم حول ما فعلوه بثقتهم، وما بددوه من قوتهم ومواردهم من أجل أوهام وفساد ونازية جلبت لأوروبا الخسارة والتدهور في شتى المجالات.