مصارف للمعارف بلاد خيرها لغيرها

    هادي جلو مرعي
    تقودني الحوادث التي مر ويمر بها العراق عبر الأربعين عاما المنصرمة الى إستذكار أحاديث ومرويات بعضها معبر عن حالة عراقية مشرقة، وبعضها يثير المخاوف لجهة السلوك الذي يفضل الغريب على القريب. فالمشرق ماإتصل بحال الكرم، وحسن المعاشرة، وإحترام الوافد وتكريمه، وحسن وفادته، والمثير للأسى والحزن إن حالة سيئة تطبع سلوك البعض، وتتمثل بوجود من يقدم مصالح الأغراب على مصالح شعبه لمنفعة مؤقتة، أو لشعور زائف سببه عدم الثقة بالداخل، والأوضاع السائدة بسبب الفساد، وسوء الإدارة، وغياب الحكم الرشيد الذي تحول الى منية يصعب الوصول إليها برغم كل مابذل من جهد، وماقيل من كلام وتنظير في هذا الإتجاه حيث الغلبة للخارج في التجارة والإقتصاد، والميزان التجاري الذي يميل في كل الأحوال لصالح الخارج، وليس للداخل إلا أن يكون مستهلكا مهمته الدفع، وإقتناء مايورد من الخارج من الملبوس والمأكول والمشروب.
    دليل قولنا ( بلاد خيرها لغيرها ) من المرويات، ومن الوقائع الحالية التي تؤكد صحة تلك المرويات: إن أبا جعفر المنصور، وهو من بنى بغداد، أو ماسمي (الزوراء ودار السلام والمدينة المدورة) عندما شرع في وضع حجر الأساس رأى أن تؤسس المدينة على جثة ميت من أهل المكان الذي أختير ليكون ماعرف بعد ذلك ببغداد، وإنتظروا حتى مات أحدهم، ولكنه لم يكن من أهل المكان، بل وافد من الحبشة، فإنتظروا مدة حتى مات آخر، وظهر إنه من الترك، ثم ثالث، وكان من العجم، فيئس المنصور، وقال: إنظروا من يموت، وإدفنوه، وضعوا أساس المدينة عليه فهذه أرض خيرها لغيرها. ومن الوقائع المشهور مايجري من فساد وغسيل أموال وتهريب وعمران في الخارج بمال عراقي، وتدمير للداخل عبر صفقات فساد، وتسليم مهمات إدارة بعض الملفات، ومنها الإقتصادية بيد مؤسسات خارجية على صلة ربما بمراكز نفوذ في الداخل تمكنت من السيطرة على سوق المال العراقي، بينما حيدت المصارف العراقية، وتركت فريسة لوحش العقوبات الأمريكية الذي لايرحم ولايرأف ومنذ أشهر عدة حيث يتحكم واحد من تلك المصارف بالتحويلات المالية وإجراء المعاملات المصرفية، والمنصة الألكترونية، ويستحوذ على نسبة تصل الى 70 % من مزاد بيع العملة والمنصة الألكترونية المعتمدة في ذلك المزاد، وهذه الحصة ليست للعراق، بل من حصة دولة جوار، ولانعلم ماهي الأسرار التي تقف خلف ذلك الإستحواذ، وتلك الهيمنة، بينما يشهد العراق أكبر عملية هجوم أمريكي إقتصادي على المصارف الوطنية التي تعطل عملها، وربما إفتقر العاملون فيها وأعدادهم كبيرة ! فهل يعقل أن يفتقر مواطنونا، ونحن نحول الأموال الى الخارج، ونبعث بالبترول شبه المحاني، ونؤسس لمشاريع ينتفع منها الخارج، ولانعلم مامدى الفائدة التي تعود على العراق منها ؟ وهل علينا أن ننتظر المزيد من الوقت ليتخذ القائمون على شؤون الدولة إجراءات حقيقية لحماية الإقتصاد الوطني، ووقف هذا العبث، وتلك الهيمنة على الإقتصاد الوطني؟

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة