أنا والغرفة وياسمين.. بقلم كلثوم الجوراني

    قبل أيام انتقلت عائلتي إلى بيتنا الجديد ، بيت يبدو من بنائه أنه صمم من قبل فنان عبقري الزخرفة المحفورة على الاسطوانات الخشبية وشكل الشبابيك والأبواب وكأنها من العصر الفيكتوري تزين سقوف البيت رسوم أغصان العنب بالوان هادئة وزخرفت بعض الجدران بأحجار اللازورد ، كان البيت أشبه ما يكون بمتحف ، تعمد أبي أن يبقي كل شيء كما هو لشغفه بالتحف والأشياء التراثية ، ولأنني البنت الكبرى فقد خصصوا لي غرفة جميلة تطل على حديقة البيت ، رتبت ملابسي واشيائي في الخزانة وصرت اجول في غرفتي وانا افكر في من كان يسكن هذه الغرفة قبلي وقفت في الشرفة المطلة على الحديقة وكان في تلك الشرفة طاولة مستديرة وكرسي جميل وفيها سندانة جف نباتها من العطش
    جلست على الكرسي وانا أنظر إلى الحديقة اسفل الشرفة ، على غير عادتي أصابني الأرق وتأخرت عن موعد نومي ، ربما لأنني فرحة ببيتنا الجديد ، أغلقت باب الشرفة متوجهة نحو سريري ثم استلقيت لعلي استسلم للنوم ولكن دون فائدة ما زلت مستلقية وقد هرب النعاس من عيني ، كانت الغرفة هادئة جدا وشبه مظلمة شعرت بأن أحدا غيري في تلك الغرفة بادئ الأمر ساورني الخوف لكن فضولي دفعني أن اعرف ما هذا الشيء وهل هناك شخص آخر غيري في هذه الغرفة ، نهضت وجلست طرف السرير واذا انا بفتاة جميلة كأنها نزلت من السماء
    اتت من جانب الشرفة لتجلس جانبي وكانت تنظر إلي مبتسمة ، جمال وجهها وبرائته بددت كل خوفي .
    سألتها : من انت ايتها الجميلة ؟ تنهدت ثم صمتت لبرهة لتقول : انا صاحبة هذه الغرفة الجميلة أنا ياسمين وهذه غرفتي وهذه خزانتي وتوجهت نحو الخزانة وفتحتها ودهشت حينما رأيت فساتين ياسمين معلقة في الخزانة وكأنها رتبت للتو .
    اخذت ياسمين أحد الفساتين وكان لونه البيج طرز بالخرز والكريستال وقالت : هذا الفستان صممه لي احد مصممي الأزياء لارتديه بمناسبة عيد ميلادي الخامس عشر ، ثم ارجعته لمكانه وأخذت تتفحص الفساتين واحدا واحدا وتذكر لي انها لبست تلك الفساتين في مناسبات عدة ، ثم التفتت لي قائلة هلا جربتي هذا وامست بيدها فستان وردي جميل قد صمم بإتقان ، لم اصدق كنت مسرورة جدا وارتديت ذلك الفستان وجعلت انظر الى نفسي في المرآة كأنني أميرة .
    لم تكتفِ ياسمين بارتدائي فستانها بل دعتني لحفلة عشاء فاخرة في بيت إحدى صديقاتها فذهبت معها ولكن لا اعلم بأي وسيلة انتقلنا لقصر صديقتها ، كان قصرا فخما جدا المناضد الكبيرة صفت عليها اواني تسحر العيون وكؤوس الشراب والشمعدانات الزجاجية ، كان سقف ذلك القصر مذهل تتدلى منه ثريات الكريستال العظيمة التي كانت تضيء المكان وكأننا في عز النهار ،
    بدى المحتفلون وكأنهم جاءوا من زمن بعيد ثيابهم واسلوبهم الملكي ، اخذت بيدي ياسمين لتعرفني على صديقتها قائلة هذه صديقتي الجديدة هانا فرحبت بي صديقتها وامضينا ليلة جميلة وكنت أنوي العودة كي لا يشعر اهلي بغيابي وقبل أن تبادر ياسمين لتقول لي هيا لنعد استيقظت نعم استيقظت لقد كان حلما ،
    نهضت من السرير مسرعة ابدلت ملابسي ونزلت الى الطابق الاسفل حيث امي وابي واخوتي كل مستعد للذهاب إلى وجهته ، ابي إلى عمله ونحن الأبناء إلى مدارسنا بينما تبقى امي في البيت بتدير أمور البيت وتحضر لنا الطعام وما نحتاجه .
    ودعت امي وركبت باص المدرسة وكنت افكر في حلم ليلة البارحة وب(ياسمين) لقد احببتها أنها فتاة لطيفة ،
    سار بنا الباص متجها إلى المدرسة وهو يمر بشوارع مدينتنا كان الجو باردا والضباب يملأ الشوارع وبينما كنت استمتع بمنظر الضباب والشوارع الجميلة لاحت لي (ياسمين ) وهي ترتدي معطفها الذي كان في الخزانة ليلة البارحة ففتحت نافذة السيارة وصرت اصرخ (ياسمين …ياسمين ) ولكن دون جدوى يبدو أنها لم تسمعني ، عدت لأجلس فتذكرت شيئا ألم تكن ياسمين حلماً وليست حقيقية فمن تكون هذه الفتاة ؟
    عند العودة إلى البيت اول شيء فعلته أنني توجهت لغرفتي لافتح الخزانة لعلي اجد شيء لياسمين
    ولكن دون فائدة فلا يوجد شيء في الخزانة سوى ملابسي واغراضي انا ، أكملت يوم وعند المساء جلست في ذات الشرفة وصرت اتأمل ولكن هذه المرة تختلف عن سابقتها فأنا لم أشعر أنني وحدي اسكن الغرفة جلست بسكينة ثم قمت لفراشي وما أن أغمضت عيني حتى اتت ياسمين هذه المرة تحمل نبتة جميلة (ازهار السوسن البيضاء) وأومأت لي انت أخرج إلى الشرفة ثانية ففعلت وسبقتني هي إلى مكان السندانة الخاوية لتزرع فيها تلك السوسنة الجميلة ، انتهت من وضع النبتة في السندانة توجهت الى الاسفل وعلم أنها تريد غسل يديها وما هي إلا لحظات حتى وجدها امامي تبتسم وتوجهت نحو الشرفة ثم جلست على الكرسي الوحيد هناك في تلك الشرفة .
    تنهدت ثم قالت : هانا أنني احببت غرفتي وخزانتي واغراضي ولكنني غادرتها مجبرة ، أتعلمين يا هانا أن في هذه الشرفة كنت اجلس واتأمل زهرتي التي وضعتها امي في هذه السندانة وكنت اواظب على سقيها كل يوم ،كان كل شيء جميل حتى غادرت فغادر جمال الاشياء معي .
    كنت افهم بعض كلامها ولكن أغلب ما تتكلم به مبهما وكأنها تتكلم بلغة أخرى ، شعرت بالتعب فأستأذنت منها أنني أريد أن انام قليلا كي استيقظ باكرا لمدرستي ، أذنت لي وهي تبتسم كشمس مشرقة ثم أغلقت الشرفة وكأنها غادرت البيت من خلالها بعد ذلك سمعت امي تنادي عليّ هانا هانا كفاك نوماً يبدو أنه حلم اخر أرى فيه تلك الفتاة الجميلة .
    كالعادة رتبت سريري ونزلت للاسفل لكي اتناول الفطور مع عائلتي ولكنني وفي منتصف السلم تذكر السندانة والسوسنة فعدت إلى غرفتي مسرعة وفتحت باب الشرفة فلم أجد إلا السندانة الخاوية بلا نبات ، أكد لي هذا أنها مجرد احلام ، ذهبت إلى مدرستي وكنت انظر من نافذة الباص إلى المارة لعلي أرى بينهم ياسمين ولكن هذه المرة لم اراها ، بعد انتهاء الدوام عدت إلى البيت وفي رأسي الف سؤال لماذا تكرر الحلم بتلك الفتاة وما قصتها ؟
    كلما جلست لوحدي في غرفتي أشعر بأنفاس ياسمين وانتظرها لتأتي وتأخذني معها لعالمها الجميل مر يومين ولم أر ياسمين ومرت الايام وياسمين غائبة وانا انتظرها ثم تذكرت شيئا أن ياسمين هذه كانت فكرة في مخيلتي رسمتها وانا أنظر لمشبك على شكل زهرة الياسمين رصع بالزاركون فتخيلت أنه للفتاة التي سكنت هذه الغرفة قبلي وانها تشبه زهرة الياسمين .
    احتفظ بذلك المشبك ولطالما تحدثت معه متسائلة
    اي فتاة أنيقة كانت تضعك لتزيد من أناقتها ؟
    ولماذا تركتك في هذه الخزانة ربما نسيتك أو وقعت من يدها وهي تحزم اغراضها فتذكرتك حين استقرت بدارها الجديدة ، سأحتفظ بك لعلي التقي بها فأرجعك إليها .

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة