جسد الامام الحسين (ع) في واقعة الطف مثلا في التضحية والفداء، واجه به تناقضات ما تعيشه الامة الاسلامية حينذاك، ومطالبته بالاصلاح والتغيير ، من خلال الفهم الواعي لما تعانيه الجماهير ايامه ، فنادى مخاطبا الامة..(( الا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة ، وهيهات من الذلة ، يأبي الله ورسوله والمؤمنون وحجور طهرت وانوف حمية ونفوس ابيه من ان تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام)).
الامام الحسين “عليه السلام” لم يطالب بملك او جاه انما طالب بالاصلاح ووقف وقفته البطولية في العاشر من محرم ، بالمرصاد من العبودية والاستغلال والطغيان حين صرح بغايته من نهضته المباركة فقال (( اني لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا وانما خرجت لطلب الاصلاح )) وهنا سلك الامام طريق الاحرار الى نهايته في مواكب العز والشرف والشهادة.. فهذا جون مولى ابي ذر رضوان الله عليه يقول له الامام الحسين (ع) : انت في اذن مني فانما تبعتنا طلبا للعافية ، فلا تبتل بطريقنا ، وكان جوابه : يا ابن رسول الله انا في الرخاء الحس قصاعكم ، وفي الشدة اخذلكم ، والله ان ريحي لمنتن، وان حسبي للئيم ، ولوني اسود فتنفس علي بالجنة فتطيب ريحي ، ويشرف حسبي ، ويبيض وجهي ، والله لا افارقكم حتى يختلط هذا الدم الاسود مع دمائكم .
ان موكب التضحيات التي قدمها الامام الحسين واصحابه درس بليغ للامة الاسلامية كشف زيف الامويين وفظاظتهم وابتعادهم عن الاسلام وتوغلهم في الجاهلية والكفر، وهنا نذكر المقولة الخالدة (كل يوم عاشوراء وكل ارض كربلاء) حيث عبرت عن حقيقة تاريخية لامجال فيها للشك والريبة ،كما انها قابلة لتكرار دوما في كل واقع وزمان. وفي فضل زيارة الامام الحسين ،فعن ابي جعفر (ع) قال : قال امير المؤمنين علي (ع) زارنا رسول الله( ص) وقد اهدت لنا ام ايمن لبنا وزبدا وتمرا فأكل منه..ثم قام الى زاوية البيت فصلى فلما كان في اخر سجوده بكى بكاءا شديدا فلم يسأله احد منا اجلالا وتعظيما.
فقام الحسين وقال له : يا ابه لقد دخلت بيتنا ، فما سررنا بشيء كسرورنا بدخولك ، ثم بكيت بكاءا غمتا ، فما ابكاك؟ فقال الرسول (ص) يا بني ، اتاني جبرائيل انفا ، فأخبرني انكم قتلى، وان مصارعكم شتى.فقال : يا ابه فما لمن يزور قبورنا على تشتتها ؟ فقال يا بني ، اولئك طوائف من امتي ، يزورونكم ، فيلتمسون بذلك البركة، وحقيق علي ان اتيهم يوم القيامة حتى اخلصهم من اهوال الساعة من ذنوبهم ، ويسكنهم الله الجنة.
تمر علينا قريبا ذكرى اربعينية الامام الحسين (ع) ، مر على هذه الذكرى الاليمة السنون والاجيال ، وتعاقب الاحداث والوقائع ، وتغير الحكومات والدول ، ولكن ذكرى الشهادة والاربعينية ما زالت خالدة تتجدد على امتداد التاريخ للامام الحسين (ع) هو سبط الرسول (ص) وامام الامة الاسلامية وخامس اهل البيت واحد اصحاب الكساء ، قاد الصراع بين الخير والشر ، بين الحق والظلم ، بين الحرية والعبودية ، وكان في العاشر من محرم مثلا يضرب به الاحرار مع اصحابه ليقدموا اروع صور الشهادة والبطولة حين اكد ثباته على المبدأ موثرا في سبيله القتل والفداء على الحياة الخانعة الذليلة حين نادى (والله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل، ولا اقر لكم اقرار العبيد)، وحين قال (اني لا ارى الموت الا سعادة ، والحياة مع الظالمين الا برما) وهكذا اقتدى اصحاب الامام (ع) بنهجه ومثاليته في الصمود والثبات على المبدأ وتفانيهم في نصرة الحق ، فهنيئأ الى زوار ابي عبد الله الحسين (ع) وهم يتوجهون بنوايا صادقة ومخلصة ، الى اداء مراسيم الاربعينية العظيمة.