ميثم تركي
غالباً ما تعلن الولايات المتحدة في تصريحاتها عن “قلقها” بشأن شيء حصل أو قد يحصل، مما قد يُفهم على أنه يعكس مخاوف إنسانية أو سياسية، ولكن عند النظر بعمق في سياساتها على مرِّ السنين، يظهر أن هدف هذه التصريحات هو إعطاء ضوء أخضر لشيء لا تريد أن تتبناه اعلامياً، وعادة ما تكون واجهة لحماية مصالحها العسكرية والاستراتيجية، والتي ترتكز بشكل أساسي على الدفاع عن قواعدها العسكرية ومصالحها في المنطقة من أي تهديدات محتملة.
بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق في أواخر عام 2011، أعربت الولايات المتحدة عن قلقها إزاء تدهور الأوضاع الأمنية، وتزايد نفوذ الجماعات المسلحة التي وصفتها بأنها مدعومة من إيران، ولم يكن هذا القلق مجرد رد فعل أو تصريح، بل كان تمهيدًا وتحضيراً لتحركات مستقبلية تهدف لحماية مصالحها، خاصة قواعدها العسكرية.
وعلى سبيل المثال، قبل ظهور داعش الارهابية، كانت الولايات المتحدة تصرح وتبدي قلقها من تصاعد العنف الطائفي، لكنها لم تتدخل عسكرياً إلا عندما بدأ هذا التنظيم يشكل تهديداً مباشراً أو غير مباشر لقواعدها آنذاك. ومع توسع داعش في 2014، قامت الولايات المتحدة بتشكيل تحالف “دولي” بحجة محاربته، مستغلة المخاوف من أن العراق قد يصبح قاعدة للإرهاب على حد قولها. لكن هذه التحركات لم تكن فقط من أجل حماية المدنيين، بل تهدف أساساً إلى حماية القواعد الأمريكية من التهديدات المستمرة.
حماية المصالح تحت غطاء الدبلوماسية
في مواجهة التصعيد بين للكيان الصهيوني والمقاومة اللبنانية وان امريكا تخشى من التوغل البري وأنها قلقة، تتكرر هذه التصريحات الأمريكية التي تأتي بمثابة غطاء لدعمها المباشر للكيان الصهيوني، في كل مرة يتصاعد فيها التوتر، تعلن الولايات المتحدة عن “قلقها” من العواقب الإنسانية أو السياسية، لكنها تقدم دعمًا ملموساً للكيان الصهيوني لحماية مصالحها، وفي الحقيقة ذلك نتيجة تخوفاتها من أن دعمها هذا الكيان الغاصب في حربه على لبنان قد يمتد ليهدد وجودها العسكري في الخليج.
تمثل القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في الشرق الأوسط جزءًا أساسيًا من النفوذ الأمريكي في المنطقة، سواء في العراق أو قطر أو البحرين، وتعمل هذه القواعد كحصون لردع التهديدات الإقليمية المحتملة والتي تنتجها بسبب سياستها الاستكبارية. وعليه، فإن التعبير عن “القلق” في مختلف الأزمات ليس مجرد تعبير دبلوماسي، بل هو انعكاس لقلق حقيقي على الأصول العسكرية الأمريكية.
في العراق، كان القلق مرتبطًا بالهجمات المتزايدة على القواعد الأمريكية، وفي لبنان، كان الدعم العسكري للكيان الصهيوني جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف لحماية مصالح الولايات المتحدة العسكرية من أي تهديدات قد تصدر عن محور المقاومة الذي تعتبره واشنطن تهديدًا مباشرًا لمصالحها.
ومنذ انطلاق عملية طوفان الأقصى في تشرين الأول (أكتوبر) 2023 عبر المسؤولون الامريكيون بمن فيهم الرئيس جو بايدن عن قلقهم تجاه خمسة قضايا هي: احتمالات التصعيد العسكري وامتداد الصراع خارج فلسطين، التهديدات المحتملة لمصالحها، دعم الكيان الصهيوني وضمان أمنها، قضايا النزوح والوضع الإنساني، والتهديدات الإيرانية للكيان الصهيوني.
وتعكس هذه التصريحات بالمجمل الحاجة الى حماية المصالح الامريكية في ظل الديناميكيات المعقدة في المنطقة والتي أوجدتها الحرب في غزة، والتي وصلت ذروتها عندما نشرت سفناً حربية في البحر المتوسط كجزء من الاستجابة للتهديدات المتواصلة وضربها انصار الله في اليمن من دون الإعلان عن التورط المباشر في حرب غزة.
إذن في النهاية، يتضح أن “القلق” الأمريكي في الشرق الأوسط ليس مجرد تصريح دبلوماسي، بل هو مقدمة لتحركات عسكرية أو سياسية تهدف إلى حماية المصالح الأمريكية، وبالتحديد القواعد العسكرية، فأي تهديد لهذه القواعد يتطلب رد فعل حاسم من الولايات المتحدة، سواء عبر التدخل المباشر أو دعم حلفائها في المنطقة مثل هذا الكيان المسخ.