محمد شاكر الخفاجي رجل نجا من موت محتم على يد "داعش" يروي تفاصيل رحلة خروجه من الموصل

    الإيماءات الغزيرة التي تبديها ملامح الخفاجي (44 عاماً)، تشير الى صدمته بما لاقاه في الطريق أو ربما خلل عقلي جعله يختار الخروج بأي ثمن تاركا منزله في المدينة التي مضى على احتلالها من قبل تنظيم “داعش” أكثر من شهرين، وكان الخفاجي مجرد رجل بسيط ووحيد يعمل حمالا ولاعلاقة له بقضايا الدين والسياسة، إلا أن المتطرفين أذاقوه “المر” ونجا منهم بأعجوبة.

    ويعيش الخفاجي مع أرقابه حاليا وسط بغداد، وروى لـ”السومرية نيوز” مشاهداته في رحلته “الانتحارية” من الموصل الى بغداد، “الله منحني عمرا جديدا”، لافتا الى أنه “تخطى بقدرة قادر عشرة سيطرات لتنظيم داعش منتشرة في الطريق ما بين نينوى وكركوك”.

    ويقول الخفاجي، المنحدر من أب شيعي و أم سنية، إنه “طالما كان يمقت أي سلوك طائفي”، مبينا أن “الظروف المادية الصعبة بعد وفاة والديه اضطرته الى ترك العاصمة بغداد والتوجه الى نينوى للعمل مع أحد أقاربه”.

    واستطاع الخفاجي خلال عامين قضاها في مدينة الموصل، أن يشتري منزلا صغيرا مشيد على أرض “تجاوز” بسعر مناسب للسكن فيه، لكن الحال انقلب رأسا على عقب بعد دخول “داعش” بقوانين وأحكام غريبة على الموصليين، مشيرا الى أنه “أصبح عاطلا عن العمل في ليلة وضحاها بعد أن شلت الحركة في السوق حيث كان يعمل”.

    أحكام “تعسفية” جعلته يضيق ذرعا بمدينة أحبها
    تدهور للخدمات ومنع للتدخين مرورا بأوامر مباشرة للرجال والنساء بوجوب الالتزام بلباس محدد، وصولا الى التهديد بعقوبات تصل الى القتل لمن لا يلتزم بأحكام تنظيم “داعش”، ومنع الحصة التموينية عن شرائح واسعة بحجة أنهم “روافض” أو “مسيحيون” أو غيرهم، عوامل غاية في الشدة ضغطت على الخفاجي لتجعله يقرر هجر الموصل نهائيا والرجوع الى بغداد.

    ويوضح أنه عندما ذهب الى وكيل المواد الغذائية في منطقة تجاوزات وادي حجر على طريق معسكر الغزلاني جنوب الموصل، أبلغه بلهجة تدل على أنه مغلوب على أمره خشية القتل، بأنه “لا يستطيع تسليمه حصته التموينية كونه شيعي، بناء على أوامر من تنظيم داعش، تقضي بمنع الحصة عن الشيعة والمسيحيين والتركمان”.

    ولا يتردد التنظيم المتطرف، إذلال أهالي المدينة بداعي عدم تنفيذ الأوامر، إذا يقول الخفاجي، إن “سائق سيارة أجرة وقف ذات مرة قرب مرقد النبي يونس الذي هدمه تنظيم داعش، لعله يجد زبونا، إلا أن مسلحا لا يتعدى الـ17 عاما صرخ عليه بالتحرك فورا، ليرد عليه السائق بأنه لا يستطيع الاستمرار بالتجول في الشارع للحفاظ على البنزين الذي يبلغ سعر اللتر الواحد منه في الموصل 1750 دينار”، مؤكدا أن “السائق تلقى ضربا مبرحا من قبل ثلاثة مسلحين أمعنوا في إذلاله ورموه وسط الشارع دون أن يتجرأ احد على إنقاذه”.

    ويلفت الخفاجي الى أنه “منذ ذلك الحين أدرك خطورة الأمر، وأن بقائه في الموصل أشبه بمغامرة ستكلفه حياته”.

    رحلة محفوفة بالمخاطر
    ويقول الخفاجي، إنه “ذهب في يوم 9 آب الحالي الى مراب الموصل – بغداد، وحالفه الحظ بوجود سيارة نوع (جي أم سي)، اشترط سائقها أجرة 100 دولار عن كل شخص ليقلهم الى بغداد”، موضحا أنه “كان مضطرا للقبول بالصعود بأي ثمن”، لتنطلق السيارة بعدها بحدود الساعة السابعة صباحا من المراب الذي كان عدد المسافرين شحيحا، بينما تلعب الريح بالنفايات والأوراق المرمية على الأرض.

    وكان الطريق يمر عبر الموصل كيارة، ومن ثم الشرقاط والحويجة، وبعد ذلك كلار والسليمانية ومن ثم ديالى وبغداد، لكن شدة الطريق تمكن في عشرة سيطرات نصبها تنظيم “داعش” على الطريق بين الموصل وكركوك، “وواحدة أمر من الأخرى”، بحسب الخفاجي.

    سيطرات “الموت”
    يقول الخفاجي، أن “قلبه بدأ يخفق بشدة عندما أوقف السيارة في السيطرة الأولى، وطلبوا هويات الراكبين”، وبعدها صاح أحدهم، “أين محمد شاكر عبد الأمير الخفاجي؟”، مبينا أنه “نزل من السيارة وأحسس في وقتها أنها نهايته”.

    ويذكر الخفاجي وجود “خمسة مسلحين عراقيين من الموصل في السيطرة بوجوه ملتحية كان لباسهم أشبه بلباس أفغاني ومدججين بمختلف أنواع الأسلحة الخفيفة”، موضحا أن “أحد المسلحين بدأ على الفور التحقيق معه من أين جاء وما الذي كان يفعله، ووصفه بأنه رافضي، بناء على اسمه”.

    ويشير الى أن “أنقذه هو مكالمة هاتفية أجراها المسلحين مع أحد أقاربه في الموصل ليتأكد من صحة ما يقول انه سني من ولادات الى منطقة باب الشيخ ببغداد”، مبينا أن “المسلحين لم يتركه بسهولة، إلا بعد سلسلة من الكلام الخشن والشتائم وبعدها تركوه”.

    ويبين أنه وصل الى السيطرة الثانية، وتم إنزاله، وبعد كلام طويل تخلله ضرب وإهانة، بدأ بالبكاء”، لافتا الى أن أحد “المسلحين سمح له بغسل وجهه، لكنه حاول استدراجه بالكلام بداعي أنه يحمل أقراص تمس التنظيم، فأكد له بأنه لا يحمل شيئا، ليقوم بصفعه مجددا”.

    وبين، أنه “عاود البكاء، وأصر على كلامه، لذلك تركوه يذهب بعد أن اتصلوا بقريبه وتأكدوا من وضعه”.

    أما السيطرة الثالثة فلا تقل سوءا عن سابقاتها، إذ أنزلوه أيضا، وأبدوا شكوكهم باسمه، عبد الأمير وادعوا أن السنة لا يسمون هكذا، فرد عليهم أنه سني ووالدته من باب الشيخ في بغداد، فما كان منهم إلا سؤاله عند عدد ركعات صلاة الفجر والعصر، مبينا أن “المسلحين حالوا إيقاعه بخطأ، فسألوه في النهاية عن عدد ركعات صلاة التراويح، فأكد أنه غير ملتزم بها، إلا أنهم تركوه في النهاية بعد التوسل ومهاتفة قريبه”.

    ويشير الى أنه “في بقية السيطرات تكرر معه ذات السيناريو المرعب، وخرج بأعجوبة”، مبينا أن “السيطرة الرابعة التي تلتها أخضعته لاختبار ديني، تضمن سؤاله عن عدد الأئمة الاثني عشر، في محاولة للإيقاع به، وقالوا أن السيارة ستمر إذا ما اخبرهم باسمائهم، لكنه أصر على عدم معرفته بهم، لذلك سمحوا له بالمرور بعد التوسل بهم واصراره على موقفه”.

    ويوضح، الخفاجي، أن “هذه الحالة تكررت في سيطرات اخرى، لحين وصوله الى السيطرة العاشرة والأخيرة والتي تقع قريبة من كركوك، حيث كانت إجراءاتها خفيفة على اعتبار عبر مسافة طويلة، وتركوهم يمرون بهدوء، بعد أن سألوا السائق عن وجهته”.

    ويؤكد الخفاجي، أن “جميع ركاب السيارة تنفسوا الصعداء عندما دخلوا كركوك، وفرحوا جدا بسلامته حتى أن احدهم اشترى علب ببسي ووزعها ابتهاجا بعبور تلك الشدة”، موضحا أن “السيارة توجهت عقبها الى منطقة كلار في السليمانية ثم الى جبال حمرين ومن ثم ديالى وصولا الى بغداد.

    مبين أن تلك “السفرة المرعبة استغرقت 15 ساعة، وأدرك حينها أن الله سبحانه وتعالى منحنه عمرا جديدا”.

    ويشهد العراق وضعاً أمنياً ساخناً منذ (10 حزيران 2014)، سيطرة مسلحين من تنظيم “داعش” على محافظة نينوى بالكامل، وتقدمهم نحو محافظة صلاح الدين وسيطرتهم على بعض مناطقها، في حين تستمر العمليات العسكرية في الأنبار لمواجهة التنظيم، ما أسفر عن إطلاق يد التنظيم في المناطق التي استحوذ عليها وفرض رؤيته المتشددة على المدنيين الذين لم يعتادوا العيش أحكاما مماثلة.

     
    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة