لقد حولت الادارات الأميركية المتعاقبة، حلف الأطلسي الى وسيلة التحرك الخارجي في إدارة العديد من الأزمات، والى غطاء سياسي تستخدمه في تدخلاتها العسكرية. وكان آخرها اسقاط نظام القذافي في ليبيا.
وفي سياق الأحداث التي تشهدها المنطقة وخصوصاً التهديد الخطير الذي يشكله تنظيم داعش في سوريا والعراق، فان المفروض أن تولي الولايات المتحدة إهتمامها في مواجهة هذا الخطر الإرهابي باللجوء الى حلف الأطلسي، لكن إجتماعه الأخير في ويلز لم يخرج بقرارات محددة باستخدام القوة على غرار ما حدث في افغانستان وليبيا، والسبب يرجع الى مشروع مبيت كانت تعده إدارة أوباما وهو التحالف الدولي لمواجهة تنظيم داعش.
في هذا الموضوع تصبح سياسة الرئيس باراك أوباما تحت الضوء المباشر، فعلى امتداد سنواته السابقة كان الكثير من الباحثين والمتابعين ووسائل الإعلام، تصوره بالرئيس الضعيف الميّال الى عدم التورط في الصراعات الإقليمية، مستشهدين على انسحابه من العراق كدليل أول على ذلك. غير أن الحقيقة التي لم تبرز بوضوح سابقاً، هي أن أوباما ينتهج سياسة معدلة عن إسلافه، وهي متلائمة مع تطورات العالم وتبدل الظروف العامة في العلاقات وأنماط القوة وعناصرها واستخداماتها. فلقد جربت الولايات المتحدة على عهد بوش أقصى مستويات التدخل المباشر، وحدثت بعد ذلك تحولات كبرى في المنطقة والعالم، بحيث تفرض على اميركا أن تجري تعديلها على الأسلوب لضمان الهدف في الحفاظ على مصالحها ومكانتها العالمية، وذلك ضمن السياق الذي اعتمدته منذ الحرب العالمية الأولى، أي تعديل الشكل بعد كل تحول دولي، لإبقاء المضمون فاعلاً.
سياسة أوباما تقوم على فكرة (أميركا المنقذة)، بدل الفكرة السابقة (أميركا الشرطي)، بمعنى أن مناطق الأزمات هي التي تلجأ الى الولايات المتحدة طالبة منها المساعدة لتخليصها من الأخطار المحدقة. وفي هذه الحالة ستختار واشنطن الوقت وستحدد الشركاء وسترسم الأهداف وستضع الشروط، اضافة الى انها ستتخلص من صخب المنافسين وانتقادات الرأي العام.
بعد احتلال تنظيم داعش لمساحات واسعة من العراق وتهديده المباشر لإقليم كردستان طلبت حكومة الإقليم منها العون والمساعدة، فسارعت لتوجيه ضربات جوية انقذت مناطقه من هجوم داعش. وتمنعت عن فعل الأمر نفسه مع حكومة بغداد، مشترطة تشكيلها بمشاركة كافة الكيانات.
(نحتاج هنا الى وقفة سريعة، فهجوم تنظيم داعش على مناطق كردستان كان حدثاً مفاجئاً لكل المتابعين والمهتمين والخبراء، لأن هدف داعش كان مواصلة هجومه نحو مناطق الوسط العراقي، لكن المفاجأة حدثت بتحوله الى كردستان، ثم حدث بعد ذلك تدخل اميركا الجوي، فتصاعدت الأصوات حول موقف واشنطن الذي أعطى اهتمامه للإقليم ولم يتعامل بنفس القدر من الاهتمام مع الحكومة المركزية).
ضغطت الولايات المتحدة باتجاه تشكيل حكومة الشراكة والوحدة الوطنية، وسارعت الى تقديم دعم معنوي للسيد حيدر العبادي منذ لحظة ترشحه، تبعها التأييد الدولي الواسع إقليمياً ودولياً.
وخلال مفاوضات السيد العبادي في تشكيل حكومته، طرح الرئيس أوباما مشروعه في التحالف الدولي لمحاربة داعش، وقد استخدم أولاً عبارات فضفاضة حول الأعضاء، ثم خرج الناطق باسم البيت الأبيض في مؤتمر صحفي ليعلن رسميا أن التحالف المنشود سيتكون من (حكومات وقبائل سنية تحديداً) ولن تشترك فيه إيران وروسيا وسوريا.
التحالف المنشود يلفت النظر في محورين اساسيين:
الأول: إنه محدد بمحاربة داعش وليس الإرهاب بشكل عام، وقد استخدم المسؤولون الأميركان التسمية بشكلها الدقيق، اي التحالف الدولي لمواجهة تنظيم داعش.
الثاني: الاعتماد في تشكيلته على الحكومات والقبائل السنية، واستبعاد الشيعة (إيران وسوريا وحزب الله في لبنان).
هذان المحوران يضعان الصورة في اطارها المحدد، إنه تحالف دولي يضم حكومات وعشائر السنة المتهمة أساساً بالتعاون مع الجماعات الإرهابية، فحكومات السعودية وتركيا والاردن وقطر هي التي تقدم الدعم اللا محدود لها، أما العشائر السنية، فان مناطقها هي الحاضنة الاجتماعية لهذه التنظيمات.
وهذا يعني أن التحالف المنشود يضم المتورطين والمتهمين بدعم الارهاب، ويستبعد المهددين مباشرة من قبله.
ستحاول الولايات المتحدة خلال الأيام المقبلة، زج الحكومة العراقية في الأهداف الحقيقية من وراء هذا التحالف، وبعبارة واضحة توظيفها من حيث لا تدري في خدمة ما تريد، لا سيما وانها جربتها في زجها بمؤتمر جدة، فوجدتها سهلة غير ممانعة. وما تريده الولايات المتحدة، هو اعادة توزيع المنطقة بحيث يكون الشيعة طرفاً هامشياً ضعيفاً، امام محور سني جارف يتحكم بالمنطقة، ولا يهم بعد ذلك ان تكون الحكومة العراقية شيعية برئيس وزراء ووزراء شيعة، مادام الهلال الشيعي سيتكسر، وسيحل مكانه الطوق السني المحكم.