كانت إحدى الذرائع الأميركية لإحتلال العراق، وجود علاقة بين نظام صدام وبين تنظيم القاعدة، أي ان مثل هذه الصلة تتعامل معها الولايات المتحدة بأهمية كبرى بحيث تكون أحد مبررات الحرب وإحتلال الدول، وقد هدد الرئيس السابق جورج بوش السودان بتوجيه ضربة عسكرية مدمرة على أساس وجود معلومات بتواجد عناصر القاعدة على أراضيه.
إن مساحة تحرك داعش تستدعي إثارة الفزع لدى إسرائيل، فالشكل الظاهر من هذا التنظيم أنه متطرف في استخدام تحريفي للشريعة الإسلامية، كفّر كل من لايؤمن بافكاره، وأعلن عن دولة خلافة، وقتل الآلاف من المسلمين، واغتصب النساء وأستعبد البشر ودمر الأضرحة وأحرق المنازل، وهجر الآمنين ونكّل بالمسيحيين والإيزديين. وبحسب هذا السياق فان تعامله مع إسرائيل وشعبها اليهودي سيكون أكثر قسوة، مما يفرض أن تكون القيادة الإسرائيلية في أعلى درجات الإستنفار والتعبئة والقلق والاستغاثة من داعش الذي يخوض معارك قرب حدودها الشمالية.
لكن شيئاً من ذلك لا يظهر على دوائر السياسة والمخابرات والعسكرية الإسرائيلية، فهي تتعامل معه وكأنه قوات ملتزمة منضبطة تعرف هدفها ولا تتجاوزه، ولذلك فاسرائيل لا تحتاج أن تعكر مزاج شعبها بالقلق والخوف والحذر، فهي ليست ضمن دائرة الهدف.
البرود الإسرائيلي يختلف نسبياً عن الموقف الأميركي، فالقيادة الأميركية تتحدث عن وقت طويل، وسنوات متتالية حتى يمكن القضاء على هذا التنظيم الإرهابي، وهي تشن غارات جوية محدودة مثل أي دولة اخرى من دول العالم الثالث، فلا نجد المخابرات العميقة، ولا الطيران المتطور، ولا أجهزة الرصد الخيالية، في الضربات الجوية حتى الآن.
أما تركيا فلا حاجة الى الحديث عن رعايتها لداعش فهي بوابة المرور المفتوحة امامه، ومقر اقامة قادته وافراده، ومستشفى العلاج لجرحاه.
هذه المقدمات البسيطة تعطي نتيجة واحدة، أن تنظيم داعش مسيطر عليه بشكل تام، من أول خطوة يخطوها التكفيريون من دولهم البعيدة، مروراً بتسليحهم وزجهم في المعارك، وانتهاءً بالأهداف البعيدة السرية المحددة.
مقاتلو داعش شباب مندفع يحمل فكرة واحدة هي التكفير المستمدة من العقيدة الوهابية، فهم أجهزة بشرية تسير بالتوجيه مهمتها القتل والانتحار. أما قادته الذين يجري تداول اسماءهم، وابرزهم خليفته (ابو بكر البغدادي) فليس هناك ما يدل على عبقرية ودهاء واستثناء في شخصيته، فكل قابلياته هي نزعة اجرامية لسفك المزيد من الدماء، ولا يمكن أن يكون هو العقل الذي يخطط ويدير هذه المعارك في سوريا والعراق، ويؤسس لنشاط إقتصادي ضخم يخترق العقول والبنوك والمؤسسات الإقتصادية الدولية، ويناور كبار السياسيين بمجاميع عسكرية تتنقل بسيارات رباعية الدفع، ويضع البرامج الإعلامية في الحرب النفسية ويخترق كبريات شبكات الانترنت.
لا تتناسب صورة البغدادي بكلامه وحديثه وتاريخه، مع هذه القابليات والقدرات التي يفعلها تنظيمه وتغطي مساحات شاسعة من الأرض وبامكانات صارت دولة قائمة على الأرض.
ليس داعش في حقيقته، نتاج دولة واحدة، إنما جهد مشترك بين عدة دول، أشرفت على نشأته وتدريبه والتخطيط له، وهي لا تزال تصدر له التعليمات وهو ينفذ.
حتى لو قمنا بجهد تحليلي ووثائقي مطول، فان النتيجة لا تخرج عن (تركيا وقطر والسعودية) بالتعاون مع إسرائيل، هذه المنظومة من الدول، هي المستفيدة الأكبر مما يجري. وأن ما يجري في العراق وسوريا هو ما تريده هذه الدول منذ أكثر من عقد من الزمن.
عن موقع الراية