متى تقضي أمريكا على داعش ؟!

     

    د. عدنان الظاهر

    يُخطئ من يظن أنَّ أمريكا جادّة وعازمة على القضاء على الدواعش وبالسرعة الممكنة، لماذا ؟ لأنَّ وراء داعش وبسببها تختفي أهداف وبرامج ستراتيجية بعيدة المدى على رأسها :

    1ـ إنهاك ثم القضاء على النظام الحاكم في سوريا .

    2ـ إنهاك العراق بشراً وجيشاً ومالاً ونفطاً حتى إحالته إلى أنقاض [خُردة ] وآثار تاريخية لعلّ من يفيدُ من دروسه مستقبلاً مّنْ يفيد، أي جعله مثالاً وعِبرةً لمن يعتبر.

    3ـ توريط وإنهاك حزب الله في جنوب لبنان وفي أماكن تواجده سواء في الشرق الأوسط أو ربما في أماكن أخرى غير الشرق الأوسط.

    4ـ توريط إيران وإنهاكها ماليّاً وعسكرياً ونفطياً حتى يسهُل العدوان عليها من قبل إسرائيل أو من قِبل هذه سويّةً مع أمّها الكبيرة أمريكا، خاصة إذا مسك زمام البيت الأبيض رئيسٌ من الحزب الجمهوري مخبول أرعن مغامر مثل بُوش الإبن أو جون ماكين.

    5ـ وليس بعيداً عن هذه المخططات الكبيرة الخطورة إستدراج وإنهاك روسيا من خلال برزخي سوريا وإيران وعلاقة روسيا بهذين البلدين معروفة وإنها حتى اليوم جيّدة وتمشي حسب البرامج المدروسة والموضوعة فروسيا تُسلّح هذين البلدين ومواقفها في المحافل الدولية من سوريا خاصة معروفة مساندة لها ومدافعة عنها سوى أني أعتبر وقوفها إلى جانب مسألة تجريد سوريا من ترسانتها من الأسلحة الكيميائية [ سلاح ردعها الوحيد المقابل للأسلحة النوويّة الإسرائيلية] موقفاً ضعيفاً، ولا أقولُ متواطئاً، ولا أجد له تبريراً معقولاً ولستُ مقتنعاً بحجة موسكو أنها اتخذت هذا الموقف العلني حرصاً على سلامة سوريا وتجنيبها خطر الضربات الجوية الأمريكية التي بالغت هي ووسائل إعلامها في النفخ في بالون حجمها لكي تُخيف مَنْ يعنيهم أمر سوريا وأوّلهم بالطبع موسكو لشديد الأسف. كان على سوريا وكان على روسيا فرض شرط تجريد إسرائيل من ترسانة أسلحتها النووية وصواريخها قصيرة وبعيد المدى المُعدّة لحمل رؤوس نووية مقابل تنازل وإتلاف أسلحتها الكيميائية وإلاّ فلسوف يبقى ميزان التوازن العسكري مائلاً بالتفوّق المطلق لصالح إسرائيل لتصول في المنطقة وتجول كما تشاء ومتى تشاء تقتل وتغتال وتعربد بعنجهية مُفرطة وغطرسة عالية غير مسبوقة كأنَّ العرب والشرق الأوسط برمّته ساحة حيوية لإسرائيل ولتنفيذ شروطها ومستلزمات بقائها متفوّقةً على جميع الأقطار العربية حتى قيام الساعة. لا تتورع إسرائيل وليس هناك من يُلجمها أو يردعها عن إستخدام سلاحها النووي الفتّاك فيما لو أحست أنَّ أمنها الوطني مهدد، أو يُخيّلُ إليها أنه مُهدد، وسوف تضرب بعض عواصم العرب وطهران قبل الجميع! عندئذٍ تقومُ القيامة، قيامة العرب الأخيرة وسوف لن يقوم منهم من القبور إلاّ الرميم.

    ستبقى أمريكا وحلفاء أمريكا في الناتو وغير الناتو سويّةً مع إسرائيل وتركيا والأردن وقطر وسعودية آل سعوط أو آل سعود … سيبقى هذا الحلف يمدُّ فرق الدواعش بوسائل البقاء والتفوق مالاً وعسكرةً وتدريباً وتوجيهاً وتوسّعاً شرقاً وغرباً طولاً وعرضاً حتى بلوغ الأهداف الستراتيجية سالفة الذِكْر التي وضعتها لها أمريكا ومن يقف معها ومن يقف وراءها. ولهذا المخطط الرهيب وطويل النفس مثلٌ سالف شهير أعني ستراتيجة أمريكا وحلف الناتو وباقي حلفائها الواسعة النطاق الدؤوبة الناشطة على كل شبر من سطح الكرة الأرضية التي كانت تستهدف تصفية الإتحاد السوفييتي السابق وحلف وارشو وتم لها ذلك وإنْ استغرق أكثر من أربعة عقود من الزمن [ 1945 ـ 1990 ].

     هل يعي الكرملين خطورة هذا المخطط المتعدد والمتسلسل المواقف والخطوات برمجةً وتنفيذاً ؟ هل يعرف أنه وطهران مستهدفين في حلقاتٍ أُخرَ قادمة حسب أولويات وتسلسل البرمجة وما يحققه هذا المخطط من نجاحات وما يصيبه من إخفاقات ميدانية على الأرض أو على الصُعُد السياسية والدبلوماسية ؟

    حتى اليوم تبدو موسكو “باردة” حيال ما يجري من حروب وصراعات في منطقة الشرق الأوسط وقريباً من حدودها الجنوبية. فما زالت موسكو، على ما يبدو، مترددة في تجهيز إيران بصواريخ أس أس 300 ومجمل مواقفها من المباحثات النووية مع مجموعة خمسة زائد واحد يعتورها الكثير من الغموض وإذا وُصِفت فإنها في أفضل أحوالها محايدة وغير قاطعة وتفتقر للكثير من الحماسة والدفء والغيرة على جار صديق حتى تركت ساحات المفاوضات ( وخاصة موضوع فلسطين ) هنا أو هناك ساحات محجوزة لأمريكا، ومن ورائها إسرائيل، تصول فيها وتعرّبدُ وتجول وتهدد وتطيل من أمد المفاوضات مع الجانب الإيراني وتطيل من آماد الحصار والمقاطعات وترفع أسقف المطاليب لكأنَّ العالم بأسره دُمية بسيطة من قطن وفرو صناعي تلعب بها أمريكا وإسرائيل كيفما تشاءان.

    قد يقول قائل إنَّ روسيا منشغلة جداً بالأزمة الأوكرانية وهذا موضوع آخر ومبحث ثانٍ لا يرتابُ أحدٌ بأهميتة وخطورته بالنسبة لموسكو. إنها لعبة أخرى ومخطط خبيث أخر أعدته أمريكا ودوائر الناتو لتوريط روسيا في حرب هناك وإنهاكها وإضعاف اقتصادها وإدخالها في حالة سباق تسلّح يقضم مواردها ويستهلك اقتصادها فتنكمش جرّاء ذلك وتعجز عن أداء مهماتها الوطنية والإقليمية والدولية.

    وماذا عن مهزلة ومسرحية هبوط أسعار النفط وارتفاع قيمة الدولار الأمريكي في أسواق النقد والبورصات العالمية ؟

    إنها مؤامرة جرى الإعداد لها جيداً تستهدف إضعاف قدرات كل من روسيا وإيران و( العراق ) وقد فعلت فعلها مباشرة فانخفضت قيمة الروبل الروسي والتومان الإيراني والدينار العراقي وظلَّ سوق النفط غارقاً بفائضه جرّاء ضغوط الإدارة الأمريكية على حلفائها في الدول المنتجة للنفط لضخ المزيد منه في أسواقه العالمية لإدامة الأزمة المالية والإقتصادية للبلدان التي تضررت أكثر من غيرها والمشار إليها قبل قليل.

    العالم، على ما أرى، يقترب من شفا قيام حرب ضروس وعلى أكثر من جبهة واحدة. أوكرانيا هي أكثر الجبهات إشتعالاً ثمَّ الشرق الأوسط المزدوج الإمكانية على الإنفجار فثمّةَ جبهة سوريا ـ حزب الله ضد إسرائيل وجبهة أخرى شديدة الإرتباط بالأولى هي جبهة الحرب بين إيران وإسرائيل والجبهتان متداخلتان.

    ما تأثير هذه الحروب، إذا قامت، على وجود الدواعش واحتمالات توسّعها واحتلالها للمزيد من حقول النفط والأراضي في كل من العراق وسوريا؟ الجواب واضح يفضحه التنسيق العسكري واللوجستي في القُنيطرة والجولان بين الدواعش، وخاصة جبهة النصرة، وإسرائيل ودولة عربية المرجّح أنها الأردن التي تربطها معاهدة أمنية مع إسرائيل ( أو السعودية ). هذا ما تناقلته في هذه الأيام مصادر إعلامية غير قليلة. سيقف وسيحارب الدواعش مع إسرائيل في أية حرب قادمة سواء مع حزب الله أو مع سوريا أو إيران فتحالف ستراتيجي غير مُعلن قائم بين إسرائيل والدواعش تحت رعاية مباشرة من أمريكا وحلف الناتو.

    سياسة أمريكا الكثيرة الإزدواجية :

    يدّعي المتأمركون المشبوهون من بين بعض الكتّاب العراقيين أنَّ أمريكا هي بلد الحرية والدمقراطية وراعية السلام على الأرض ! عرفت شعوب الأرض وحشية ودموية هذه الأمريكا منذ نشأتها حتى ضربها مدينتين يابانيتين بالقنابل الذرية في شهر آب عام 1945. ثم تورّطها في الحرب الكورية التي نجم عنها إنشطار شبه الجزيرة الكورية إلى كوريتين واحدة جنوبية وأخرى شمالية ظلّت أمريكا تناصبها العداء والحصار حتى يومنا هذا. ثم أدخلت أمريكا [ الحرية والسلام والدمقراطية ؟ ] جيوشها وشعبها في حرب طال أمدها مع الفيتنام بلد المزارعين الفقراء البسطاء فقتلت من قتلت وأحرقت الأخضر واليابس وحين عجزت عن تحقيق أيٍّ من أهدافها هناك وعلى رأسها تقسيم فيتنام إلى نصفين كما فعلت في كوريا رضخت أمام صمود وشجاعة شعب وجيش فيتنام وأعلنت الصلح وصافحت قائد فيتنام الأسطوري هوشي منه.

    موضوع الساعة الأكثر التهاباً هو موقف أمريكا [ الحرية والسلام والديمقراطية ؟ ] من القضية الفلسطينية ووقوفها مع وخلف إسرائيل قلباً وقالباً وفي كل صغيرة وكبيرة وبدون حياء ضاربة عرض الحائط كافة المواثيق والعهود الدولية وقرارات مجلس الأمن والهيئة العامة للأمم المتحدة خاصة بشأن انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها في حرب حزيران 1967 ومن قضية قيام دولة فلسطين على حدود اليوم الخامس من هذا الشهر وهذا العام. ثم جاء ما هو أكبر وأشنع وأفظع!! وقوف أمريكا الأخير في مجلس الأمن المعارض لإنهاء إحتلال إسرائيل لفلسطين وقيام دولتها على الأراضي التي اعترفت بها الأمم المتحدة سالفة الذِكْر. نعم، أمريكا [ الحرية والدمقراطية ] تقف ضد مشروع يقضي بإنهاء إحتلال حليفتها إسرائيل للأراضي الفلسطينية! أمريكا إذاً مع الإحتلال وضد حرية وسلام الشعوب! ما يقول المتأمركون المشبوهون الخونة وأخص بالإشارة إلى البعض منهم ممن مجدّوا وعبدوا صنماً اسمه نوري المالكي وجعلوا من الإحتلال الأمريكي للعراق قُدساً مُقدّساً. أسوأ هؤلاء كاتب فاتح شدقيه كما تفعل البغايا وإناث الضباع .. أحاط هذا نفسه بمافيا من السوقة وأولاد الشوارع دأبوا على الوقوف بالمرصاد لكل من يوجّه كلمة نقد للسيد المالكي خاصة في موقع واحد بعينه يقال إنه موقع المالكي ودولة القانون.

    قتلُ امرئٍ في غابةِ جريمةٌ لا تُغتفرْ

    وقتلُ شعبٍ آمنٍ مسألةٌ فيها نَظَرْ

     [ لا أعرف قائلَ هذا الشعر .. أظنّه لشاعر لبناني أو سوري ]

    أثار عجبي خبر قرأته اليوم مفاده أنَّ أعضاء مجلس الأمن الدولي أدان بالإجماع حادث قتل أو حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة من قبل داعش! ما تقول أمريكا وحلفاؤها في الناتو والأوربيون فيما تفعل إسرائيل في النهار وفي الليل من مجازر وقتول واغتيالات وغزو وشن حروب وتدمير مدن كاملة وقصف منشآت مدنية كما فعلت في العراق إذْ دمرت مفاعلات نووية مُصممة للبحث العلمي وقصفها لمعمل إنتاج أدوية طبية في السودان واغتيالها لغسّان كنفاني وكمال عدوان في بيروت ولخليل الوزير في تونس ولعلماء مصريين وعراقيين ولشخصيات سياسية فلسطينية ولبنانية والكثير ثم الكثير فهل استنكر مجلس الأمن تلك الجرائم المخالفة لكل القوانين الدولية وهل شجب أيّاً منها؟ وهل ننسى فعلة إسرائيل الشنيعة الأخيرة في القنيطرة واغتيالها لجنرال إيراني مع ستة من رجال حسن نصر الله أعضاء في حزب الله اللبناني؟

    متى تخجل أمريكا وحلفاؤها في كل مكان وعبيدها الأذلاّء في العراق وغير العراق من الخونة والمرتزقة .. متى يخجل هؤلاء ومتى يصحوا فيندموا على ما فعلوا، وما زالوا يفعلون، ويعتذروا لشعوب العالم المظلومة التي عانت ما عانت من مؤامرات أمريكا وحروبها المتواصلة ومما نفّذت من إنقلابات عسكرية على الضد من رغبات هذه الشعوب وعددها لا يكاد أنْ يُحصى وآخرها ما صرّح به الرئيس الفنزويلي قبل أيام وكشفه مخططاً أمريكيا للقيام بإنقلاب ضده وضد حكومته وهو امتداد لمحاولات أمريكية سابقة للإطاحة بالرئيس السابق الراحل شافيز. أما محاولات اغتيال الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو فيعرفها العالم بأسره. إسرائيل تتوسع وتغتال العرب وأمّها وحليفتها أمريكا تتوسع وتقيم القواعد العسكرية وتقتل وتغتال وتنظّم إنقلابات عسكرية ضد كل حكومة حتى لو كانت منتخبة وشرعية لا تمتثل لسياستها ولمشيئتها إبتداءً ببياتريس لومومبا في الكونغو وعبد الكريم قاسم في العراق وليس انتهاءً بالبطل رمز ورئيس جمهورية شيلي سلفادور اللندي.

    هل العالم إمبراطورية في غابة من لصوص وقرود ووحوش تحت زعامة أمريكا ومعها إسرائيل وحلف الناتو فإلى أين لإذاً يمضي هذا العالم ؟

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة