تركيا في عفرين وايران في اربيل….والعبادي يتحرك على ايقاع التخادم الثلاثي

    المدار / باسم العوادي

    تتقدم المفاوضات الفنية بين بغداد وحكومة كردستان بوتيرة متصاعدة ويتخذ رئيس الوزراء على اساس تصاعدها قرارا بدفع مبلغ كبير كرواتب لموظفي الاقليم ما اعتبر بادرة حسن نية جيده من بغداد تجاه اربيل، في المقابل يوافق الاقليم على دزينة مؤلفة من عشر نقاط تؤكد فرض سيادة الدولة ورضوخ الاقليم لبنود الدستور العراقي.

    حدث هذا في ظل ثلاث تطورات اقليمية تاريخية ستعيد صناعة المشهد السياسي بالكامل في المنطقة عما قريب، وهي الدخول التركي الى عفرين، والوساطة الايرانية بين بغداد واربيل، وانسحاب القوات التركية من الاراضي العراقية، ثلاثة  تطورات متصلة لايمكن الفصل بينها لانها عبارة عن عملية تبادل ادوار ومساحات نفوذ ومشروع مشترك بين ايران وتركيا، والعبادي يتحرك لاستثمار هذه المشروع لصالح العراق.

    نيجرفان البارزاني يصل لبغداد ويلتقي رئيس الوزراء العراقي ويوقع على مجموعة بنود تفاوضية قبل ان يطير الى طهران ومن مطار بغداد الدولي، لكي يلتقي مسؤولي الحكومة الايرانية بناء على وساطة ايرانية مضى عليها فترة وهي تتحرك تحت الرماد، لكن لماذا ترغب ايران بشدة في ان تكون هي الوسيط؟، وكيف يمكن ان يوافق البارزاني على الوساطة الآغائية ويبقي انقره وواشنطن وراء ظهره؟، ومالذي سيحصل عليه العراق لو دخل في وسط المشروع؟.

    الوساطة الايرانية

    منذ ان بدأت الوساطات الأمريكية والغربية تتحرك بين بغداد واربيل، لم ترتاح ايران لهذا الموضوع كثيرا وعملت على طرفين، الاول هو اضعاف هذه الوساطات من خلال قوة تأثيرها في السليمانية وانطلاقا من حدودها مع اربيل، والثاني هو العمل على اقناع البارزاني بالقبول بوساطة ايرانية معتدلة ومتوازنة، فطهران تعتبر ان انتهاء الازمة بين بغداد واربيل بناء على وساطة امريكية او اوربية يعني نفوذا للوسيط اكثر هناك، ويعني تهميشا لدورها في المنطقة، ويعني حلا بعيدا عن عينها ورقابتها، ويعني ايضا ضامنا جديدا يدخل في معادلة التاثير على الكرد عموما، ويعني كذلك تحول اربيل الى خصم وعدو جديد لطهران قد يستهلك بعض قوتها ووقتها، لذلك يهمها كثيرا ان تكون هي الوسيط والضامن لمصالح جيوسياسية عامة داخل ارضيها وفي شمال العراق ايضا، ومع تلكؤ البارزاني خلال الاشهر الاربعة الماضية مابعد اعلان نتائج الاستفتاء عن قبول المساعي الايرانية، لكن الظاهر ان الظروف السياسية الحالية قد هيأت الارضية للقبول بهذه الوساطة.

    الحصة التركية:

    لايمكن اعتبار تزامن التحرك العسكري التركي تجاه عفرين مع تطور المفاوضات الفنية بين بغداد واربيل والوساطة الايرانية وسفر نيجرفان الى طهران مجرد صدفة ترتبت على جرفها هذه الاحداث الثلاثة.

    فتركيا لايمكن لها ان تكسر المعادلة الروسية ـ الايرانية ـ السورية، بهذا الشكل العسكري بدون تفاهمات معهم، والاهم انها لايمكن ان تتحدى أمريكا بهذا الشكل ايضا بدون ايجاد حليف اقليمي جديد، ولايمكن لها ان تتحرك بالضد من كرد سوريا وهي لم تؤمن ظهرها داخليا وخارجيا، وبعد اللقاءات العسكرية المتبادلة بين رئيسي الاركان التركي والايراني، والاتفاقات العسكرية التي عقدت بينهم والتي صرح الطرفان بأنها ستنتج تطورات كبيرة على الصعيد السوري والعراقي، يبدو ان هذه التطورات قد بدأت بالتحقق.

    اعتمد الطرفان الايراني والتركي، على الحاملة الروسية كضامن عالمي، اتفاق ثلاثي بحل الازمة في المنطقة بدون الركون الى العامل الخارجي او الخضوع الى التدخلات الامريكية، يترك شمال العراق الكردي لايران لكي تحل ازمته مع حكومة بغداد بوساطة طهرانية، لان اربيل تعتبر مهددة للامن القومي الايراني اكثر، المفاوضات بين رؤساء اركان الجيوش الثلاثة وتسلم العراق للمنافذ الحدودية واستعادة معبر فيشخابور العراقي واخضاع الاقليم للدستور العراقي يطمئن تركيا الحاضرة في كل هذه الترتيبات.

    في المقابل تتحرك انقره على التهديد الامني القومي لها وهو من كرد سوريا المدعومين امريكيا ومحاولة ايجاد مساحة قد تتحول الى فدرالية او قاعدة خلفية لعموم الكرد الاتراك تتسبب في خلق ازمات امنية طويلة، وموسكو وطهران حاضران في هذا المشهد التخادمي، وهو جزء من حل الازمة السورية بالتراضي بعد ان تطمئن تركيا عسكريا وامنيا ثم يأتي لاحقا ضمان تأثيرها السياسي والاقتصادي من خلال مفاوضات حل الازمة السورية.

    العبادي والحصة العراقية

    يرصد العبادي هذه التطورات بعين الصقر، والعراق في قلب هذه المعادلة ولا يستطيع ان يتخلف عنها او يرفضها، فهو يقبل باي وساطة تؤدي الى حل الازمة مع اربيل ولاسيما وانها تحقق له شروطه التي يريد من خلالها تصحيح معادلة تاريخية فرضت على العراق ما بعد سقوط حكم صدام عام 2003.

    حصل الكرد على دولة شبه مستقلة ترتبط بالعراق كبقرة حلوب فقط، وكانت اربيل تتلاعب بكل المعادلات في بغداد، والعبادي يريد ان يصحح عموم المعادلة التاريخية بين بغداد والكرد والتي كان ثمنها بحور من الدماء بين الطرفين خلال عقود سابقة، والتصحيح هو في تطبيق الفدرالية الكردية كما جائت في الدستور العراقي، قد يمنح الاقليم اكثر من حقه فعلا لارضاء الكرد وهذا لا يؤثر لكن المهم هو ان تستقيم المعادلة السياسية بين بغداد واربيل ويسترجع العراق كدولة سيادته على كامل اراضية، وهذا ما تريده حكومات انقره وطهران ويريده العبادي ايضا.

    سيحصل العبادي على حل الازمة وفقا لشروط بغداد لتصحيح المعادلة التاريخية، وستسحب تركيا قواتها من بعشيقة العراقية، وستحصر كامل تعاملاتها الاقتصادية مع بغداد التي ستشرف على كامل المنافذ الحدودية، وسيكونان انقره وطهران واربيل حلفاء للعبادي خلال المرحلة القادمة وبقوة.

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة