نشرت صحيفة ‘العرب’ اللندنية، الإثنين، تقريرا أشارت فيه إلى حصولها على تسريبات من الغرف المغلقة لمؤتمر دافوس بأن رئيس الوزراء حيدر العبادي، عاد بخيبة أمل بعد ما سمع كلاما قاسيا من مانحين ومستثمرين مفترضين، عندما عرض عليهم مساعدة العراق.
وبينت الصحيفة، اليوم، أن العبادي يقف أمام تحدي كبير في إقناع المانحين والمستثمرين الأجانب، بالعمل في العراق، في ظل انتشار الفساد، ونقص الضمانات السياسية والاقتصادية.
ويسعى العبادي، إلى توفير تمويل دولي في اتجاهين، الأول على شكل هبات ومنح دولية، ويوجه نحو عمليات إعمار البنى التحتية الأساسية في المناطق المحررة، والثاني على شكل فرص استثمارية، لإنشاء مشروعات سكنية وتجارية وترفيهية.
وقالت الصحيفة إن ‘تسريبات من كواليس مؤتمر دافوس، الذي عقد في سويسرا مؤخرا، أشارت إلى أن العبادي ‘سمع كلاما قاسيا، من مانحين ومستثمرين مفترضين، عندما عرض عليهم مساعدة العراق’.
وأضافت أن المانحين يخشون هدر أموالهم في عمليات إعمار واستثمار مفترضة، في بلد ينافس على قمة قائمة الدول الفاشلة، بسبب استشراء الفساد.
وتعاني مؤسسات الدولة من بيروقراطية شديدة، ولا يمكن إنجاز التعاملات الإدارية إلا بدفع رشى لموظفين فاسدين، يتحكمون في مفاصل القرار.
وينتمي الكثير من موظفي الدرجات الخاصة في الحكومة العراقية إلى أحزاب سياسية، تتقاسم معهم العمولات التي توفرها وظائفهم.
وبالرغم من الإصلاحات التشريعية العديدة التي أدخلها العراق على قوانين الاستثمار، إلا أن البيئة القانونية تبدو معادية للاستثمار الأجنبي، بحسب مراقبين.
ويقول هؤلاء إن عُقدا قانونية عديدة ما زالت توضع في طريق المستثمرين الأجانب الذين يفكرون في المجيء إلى العراق، بهدف إجبارهم على دفع عمولات، لتسهيل تعاقداتهم. وفي بعض الأحيان تبلغ العمولات نحو نصف الأرباح المتوقعة. وفقا للصحيفة.
وتتابع ‘صار معروفا على نطاق واسع بأنّ سمعة بغداد لا تشجع المستثمرين على المغامرة بأموالهم في بلد لا يزال يصنف باعتباره الأخطر بين بلدان العالم. كما أن هناك مَن يعتقد جازما أن الهبات لن تذهب من أجل إعمار المدن التي دمرتها الحرب على داعش، في ظلّ هيمنة أحزاب وتنظيمات طائفية مسلحة على الشارع كما على جزء كبير من مفاصل الدولة’.
وتوضح أنه في ظل غياب الثقة بالحكومة العراقية فإن الأرقام التي تطرحها تلك الحكومة تبدو نوعا من الخيال الذي لن يقوى سوق الاستثمار العالمي على تحويله إلى واقع. وقد يبدو عقد مؤتمر المانحين في الكويت بالذات رسالة سيئة إلى بعض الكويتيين الذين لا يزالون يصرون على عدم إلغاء ما تبقى من التعويضات. وهو ما سيشكل عائقا مضافا أمام تعامل المستثمرين والمانحين مع الطلبات العراقية.
ولا يتوقّع خبراء الشؤون الاقتصادية والمالية أن يحقق المؤتمر نتائج خارقة ومعجزات في ظل عدم قدرة الحكومة العراقية على توفير ضمانات واقعية للجهات التي تسعى إلى مساعدة العراق، ما يجعل الآمال المعلّقة على المؤتمر أقرب إلى الأحلام.
ويراهن العبادي، على إقناع المجتمع الدولي بتقديم جزء لا بأس به من الأموال التي يحتاجها العراق. لكنه يحتاج أولا إلى كسب ثقته. ومن المنتظر أن يلتقي المانحون الدوليون، بين 12 و14 من فبراير المقبل في الكويت، لبحث فرص مساعدة العراق.
وتعوّل بغداد على هذا المؤتمر، لإطلاق حملة إعمار واسعة في البلاد، معتمدة على سلسلة تعهدات وإجراءات ستتخذها، لإقناع المانحين بتقديم أموالهم.
ويبدو مكتب العبـادي في بغـداد، واثقـا من قدرته على إقناع المانحين في مؤتمر الكويت، لكن مصادر دبلوماسية تقول إن الحكومة العراقية لا تملك ما يكفي من الحجج للحصول على ثقة أصحاب رؤوس الأموال الأجانب. وفي محافظات مدمرة مثـل نينـوى والأنبار، يبدو عمل الشركات الأجنبية، مصدرا جاذبا للتنافس السياسي، في ظل الفوضى التي سادت هناك عقب انتهاء عمليات التحرير. كما نقلت الصحيفة.
وتعـاني الموصـل، مركز نينوى، والرمادي، مركز الأنبار، دمارا هائلا في البنى التحتية ومنازل السكان، بعدما تحولتا إلى جبهتين كبيرتين خلال الحرب ضدّ تنظيم داعش. ويسود فيهما الاضطراب السياسي، وتتنافس على إدارتهما قوى، يتهم معظمها بالفساد.
وتقول مصادر دبلوماسية إن المانحين والمستثمرين ربما يختارون توجيه تمويل محدود، لمشاريع معينة في العراق، لاختبار إمكانية النجاح. وتبدو محافظة الأنبار مرشحة لتكون مكانا لهذه التجربة.
وترتبط الأنبار، حدوديا، بثلاث دول، هي سوريا والأردن والسعودية، ما يسهل وصول الشركات إليها.
وتعتقد الحكومة العراقية أن المجتمع الدولي سيساعدها في توفير بيئة عيش طبيعية، تمنع ظهور التطرف العنيف الـذي ارتبط بسياسات استبدادية تورطت فيها الحكومات السابقة، وتميزت بسوء توزيع الثروات.
ويعاني العراق عجزا كبيرا في موازنته المالية، أرغمت البلاد على الخضوع لعمليات تقشف واسعة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، التي شهدت أيضا سيطرة تنظيم داعش على جزء واسع من أراضيه. ولم يتمكن العراق من استعادة أراضيه، إلا بإنفاق مليارات الدولارات على العمليات العسكرية، التي تسببت لاحقا في تدمير مدن كاملة.
واضطر العراق لطلب قروض دولية، قيدت الإنفاق الحكومي بشروط صعبة، وتسببت في رفع أسعار المحروقات، التي تدعم الدولة إنتاجها.
وتشير التقديرات العراقية، إلى حاجة البلاد لنحو 100 مليار دولار، لتمويل عمليات إعمار واسعة، في المناطق التي استعيدت من تنظيم داعش.