احزاب موسمية

    محمد عبد الجبار الشبوط
    لا يصعب على المراقب السياسي ان يلحظ النقاط المترابطة التالية بشان واقع حال الاحزاب السياسية العراقية:
    ١. الاحزاب السياسية العراقية القديمة التاريخية تتحلل وتتفكك وتخسر بالتالي الكثير من قاعدتها الشعبية. حجم الخسارة سوف تكشفه الانتخابات المقبلة.
    ٢. في كل موسم انتخابي تنشأ احزاب موسمية محدودة التأثير محكومة بحدود الدين او الطائفة او العرق والزعامة الشخصية.
    ٣. في مقابل ذلك عجز المجتمع العراقي رغم مرور ١٥ عاما على سقوط الدكتاتورية عن انتاج حزب وطني (واحد او بعدد قليل معقول) عابر للطائفية والعرقية. وهذا مؤشر على ان الانقسام الطائفي والعرقي عميق الجذور، وان الافكار المتداولة كالدين والوطنية لم تثبت قدرتها على توحيد المجتمع بعد.
    اذا كان الحزب السياسي يخدم قضية مجتمعية تهم المجتمع بصورة عامة، فانه من السهولة ان نلاحظ ان الاحزاب السياسية العراقية لم تعد (او ليست اصلا) احزاب قضايا مجتمعية او برامج سياسية انما هي احزاب سلطة، بمعنى ان أصحابها وقادتها ومؤسسيها يطمحون فقط الى الوصول الى السلطة، والحصول على بعض مكاسبها وجوائزها. ويمكن للمواطن المتابع ان يلاحظ ببساطة ان التنافس ليس على برامج لخدمة المواطن، انما هو سباق للوصول الى الحكم بشقيه التنفيذي والتشريعي.
    وهذه ظاهرة خطيرة تكشف عن تخلف مفهوم العمل السياسي في العراق عن مفهومه الحضاري الذي يعني العمل على رعاية مصالح الناس. ولما كانت مصالح الناس العامة والمشتركة معروفة ومحددة فان الكثرة غير الطبيعية بعدد الاحزاب المتنافسة تكشف عن ضعف الصِّلة العضوية بين مفهوم (رعاية مصالح الناس من جهة) ومفهوم (الحزب السياسي) من جهة ثانية.
    لا يصح بسبب هذه الظاهرة السلبية ان نمقت الاحزاب ونطردها من حياتنا السياسية، وانما نسعى الى اقامة الحياة السياسية الحزبية في المجتمع وفق مفاهيم الدولة الحضارية الحديثة التي ترى في الاحزاب احدى دعامات الديمقراطية من جهة، والتي تؤكد على احزاب البرامج المستقرة، من جهة ثانية، وليس الاحزاب الموسمية التي تتشكل استنادا الى مبررات انتخابية عابرة، وهي احزاب سرعان ما تختفي بعد انقضاء الموسم الانتخابي. وما نجده في الدول الحضارية الحديثة ان أحزابها ذات إعمار طويلة وتعبر عن برامج تمثل مصالح شرائح اجتماعية معينة عابرة للطوائف او القوميات او الشخصيات. واذكر على سبيل المثال لا الحصر ان حزب العمال البريطاني تأسس عام ١٩٠٠ و حزب المحافظين تأسس عام ١٨٣٢ وحزب الأحرار تأسس ١٨٥٩ ومازالت هذه الاحزاب عاملة في بريطانيا وتشكل أعمدة الحياة الحزبية والبرلمانية في هذا البلد. وحين تقتضي الحاجة والضرورة فان من حق الدولة الحضارية الحديثة ان تصدر من التشريعات والقوانين ما يضبط وينظم الحياة الحزبية ويحميها من الانشطارات غير البرامجية بدون الاخلال بالحريات السياسية للمواطنين بطبيعة الحال.
    #الدولة_الحضارية_الحديثة

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة