لم يتردد رئيس الوزراء حيدر العبادي في إعلان النصر الكبير على تنظيم داعش، رغم يقينه بوجود التنظيم على الأرض، لكن باستراتيجية مختلفة، وهو ما يثير تساؤلات عن طبيعة الانتصار المتحقق في ظل التحشيد الحاصل من جديد في نينوى وكركوك، وهشاشة الوضع الأمني في ديالى وأغلب المناطق المحررة.
واجتمع الأحد قيادات قوات العمليات المشتركة وقوات مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية وأمراء مليشيات الحشد الشعبي، لوضع خطة تتضمن «تطبيق إجراءات جديدة بشأن تطورات الملف الأمني في كركوك، خاصة في مناطق الحويجة والرياض والرشاد، التي تتخفى فيها بقايا فلول التنظيم الفارين حسب المعلومات التي حصلت عليها (باسنيوز).
وتشهد محافظات كركوك ونينوى أوضاعاً أمنية متردية إثر انتشار عصابات الخطف والاغتيالات فضلاً عن التهديدات الحاصلة من عناصر تنظيم داعش، حيث أعلن مصدر أمني عن شن عملية عسكرية واسعة؛ لملاحقة خلايا تنظيم الدولة في محافظة كركوك.
وأوضح النقيب في شرطة كركوك، حامد العبيدي، لوكالة ‹الأناضول›، أن «قوات مشتركة من الشرطة الاتحادية ومليشيات الحشد الشعبي شنت الأحد عملية عسكرية؛ لتأمين قرى في ناحية الرياض، التابعة لقضاء الحويجة 55 كم جنوب غربي مدينة كركوك».
وأضاف أن «العملية تمت بإسناد من الطيران الحربي، وبُنيت على معلومات استخباراتية عن وجود نشاط لمسلحي التنظيم».
وعلى مدى الأسابيع الماضية، شهدت محافظة كركوك هجمات متصاعدة، شنها غالباً مسلحون مرتبطون بتنظيم داعش على أهداف عسكرية ومدنية.
وأشار مراقبون إلى أن استعجال رئيس الوزراء يقف خلفه الرغبة في استثمار النصر من أجل الدعاية الانتخابية، خصوصاً مع قرب موعد إجراء الانتخابات المقرر إجراؤها في أيار / مايو المقبل، إذ يؤكد في أكثر من محفل استحقاقه في النصر بالقول: «لقد أنجزنا المهمة الصعبة في الظروف الصعبة وانتصرنا»، كما يتطرق دائماً إلى المقارنة بين ما حقق من انتصارت وما فعله سلفه نوري المالكي المتهم بالتقصير؛ بسبب سيطرة تنظيم داعش على 3 محافظات في ظل وجوده في منصب رئيس الوزراء.
تداعيات «النصر المبكر» على أمن المناطق المحررة
ويقول خبراء أمنيون إن تداعيات إعلان النصر المبكر تظهر جلية في الأيام المقبلة، إذ من المتوقع أن تشكل بقايا تنظيم داعش المتناثرة في المناطق المستعادة تهديداً أمنياً قد يعيق بعضاً من عمليات إعادة الإعمار.
ويرى الخبير الأمني مؤيد الجحيشي أن عمليات التحرير لم تكن مكتملة وهناك فرق بين طرد عناصر داعش والقضاء عليهم، فالطرد يعني إخراجهم من منطقة إلى أخرى، وهذا ما حصل في أغلب عمليات التحرير التي قامت بها القوات العراقية، أما القضاء عليهم، فهذه عملية شاملة تحتاج إلى استراتيجية واضحة وترتكز على محددات عسكرية وأمنية واستخباراتية.
وأضاف في تصريح لـ (باسنيوز)، أن «رئيس الوزراء حيدر العبادي وفصائل الحشد الشعبي استعجلت بإعلان النصر على تنظيم داعش، وما نعيشه اليوم أكبر دليل على خطأ ذلك الإعلان الذي جاء لدواعٍ انتخابية تسعى لكسب جمهور المحافظات الجنوبية وتلعب على الوتر الطائفي».
وتحذر تقارير غربية من أن يتبع التنظيم استراتيجية ضرب النقاط الحيوية التي سيرتكز عليها الإعمار كمحطات الكهرباء، والمياه، إضافة إلى استهداف التجمعات البشرية كالأسواق المكتظة، رغم إعلان القوات العراقية بين الحين والآخر، شنها مداهمات على مضافات لعناصر تنظيم داعش، إضافة إلى هجمات جوية تستهدف تجمعات للتنظيم في مناطق خارج المدن.
وعلى أرض الواقع كشف نائب رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية نايف الشمري، عن إحباط محاولة لإدخال عجلة حمل كبيرة محملة بقاذفات وصواريخ إلى مدينة الموصل، مشيراً إلى أن «تكرار مشهد عبور العجلات لنقاط التفتيش يجعلنا نعيد سيناريو المرحلة السابقة التي كانت فيها العجلات المفخخة تصل إلى أهدافها دون أي شيء يمنعها».
واستغرب الشمري في تصريح له «وصول تلك الأسلحة إلى عناصر التنظيم رغم وجود السيطرات وهو أمر لا نتمنى تكراره خاصة بمحافظة نينوى التي عاشت وعانت أقسى الظروف نتيجة للاهمال والخروق الأمنية».
القوات العراقية غير جاهزة للمرحلة الجديدة
وأظهرت العملية التي نصب فيها تنظيم داعش كميناً محكماً الشهر الماضي راح ضحيته 27 عنصراً من مليشيات الحشد الشعبي في الحويجة، جنوبي كركوك، عدم جاهزية القوات الأمنية للمرحلة الثانية في الحرب ضد داعش، التي حذرت منها واشنطن في أكثر من بيان ومؤتمر صحفي.
وبحسب قيادات في القوات الأمنية، فإن العناصر والجيوب والجماعات المسلحة التي هربت من الموصل، «تختبئ في مناطق صحراوية غرب الموصل، وتنفذ هجمات تستهدف القوات الأمنية والأهالي على حد سواء».
من جهته ، أكد عضو مجلس محافظة كركوك محمد كمال أن الوضع قلق في المحافظة بعد أحداث السادس عشر من أكتوبر / تشرين الأول الماضي، حيث تسلمت القوات العراقية الملف الأمني وعسكرت المجتمع الكركوكي وكأننا عدنا إلى عام 1918 عندما كان هناك حاكم عسكري لتلك المدن، مؤكداً أن قوات البيشمركة خلال السنوات الماضية كانت على حدود المحافظة لمواجهة تنظيم داعش، وليس داخل المدن كما يحصل الآن.
وأضاف كمال لـ (باسنيوز)، أن «الحل يكمن في الاتفاق بين الإقليم والمركز والجلوس على طاولة مفاوضات وبحث كافة النقاط الخلافية، ثم عودة الملف الأمني إلى الأجهزة المحلية، المتمثلة بشرطة كركوك وقوات الآسايش التي تمتلك قاعدة بيانات كاملة عن عناصر داعش وتحركاتهم، وهذه القاعدة لم تستفد منها القوات العراقية ولم تنسق مع الآسايش بهذا الخصوص».
ويستغل عناصر داعش، المناطقَ الصحراوية، والوديان، والهضاب، والحفر، والمخابئ التي سبق وحفروها، كما هيأوا كافة احتياجاتهم من الأسلحة والأعتدة والماء والوقود والغذاء بما يوفر لهم إمكانية الاختباء لفترات طويلة.
ويعتبر مراقبون، إن ما تبقى من عناصر التنظيم يشكلون «خلايا نشطة وليست نائمة» إذ تتعرض بعض المناطق إلى هجوم، كما تنشط فيها بين الحين والآخر سلسلة اغتيالات تطال شخصيات معينة.
وأرجع مختصون في الشأن الأمني السبب إلى أن «التحرير شمل الأرض جغرافياً وسيطر عليها، لكن لم يتم القضاء على عناصر داعش بشكل كامل»، ويضيفون أن «معركة الجهد الاستخباري هي التحدي الأكبر؛ لأن القوات الأمنية ستبحث عن عناصر موجودة بيننا، على عكس الصفحة العسكرية التي انتهت حيث كان فيها داعش معروفاً ومكشوف الأماكن والحدود».
ويقول الخبير المتخصص بشؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي، إن «تنظيم داعش تحول إلى دولة الظل التي تعتمد على هياكل تنظيمية قوامها الولايات التقليدية حتى لو لم تكن لها فعالية مثل ما كانت عليه، بالإضافة إلى الانتقال إلى هيكل الخلافة الرقمية باعتماد مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك التمويل الذاتي عبر عمليات الخطف وقطع الطرق وغيرها من الأساليب، بالإضافة إلى العمليات النوعية».