انقسمت اراء المثقفين العراقيين ما بين الدعوة الى المشاركة في الانتخابات البرلمانية والدعوة الى مقاطعتها وكلهم يعطي الاسباب والمبررات لذلك. فيما الكثير من الناس ينظرون حائرين الى هذا الانقسام لانهم يعتقدون ان رأي المثقف له حضور مؤثر غير حضور رجال الدين او السياسيين.
في الوقت الذي انطلقت فيه دعوات من عديد المثقفين العراقيين الى مشاركة واسعة في الانتخابات، انطلقت في بالمقابل دعوات لمقاطعتها من مثقفين اخرين، وفي الحالتين يشدد هؤلاء على الضرورات التي من وراء ما ذهبوا اليه، بيد ان البعض يرى ان لا قدرة للمثقف على توجيه الشارع ولا اﻹعلام، مشيرا الى وجود الولاءات والانتماءات التي لا يمكن ان تزحزحها ارادة المثقف مهما كان صوته.
أصدر عدد كبير من مثقفي العراق نداء عاما اهابوا فيه بالمثقفين الى اخذ دورهم الثقافي والوطني والانساني، وان يحثوا الناس على المشاركة الواسعة في الانتخابات والتصويت من اجل العراق الافضل.
وقع عليه 112 مثقفا ومنظمة ثقافية، فيما كانت مواقع التواصل الاجتماعي الساحة الكبيرة لمثقفين اخرين للاعلان عن مقاطعتهم بصراحة ووضوح، مع تأكيدات مهمة تتمثل في ان (مقاطعة الانتخابات ليست خيانة للوطن كما يفهم السذج من المواطنين وانما موقف لأعادة التوازن لوطن سرقه القتلة والعملاء لامريكا وايران) وان (التزوير قادم بعلم الأمم المتحدة وامريكا وايران ورؤوساء الكتل .. افرحوا ياناخبين وصفقوا .. اجلس في بيتك حتى لا تكون مجرد كومبارس)
احتجاج على المثقفين
يحتج الاديب قاسم وداي الربيعي على المثقفين وتقاعسهم، ويقول: “ثقافة هزيلة ومثقفين لا هوية لهم”.
يضيف: “الوطن تملأ جسده الطعنات ومثقفونا منشغلون في عوانس الفيس , صورهم البائسة ورسائلهم قبيحة جدا ما عادت سوى كلمات مكررة غير صالحة للنشر في لغةِ الإعلام”.
يتابع: “دوركم أيُها المدعون الوقوف مع الشعب ومحاولة تعديل المسار وصناعة مجتمع يرى القادم مساحات من الفرح والطمأنينة فكفى هذه الضجيج أرجوكم دعونا نسمع ما تقوله الشوارع من وصايا الشهداء”.
المقاطعة لحراك شعبي
يؤكد الشاعر والكاتب محمد غازي الأخرس، ان المقاطعين ما قاطعوا الا ليقينهم أن البرلمان القادم سيأتي بالفساد، وقال: “انا لن أشارك في الاقتراع بالانتخابات مع احترامي العظيم للمشاركين. أقاطع وأنا أعلم أن لا المقاطعة يمكن أن تغير الوضع ولا المشاركة. لكنني اعتقد ان المقاطعة اذا ما اتسعت يمكن ان تقود لحراك شعبي في ما بعد”.
واضاف: “هذا هو الأمل الوحيد الذي يلوح في غابة السوء والخديعة والكذب والفساد التي نحن فيها الان”.
وتابع: “لن اقترع وسأنصح كل من أعرف بعدم الذهاب .وان يشارك سيكون مسؤولا عن نتائج تصويته وسيكون من حق الممتنعين تذكير زملائهم المصوتين بخطأ خيارهم”.
وقال ايضا: “المقاطعون ما قاطعوا الا ليقينهم أن البرلمان القادم سيأتي بالفساد ولهذا من حقهم التذكير برأيهم هذا اذا صدقت توقعاتهم وبعكسه على من يصوت تحمل ما يأتي به صوته من كتل فاسدة. لهذا لن يكون من حقهم انتقاد أولئك الفاسدين”.
موسم الفضائح !
الى ذلك اكد الكاتب سهيل سامي نادر أن موسم الانتخابات هو موسم الفضائح، وقال: لا أدعو أنا للمقاطعة ولا أدعو للمشاركة فيها ، بل أرى الانتخابات كلها في إطار النظام السياسي وموازين القوى. لست صاحب دعوة ولا دعاوى ، ومهمتي ككاتب هي الحديث عما أعرف وأراه ، من دون أن أنزل سقوفا أو أرفعها.
واضاف: “إن حججي الخاصة معقدة بعض الشيء، أمدّ حججي مؤشرا الى النظام السياسي الذي أخرج الى النور ولادات مشوهة. ففي ما عدا النظام الانتخابي الذي يضيق فرص القوى غير الطائفية ، وإمكانية التزوير ، والاثنان جربا في صعود فاسدين سياسيا وأخلاقيا (والمجرب لا يجرب) ، أرى أن الانتخابات الحالية تمثل لحظة تفسخ في النظام السياسي الحالي ، ولحظة انقسام سياسي – مجتمعي”.
وتابع: إن هذا الكم من المرشحين، والقوائم، والمسميات السياسية التي هي بلا تاريخ ولا قواعد، وهذه الدعايات الانتخابية المضحكة، والاموال المصروفة، تشير إلى تحول السياسة الى مشروع ربحي . لقد تحولت السياسة من سياقها المنطقي كتدبير وحل للمشاكل الى مشكلة. إن هذه الكثرة المتنافسة تعكس الواقع الفقير للبيئة السياسية المتحولة الى دكاكين تبيع وتشتري وتساوم وتقوم بتسجيل الديون . إنه الفقر السياسي والاخلاقي ، التفاهة، الانقسامات ، الصراع من اجل الربح والتحكم بالناس ، المناطقية السافرة ، الطائفية المخادعة التي باتت تتستر بأردية سياسية ومدنية ، العشائرية التي حلت محل المجتمع المدني ، حيل بناء كيانات سياسية على قدر اللعبة الانتخابية : تلك هي صورة الانتخابات كما أراها في سياق النظام السياسي . وبرغم ذلك أرى أن قرار الامتناع أو المشاركة متروك للمواطنين ، سواء كانوا افرادا أحرارا أو مكبلين بقيود الطائفة والعشيرة وأوهام السلطة”.
واضاف ايضا: “في غياب شروط أي تحول ثوري ، وغياب شروط حدوث تحولات عقلانية في النظام السياسي ، بل وفي غياب إمكانية الاصلاح السياسي على الأقل ، لا مفر من قطع الشوط كله ، ومراقبة البيئة السياسية وهي تتقيأ آخر مبتكراتها الفاسدة وسمومها ومخادعاتها . إن موسم الانتخابات العراقي هو موسم الفضائح ! ،ليكن إذن موسم فضائح”.
مشهد بلا كبار
الشاعر والناقد جمال جاسم امين يقول: “يتساءل البعض عن رأي المثقف و ينتظره كما لوكانت فتوى مرجع بلا اتباع ! اولا لنكن صريحين ، المثقف المستقل صعب الوجود في مجتمع تعوّد الاصفافات بشتى انواعها ، يصنّفك وانت في المهد ! و لا ينتظرك تكبر لتختار ! اذن كيف تكون مستقلا و غير منحاز ؟ يتوقف الامر على قوة إشتغالك على ذاتك وكسر القوقعة و التخلص من إضطرارات المكان ، تنتظرك خسائر على هذا الطريق و تهم و ربما قتل و تصفية”.
يضيف: “اليوم نحن ازاء مشهد بلا كبار ! مشهد غنيمة وتنافس واستحواذ .. من يعفّ عند المغنم كما قالها الشاعر ؟ من يتوازن ؟ من ينظر بعين القادم لا بعين لحظته الراهنة ؟ من ..؟ من .. ؟ قليل منا من يعف وهذا القليل معزول غير ذي قرار ، خائف ! مرتبك لانه يرى الشوارع مشغولة بالمسلحين ! ولا تسمح بمرور ( غير المجرب ) ! من أين يمر غير المجرب ؟ هل منحناه فرصة ؟ هل الجو آمن لظهور الجميع ؟ لنتذكر الدور الذي لعبته كواتم الصوت في تصفية خصوم المجربين ! .. غير المجرب لا فرصة له بالمرة واذا تطاول و ارتكب جريمة الظهور فالتهم جاهزة .. اذن نحن امام مشهد كلهم مجربون .. اقصد الكتل مجربة .. رؤساؤها ، نهجها التحاصصي ، رؤيتها للسلطة و لا اقصد حشو القوائم و ذيولها .. هؤلاء غير قادرين على تغيير النهج حتى لو فازوا .. سيكتفون بالسفر و التصريحات ثم يقولون نأسف الكتل لا تستجيب .. وها نحن في كل مرة .. الكتل لا تستجيب .. النهج ثابت لا يستجيب .. اذن ما الذي ( صخّم ) وجهك ودس أنفك في عملية سياسية دبرت في ليل ؟ الا تعلم ان النهج بيد دول اخرى ؟ و انت الفقير لله خدعوك بالديمقراطية الامريكية المجرمة.
وتابع: هذا الايضاح لمن سيبررون مستقبلا باننا خدعنا و ان الكتل لا تستجيب .. نقولها لكم من الان حتى لو فزتم ايها المدنيون سيؤسلمكم البرلمان ! فتعودوا متأسلمين و متأمريكين و علينا السلام !!.. اقول مدنيون و اعرف انكم في دواخلكم متأسلمون وخرافيون .. لانكم ببساطة إنسقتم وراء خرافة الديمقراطية في العراق و صدقتكم ما يقوله المشعوذون من ذوي البدلات الانيقة واللحى الطازجة”.
نوع من انواع الاحتجاج
من جانبه قال الفنان التشكيلي عماد رسن: “مقاطعة الانتخابات هي نوع من انواع الاحتجاج والفعل السياسي في القاموس السياسي كونها فعل يعبر عن إرادة معينة. هناك على الأقل بعدين رئيسيين فيما يخص مقاطعة أية انتخابات وما يخص العراق تحديداً”.
واضاف : البعد الأول وهو أن المقاطعة تعبر دائما عن رفض لآلية الديمقراطية التي يحس أو يتأكد بأنها ستزور إذ أن لافائدة من المشاركة حيث تأتي المقاطعة في سياق تقليل نسبة المشاركة وابراز السردية المضادة لسردية اصحاب السلطة. تكون المقاطعة صامتة في الأنظمة الشمولية ويعبر عنها في الصحافية في الأنظمة الشبه شمولية كما حصل في مصر مؤخراً.
واضاف : البعد الثاني، لافائدة من المقاطعة بشكل فردي فهي تؤدي لنتائج عكسية. المقاطعة كفعل سياسي يجب أن تكون ضمن مشروع مضاد تتبناه قوى سياسية وجبهة سياسية عريضة تدعو لتلك المقاطعة لتقويض شرعية الفائز بالانتخابات من خلال التشكيك بالآليات الديمقراطية. المقاطعون بشكل جماعي لهم أهداف طويلة الامد كتحريك الشارع لاحقا لإعادة الانتخابات بإشراف مستقلين.
الحجة القاطعة في القول بالمقاطعة
اما الشاعر نصير غدير فقال: “أغرب الآراء والتي تدل على قلة وعي بالتاريخ السياسي الحديث، هي تلك الآراء التي تنظر للمقاطعة بوصفها فعلا انهزامياً وسلبياً، هذه آراء قائمة في نفسها بالمقلوب، يعرف جميع المدافعين عن الحقوق الشعبية والمعارضين في بلدان العالم أن المقاطعة من أخطر العمليات الديمقراطية السلمية ثورية، وهي من أنجع أنواع المعارضة اللاعنفية، وليس الأشكال المستخذية التي جربها بعض الجماعات على مدى سنتين ونصف مؤخرا”.
واضاف: نحن مقاطعون للأسباب الآتية:
١- مفوضية الانتخابات، ليست مستقلة بل منحازة للكتل الكبرى والمفوضون أعضاء في هذه الكتل لحماية مصالحها، وضرب مصالح الفئات الأخرى، وهذا يجعل الانتخابات بيد مؤتمن غير أمين، وعرضة للتزوير.
٢- قانون الانتخابات غير عادل ويسرق أصوات الشعب ويجيرها لصالح الكتل الكبرى.
٣- قانونا المفوضية والأحزاب سمحا بالأحزاب العرقية والطائفية، وسمحا للفاسدين والمسؤولين عن ضياع المال المال العام والمفرطين بثروة البلاد بالترشح.
٤- اجهزة العد والفرز غير دقيقة وعرضة للسطو الأليكتروني، ولا يمكن تأمين شبكة تغطية ممتازة بالخبرات المتوفرة، كما أن سرڤر البيانات ليس في العراق، مما يجعل الأصوات خارج السيادة الوطنية وعرضة لتلاعب القوى الدولية الكبرى.
٥- وبعد كل هذا فمن لا يقتنع بهذه الأدلة، فعليه أن يصوت لمرشح مؤهل لقيادة البلد ونزيه في قائمة مؤهلة لقيادة البلد ونزيهة، وكل القوائم هي قوائم جربناها فی قیادة البلد، وفي سرقته والتفريط بأرواح أبنائه، والقيادات هي نفسها، وإن غيرت تحالفاتها وصيغها وأسماءها. فمن أراد أن يصوت للصديق والنسيب وابن العشيرة وللمسؤول الإداري، والمسؤول الحزبي فالعراق بذمته.
٦- إن ارتفاع نسبة المقاطعة وانخفاض نسبة المشاركة يكشف للمجتمع الدولي ضعف المسار المزيف للديمقراطية، ويجعل الحكومة المتولدة عنها حكومة بلا غطاء شعبي، مما سيجعلها تفشل، وبفضل القوى الشعبية الواعية والمقاطِعة وبدعم القوى المعنوية سيتم الضغط على الحكومة لتصحيح القوانين، وتغيير المفوضية ثم الذهاب لتصويت عادل مبكر بعد رفع الشرعية عن الأحزاب الطائفية والعرقية، وعن الفاسدين.