مخالفات دستورية …محمد عبد الجبار الشبوط

    يفترض ان العراق، ومنذ سقوط النظام الدكتاتوري السابق في ٩ نيسان عام ٢٠٠٣، باشر في عملية اعادة بناء الدولة العراقية الجديدة على اسس ديمقراطية دستورية.
    وقد تولت عملية البناء مجموعة من الاشخاص تولى بعضهم عضوية مجلس الحكم، والجمعية التاسيسية، ومجالس البرلمان الثلاثة، و الحكومات، مما شكل ما يشبه الطبقة السياسية الجديدة التي تمتعت بالصلاحيات والامتيازات على مدى السنوات ال ١٥ الماضية.
    ومن اهم متطلبات بناء الدولة وضع دستور دائم لها، مع ضرورة الحرص المطلق على احترام الدستور والتقيد به والعمل بموجبه.
    ولا يتصور ان يتم انتهاك الدستور الدائم. فهذا من المحرمات الكبرى في الدول الدستورية الحديثة، وعلامة على كون الدولة حضارية ايضا.
    وكان من المفروض ان تكون الطبقة السياسية الجديدة احرص الناس على تطبيق الدستور والالتزام به وعدم مخالفته وارساء هذا ضمن التقاليد الدستورية الراسخة للدولة.
    وكان من المفترض ان تكون متطلبات بناء الدولة هي الحاكمة على متطلبات تقاسم السلطة استنادا الى مبدأ “علوية الدستور” والمادة ١٣ التي تنص على ما يلي:
    “اولاً :ـ يُعدُ هذا الدستور القانون الاسمى والاعلى في العراق، ويكون ملزماً في انحائه كافة، وبدون استثناء.
    ثانياً :ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع هذا الدستور، ويُعد باطلاً كل نصٍ يرد في دساتير الاقاليم، او أي نصٍ قانونيٍ آخر يتعارض معه.”
    لكن الذي حصل ان الطبقة السياسية المؤلفة من اشخاص واحزاب متصارعة على السلطة، ارتكبت عدة مخالفات دستورية، منها على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي:
    ١. عدم تشكيل مجلس الاتحاد المنصوص عليه في المادة (65) التي تقول: “يتم انشاء مجلسٍ تشريعي يُدعى بـ (مجلس الاتحاد ) يضم ممثلين عن الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في أقليم، وينظم تكوينه، وشروط العضوية فيه، واختصاصاته، وكل ما يتعلق به، بقانونٍ يسن بأغلبية أعضاء مجلس النواب”.
    ٢. عدم تاسيس مجلس الخدمة الاتحادي المنصوص عليه في المادة (107) التي تقول: “يؤسس مجلسٌ، يسمى مجلس الخدمة العامة الاتحادي، يتولى تنظيم شؤون الوظيفة العامة الاتحادية، بما فيها التعيين والترقية، وينظم تكوينه واختصاصاته بقانون.”
    ٣. استغلال النفوذ الذي حرمته المادة (127) بقولها: “لا يجوز لرئيس الجمهورية، ورئيس واعضاء مجلس الوزراء، ورئيس مجلس النواب ونائبيه واعضائه، واعضاء السلطة القضائية، واصحاب الدرجات الخاصة، ان يستغلوا نفوذهم في ان يشتروا أو يستأجروا شيئاً من اموال الدولة أو ان يؤجروا أو يبيعوا لها شيئاً من اموالهم، أو ان يقاضوها عليها أو ان يبرموا مع الدولة عقداً بوصفهم ملتزمين او موردين او مقاولين”.
    ٤. تعيين نواب لرئيس مجلس الوزراء خلافا لنص المادة (139) التي تقول: “يكون لرئيس مجلس الوزراء نائبان في الدورة الانتخابية الاولى”، فقط، ما يعني عدم جواز ذلك في الدورات الانتخابية اللاحقة.
    ٥. عدم تطبيق المادة (140) بخصوص كركوك والمناطق المتنازع عليها والتي تنص على:
    “اولاً :ـ تتولى السلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة (58) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، بكل فقراتها.
    ثانياً :ـ المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية، والمنصوص عليها في المادة (58) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، تمتد وتستمر الى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب هذا الدستور، على أن تنجز كاملةً (التطبيع، الاحصاء، وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها، لتحديد ارادة مواطنيها) في مدةٍ أقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الاول سنة الفين وسبعة.”
    ٦. عدم انجاز التعديلات الدستورية التي نصت عليها المادة (142) والتي تقول:
    “اولاً – يشكل مجلس النواب في بداية عمله لجنة من اعضائه تكون ممثلة للمكونات الرئيسة في المجتمع العراقي , مهمتها تقديم تقرير الى مجلس النواب , خلال مدة لاتتجاوز اربعه اشهر , يتضمن توصية بالتعديلات الضرورية التي يمكن اجراؤها على الدستور , وتحل اللجنة بعد البت في مقترحاتها .
    ثانيا: تعرض التعديلات المقترحة من قبل اللجنة دفعة واحدة على مجلس النواب للتصويت عليها وتعد مقرة بموافقة الاغلبية المطلقة لعدد اعضاء المجلس.
    ثالثاً: تطرح المواد المعدلة من قبل مجلس النواب وفقا لما ورد في البند ( ثانباً ) من هذه المادة على الشعب للاستفتاء عليها، خلال مدة لا تزيد على شهرين من تاريخ اقرار التعديل في مجس النواب.
    رابعاً: يكون الاستفتاء على المواد المعدلة، ناجحاً بموافقة اغلبية المصوتين، واذا لم يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات او اكثر.”
    ٧. عدم تشريع القوانين المنصوص على ضرورة تشريعها في الدستور. فقد وردت في الدستور بعض القضايا التي نص على تنظيمها بقانون في حوالي ٥٠ موضعا، ولم يتم تشريع الكثير من هذه القوانين رغم مرور ١٣ سنة على نفاذ الدستور الدائم.
    والملاحظ الان ان بعض رجال هذه الطبقة السياسية يستشهد بالسوابق التي تضمنت مخالفات دستورية ويتخذها دليلا لتبرير وتسويغ مخالفات دستورية لاحقة.
    لقد اصبحت المخالفات الدستورية من “عيوب التاسيس” التي تعيق بناء دولة حضارية حديثة في العراق، قائمة على اساس احترام الدستور والقوانين النافذة.

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة