بغداد ــ أكثم سيف الدين
22 يونيو 2018
يتفنّن العراقيون في اختيار صور الزعماء الدينيين أو المراجع البارزة، سواء كانوا على قيد الحياة أو فارقوها، وإلصاقها على سيّاراتهم من أجل تسهيل عملية مرورهم عبر الحواجز الأمنية المنتشرة في عموم البلاد، معتبرين أنّ هذه الصور أصبحت الضمانة الوحيدة للتخلص من تعقيدات الحواجز وبمثابة صكّ براءة من أي اتهامات قد تواجه السائق، حتى وصل بهم الأمر إلى وضعها داخل المتاجر والمنازل.
ويقول خالد ناهي، وهو أحد سائقي سيارات الأجرة في بغداد، لـ”العربي الجديد”: “إنّنا نجول في عموم بغداد ونتعرّض لمساءلة وتأخير في الحواجز الأمنية، من أين أتيت؟ وأين تذهب؟ وماذا تحمل في السيارة؟ وغيرها من الأسئلة التي تؤخرنا. تعبنا من هذا الروتين الذي يؤثر على عملنا ورزقنا، ولم نجد حلّا أفضل من لصق صور زعامات دينية تدين أغلب قوات الأمن والمليشيات بالولاء لها للتخلص من هذه العراقيل”.
ويوضح: “لقد اشترينا صورا ووضعناها على سياراتنا، وبعدها أصبح مرورنا سهلاً للغاية عبر تلك الحواجز، حتى أنّنا لم نتعرض للتفتيش إلّا في حالات نادرة جدا”، مبينا أنه “منذ ذلك الوقت بدأت هذه الظاهرة تنتشر في عموم البلاد، لكنّ هناك سائقين لا يستسيغونها، وكل له رأيه”.
ويشير إلى أنّ هذه الخطوة تخلصهم من زحام الحواجز الأمنية، “فرجل الدين في العراق لا ينفع في الفتاوى والسياسية والأمن والاقتصاد فقط، بل حتى في المرور”، بحسب تعبيره.
وتنتشر محلات خاصة لبيع صور زعماء الدين بأحجام مختلفة ولم تعد حكرا على طائفة معينة، فهي تُشترى لتسهيل الأمور، وفق ما يقوله محمد عدنان، صاحب محل لبيع هذه الصور.
ويقول لـ”العربي الجديد”: “الناس كانت تشتري صور صدام وشعارات البعث لتسهيل أمورها، والآن يشترون صور السيد، ولم يتغير شيء”، ويضيف بشكل مقتضب: “أبيع وأربح، وهذا المهم والناس تحل مشاكلها ولن يغير الله حال العراق حتى يغير الناس ما فيهم”.
ويؤكد أمنيون أنّ انتشار صور السيد والمرجع، وعدم تفتيش السيارات التي تلصق هذه الصور، سببه عدم بناء مؤسسات الدولة على أسس مهنية، والتركيز على الانتماءات الأخرى، وهذا ما حدث بعد العام 2003.
ويقول ضابط على أحد الحواجز الأمنية، لـ”العربي الجديد”: “لقد بنيت مؤسسات الدولة أساسا وفقا للمنظور الطائفي، وقد أصبح الولاء فيها للمعتقد الديني أكثر من الوطني، لذلك بدأ منذ ذلك الوقت التعامل مع العراقي وفقا لانتمائه، فالحواجز الأمنية تسأل من أين أتيت لتعرف المنطقة وتقيس الانتماء، فإن كانت ذات غالبية معينة، يعني أنّ الشخص من الطائفة الفلانية، ويتم التعامل معه وفقا لذلك”.
ويشير إلى أنّ “الكثيرين شرعوا بلصق الصور الدينية للتخلص من هذا العناء على الحواجز الأمنية، وقد أضافوا للصور تشغيل الأناشيد الدينية في مسجل السيارة بصوت مرتفع نوعا ما، ليصل إلى أسماع عناصر السيطرة، عند ذاك سيكون المرور سهلا جدا، وبدون أي تأخير”.
ويختلف المشهد في المحافظات الجنوبية، مع اختلاف أتباع السادة والمراجع، وهم كثر، لذلك تجد سائقي كل محافظة يضعون صور مرجع أو شيخ أو سيد معين.
محاولة إبعاد الشبهات عنهم (العربي الجديد)
ويقول غالب الهاشمي، وهو ناشط مدني من محافظة العمارة، لـ”العربي الجديد”، إنّ “كل محافظة أو منطقة في جنوب العراق تتبع لجهة دينية معينة، وهناك خلافات ومشاكل بين الجهات الدينية، لذا فقد لجأ السائقون المتنقلون بين المحافظات إلى التغيير بين الصور، في كل محافظة بحسب أتباع الجهة الدينية فيها”، مؤكدًا أنّ “هذه الظاهرة لا يمكن إنكارها في المجتمع العراقي للأسف”.
ويؤكّد أنّها “تركة ثقيلة ورثها الشعب العراقي من الاحتلال وتداعياته، وما زالت الحواجز الأمنية تتعامل وفقا لهذا المنظور الضيق”، مشدّدًا على أنه “لا يمكن التخلص من هذه التركة إلا من خلال إعادة بناء مؤسسات الدولة وفقا للأسس الوطنية”، لافتًا إلى أن الأمر وصل إلى كردستان حيث صارت صور القيادات الكردية دليل ولاء وحب لحكومة الإقليم.
ومنذ العام 2003، ومع سقوط الحكومة العراقية، بدأ انتشار صور السادة والمراجع الدينية في العراق على البنايات ومؤسسات الدولة وعلى التقاطعات وفي الشوارع، وحتى المدارس ورياض الأطفال لم تخل منها، فأصبحت ظاهرة مستشرية في المجتمع العراقي.